تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أدب ببصمات فلسفية!

ثقافة
الخميس 10-9-2009م
لميس علي

بوصفه (جسداً حياً) كيف تحدد ماهيته..

كيف يتشكل.. وبم يفكر ذاك الجسد؟.‏

المنعوت (أدباً)، قيل إنه فن من فنون اللغة، واعتبر لقاءً بين الفن التعبيري والخطاب الأيديولوجي، ومهما اختلفت وجوهه وتجرد فناً يبقى تعبيراً عن (أفكار) تتمظهر بمواقف وبوجود إنساني.‏

الأدب بمفهومه الحديث، الذي بدأ يتحدد في القرن الثامن عشر، طرأت عليه تبدلات كثيرة تبعاً لمدارس النقد الحديثة، وهي كما يرى بيار ماشيري في كتابه (بم يفكر الأدب) الصادر مؤخراً عن مركز دراسات الوحدة العربية تبقى ذات دراسات قاصرة لم ترَ من مجمل الموضوع سوى جانب واحد.‏

لمـــــــــــاذا؟‏

جميع تلك المدارس قسرت النص الأدبي باعتباره نصاً مكتمل البناء خالصاً وناجزاً.. وحقيقة الأمر أن أي نص يوسم بأنه (أدبي) ليس نظاماً مكتملاً، مكتفياً بعناصره، بل هو طاقة متجددة، تزداد تفجراً وانفتاحاً بتعدد الدلالات والايحاءات الصادرة عنه، ولهذا هونص يخلق دائماً من جديد ويتوالد باستمرار عبر القراءات، وفق ذلك لايقدم أجوبة جاهزة لأسئلة مطروحة مسبقاً، ما فعلته تلك المدارس أنها كرست جهودها للكشف عن تلك الأجوبة، دون أن تدري أنها إنما تخنق جوهر المعنى الأدبي الكامن في النص.. (النص الأدبي هو هذا النوع من الكتابة الذي يحتمل عدداً غير محدد من القراءات التي تكشف عدداً غير محدد من الايحاءات، وهوإذا وهب دلالته «الحقيقية» من خلال أي من المناهج فهو نتاج ميت)، إذاً هو كيان حي وبجدارة.‏

يقدم ماشيري تطبيقاته الخاصة في قراءة الأدب وفق منهج الفلسفة الأدبية التي يقترحها، فما هي ميزة الأدب التي تكشفها تلك الفلسفة الأدبية؟.‏

وجود أفكار طارئة ويمكن عزلها والاستغناء عنها قضية لايحتملها الأدب، لأن ذلك يدل على أن وجودها كان عرضياً، وليست عناصر مكونة من عناصره الجوهرية، وهو الأمر الذي يرجرج ويزلزل الأدب ببعده الفكري، والنتيجة أنه ليس أدباً بمعناه الصحيح، وليكون كذلك، أي بمعناه السليم، لابد له من إنتاج أفكار وإطلاق رسائل، وميزة أفكاره أنها ليست جافة أو مجردة، كما هو حال الفلسفة، بل يكسيها لبوساً خاصاً جداً مموهاً إياها بالتفافاته وتعرجاته وتعدد أصبغته وألوانه..‏

يطرح ماشيري تمارين الفلسفة الأدبية حول نصوص عدة، منها (كورين) رواية مدام دوستايل الصادرة (1807م) وبؤساء (فيكتورهوغو) وغيرها..‏

محاولاً التأكيد على أنها نصوص أدبية تحتمل قراءات فلسفية، البعد الفلسفي فيها يلوح بطريقة غير إقصائية.‏

أدب وفكر يمتزجان بأنامل أنثوية:‏

ماميز مدام دوستايل محاولتها الجمع بين المتناقضات دون تخفيفها، إذ عبّرت عن أسلوبها الفكري الخاص بخلق شخصيات ذات طابع متقلب.‏

على سبيل المثال، البطل الذكوري في رواية (كورين) المدعو (أوزوالد) يعرض أفكاراً مجردة تبدو لعقل غير متنبه وكما لو أنها تقلب وتناقض. وحقيقة الأمر أنها من خلال بطلها ذاك حاولت التلميح لفلسفة (كنت) مفكر المصالحة الشاملة الذي عرف كيف يتجاوز التعارض بين القلب والعقل. ويؤكد بعض النقاد أن مدام دو ستايل ذاتها عانت عدم الاستقرار من فكرة المصالحة ما بين العقل والقلب، ما بين الدين والفلسفة.. يقول شاتوبريان في رسالة يتحدث فيها عن كتاب دوستايل (في الأدب).. (أحياناً تبدو مدام دوستايل مسيحية.. ثم بعد لحظة تتغلب عندها الفلسفة).‏

جان فالجان بطل العالم السفلي..‏

في منتصف القرن التاسع عشر تولى (أوجين سو) مهمة كاتب الشعب، وما تيمَّز به هو الرواية البحرية.. صفة (البحرية) مأخوذة من الحالة التي عاشها الشعب الفرنسي الذي هزته موجات عميقة في أعوام (1789 - 1830 - 1848 - 1871م) وكأنها أمواج تتلاطم بصورة لا تنتهي.‏

أفاد (هوغو) من هذه الصورة مركزاً على قوة الجماهير الخارجة من البحر.‏

وتأتي روايته (البؤساء) مكرسة صورة البطل بوصفه نموذجاً للإنسان السفلي، بمعنى أن عمق هذا الفرد يعكس عمق الشعب.‏

فصورة (جان فالجان) كانت تعبّر عن صورة رجل يأخذ على عاتقه عبء الشقاء الاجتماعي. صوّر (هوغو) هذا الأمر بصرياً عندما يرفع السيد مادلين (الذي هو جان فالجان) العربة التي انقلبت على الأب فوشلوفان.. يقول ما شيري (حمل على كتفه ثقل العربة كلّه، صورة مجتمع الشقاء، وفي عذابه كان يحمل ويتحمل بكل معاني هذا التعبير، ولكنه لم يكن يزاول مهمة المساندة والتفكير هذه إلا بسبب الموقع الذي تماهى به تماماً في الأسفل إلى تحت، في العمق. وكان بذلك الرجل السفلي).‏

كتابة رواية تتحدث عن مجتمع في أعماقه، ترصد عوالمه السفلية، يغني معرفته، وعلى هذا النحو يكون الأدب ذا بعد فكري فلسفي، كما يرى ما شيري..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية