|
ثقافة فعندما يؤسس لأدب طفلي مميز هذا يعني بالضرورة توقع نشأة جيل واع متماسك يكون قد تجاوز كل المصاعب التي نواجهها اليوم نحن الكبار. فكم كنا بحاجة إلى ذلك الكم الهائل من الأدب الطفلي المميز والتوجيه الصحيح نحو تلقي معطياته وإلا فما شعرنا بهذا النقص الذي يؤكده قلة كتاب أدب الأطفال، وبالتالي تراجع الحركة النقدية عنه. وهذا ما أكده الأستاذ الأديب نور الدين الهاشمي في قوله: (يمكن القول إن الأدب الطفلي في سورية هو أدب حديث، وطارىء بشكل عام. فأدبنا العربي القديم لم يعرف هذا اللون من الأدب. وما نصر عليه من أدب موضوعه الطفل هو يتحدث عن الطفل، وليس موجهاً له، ومع عصر النهضة العربية الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين وانتشار التعليم في مراحله المتنوعة. بدأ هذا النوع من الأدب في الظهور سواء عن طريق الترجمة لأن المناهج المدرسية بحاجة إلى هذا اللون من الأدب الموجه للأطفال في مواضيع تربوية مختلفة.. وساهمت النهضة الأدبية في مطلع السبعينيات على الكتابة في شتى أنواع الأدب الطفلي: القصة، الشعر، المسرح. فظهر عدد جيد من الكتاب نذكر منهم: سليمان العيسى، نجيب كيالي، محمد قرانيا، دلال حاتم، هيثم الخواجة، زكريا تامر، نور الدين الهاشمي، لينا كيلاني، آصف عبدالله، مصطفى عكرمة، مريم خير بيك، وبري العواني، نزار النجار.. كما ساهم ظهور مجلة أسامة في غنى تجربة الكتابة للطفل. ويكفي أن نذكر أن عدداً من كتابنا قد استلم رئاسة تحريرها منهم: (سعد الله ونوس، زكريا تامر، ودلال حاتم). ونجد رأي الأستاذ صبحي سعيد يؤكد (دور جمعية أدب الأطفال في اتحاد الكتاب العرب والتي تضم أكثر من ثلاثين أديباً وشاعراً. يذكر منهم: عزيز نصار، محمد قرانيا، خليل بيطار، ونجيب كيالي، وآخرين ليسوا متفرغين جميعاً لأدب وشعر الأطفال، بل يكتب معظمهم للصغار والكبار. وقد حقق أدباء وشعراء الأطفال نجاحات مهمة في عالم أدب الطفل. على الرغم من أننا ندرك أن أمامنا طريقاًطويلة وشاقة للوصول إلى ظاهرة متطورة ومتميزة في أدب الأطفال، وثقافتهم.) وإذا عدنا بذاكرتنا قليلاً نحو الوراء بنظرة إلى المناهج المدرسية التي مررنا بها فإننا نلاحظ فقر تلك المناهج للنصوص والقصص والمسرحيات.. واعتمادها بشكل عام على أدب التراث. ولنأخذ مثلاً جانب الشعر. فغالبية المناهج المدرسية طبعاً في المرحلة الابتدائية. تحتوي على قصائد عدة للشاعر سليمان العيسى. فهذا دليل على عدم وفرة النصوص لدينا في تلك المرحلة. وقد تطرق الأستاذ الأديب: أحمد اسماعيل اسماعيل إلى النظر في واقع الأعمال المسرحية الطفلية حيث بين (أن مسرح الطفل خاصة لم يتجذر في حياتنا الثقافية، وغير الثقافية ولم يقم على أسس فنية وعلمية صحيحة تأخذ بعين الاعتبار واقع الطفل المتلقي، وعالم الطفولة واحتياجاتها). وقد انعكس هذا القصور في كل جانب من جوانب مسرح الطفل بدءاً بالنص، وليس انتهاء بالعرض. إن الكتابات المسرحية كانت تأتي وعظية، إنشائية. الكاتب يكتب للطفل الذي يعيش في داخله. يتحدث عن قيم، وأخلاقيات لا تنتمي إلى الزمن الحالي. فهو يكتب لزمن مضى متناولاً مواضيعه بشكل مجرد غير واقعي. وإن من أهم الصعوبات التي يعاني منها المسرح هي: تهميش المؤسسات الثقافية له على الصعيد المادي والمعنوي. وعدم الاهتمام لما يحدث من حالات السطو من قبل بعض المخرجين لنصوص الأدباء. كما أن الطفل في المسرح هو مجرد وسيلة، وليس غاية. هو في الهامش. الطفل المتلقي مهم حضوره فقط للابتزاز المادي اضافة إلى أن هناك عروضاً مسرحية سيئة، والذين يتناولون تلك العروض غير أكفاء للقيام بهذا العمل. وهناك كتاب يكتبون خارج الزمن فالطفل الحالي يسبق الكاتب إذا كان الكاتب غير ملم لما يجري من تطورات علمية تقنية أمام الطفل. أما رصد واقع أدب الأطفال في سورية في الوقت الحالي برأي سامر أنور الشمالي (متعذر لأسباب عدة. فليس هناك دراسات جدية لمتابعة ما يصدر في هذا المجال. وهذا ما شكل فراغاً نقدياً كبيراً. فلا يوجد ناقد مختص يقوم بدوره المفترض، و ليس هناك كاتب يتلقى النقد الموضوعي لصقل تجربته الابداعية اضافة إلى تجاهل المجلات والصحف هذا الجنس الأدبي المهمش في المشهد الأدبي المعاصر، وكذلك غياب الاحصاءات الدقيقة لمعرفة عدد الكتب والمجلات التي تصدر أو توزع في المكتبات السورية، ونسبة الأطفال الذين يقرؤونها، إضافة إلى غياب تشجيع الأطفال على القراءة والمتابعة، وعدم توعية الأبوين على أهمية قراءة أطفالهما..) لكن رأي الأستاذ الأديب نور الدين الهاشمي جاء مختلفاً تماماً عن رأي الشمالي. حيث قال: (إن نضج وعمق تجربة أدب الطفل في سورية أدى إلى ظهور عدد من النقاد الذين يؤرخون لهذا الأدب، ويقيمون تجربة الأدباء. وأهم هؤلاء الدكتور: سمر روحي الفيصل، والدكتورهيثم الخواجة، ومحمد قرانيا، وهذا دليل على رسوخ الأدب وتنوع التجربة.) وقد أشار الأديب صبحي سعيد بإنجازات أدب الأطفال وبأننا (مازلنا نراوح ونكرر العديد من المواضيع، ونقلد أحياناً تقليداً أعمى. وهذا ينطبق على بعض الأدباء الذين مازالوا يرون في أدب الأطفال طروحات ومواضيع مثالية تعبر عن قضايا تربوية تقدم لأطفالنا بصورة مباشرة، ولاننسى أن العديد من القصص الموجهة للأطفال ما زالت غارقة في رومانسيات ومثاليات مضى عليها الزمان، ولم تصلح لواقع يعيش قضايا ومشكلات ملحة. تحتاج إلى أديب مبدع يحلل عناصرها، ويفتح أمامها آفاقاً واسعة رحبة للحوار، والمناقشة) ولكن رغم تواضع الكثير من الكتابات الموجهة للأطفال، ثمة أدباء قدموا العديد من المجموعات القصصية المستوفية لشروطها الفنية أمثال: الأديب سامر أنور الشمالي، الأستاذ مصطفى الصوفي، أميمة إبراهيم، حسنة محمود، ابتسام الصالح.. فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما سر غياب الحركة النقدية عما ينشر في هذا المجال؟ وكأن الأمر لا يهم أحداً، أو أن الموضوع النقدي أعلى من أن يشمل أحداً في هذا الزمن، أو ربما هو تنصل من نوع ما. ولنأخذ بعين الاعتبار الأستاذ الأديب والناقد محمد غازي التدمري. وله مجموعات مطبوعة في أدب الأطفال، وغيره.. إذاً هو يمتلك ناصية التأليف، والنقد. وهذا يؤكد على حسن تمكنه من نقد ما يصدر من كتب طفلية بشكل جيد. نحن لا نحمله مسؤولية ما يحدث، ولكن يحق لنا العتب لأننا نعترف بخسارات توجيهية واضحة المعالم، وبفرص قد تساعد على تثبيت أسس منهجية ذات فائدة جيدة. وبصمة مضيئة في عالم النقد الأدبي الطفلي المهم جداً وكأننا أمام حالة اسعافية ملحة. و بالنتيجة لا يسعنا إلا أن نقول: إن أدب الأطفال بحاجة إلى متابعة واهتمام ودعم من كافة الجهات الأدبية والنقدية والمؤسساتية لأنه الركيزة المهمة لتأسيس أجيال ذات صفات متميزة على كافة الأصعدة. وخاصة أننا أمام مرحلة خطيرة جداً لما يقدم للطفل من برامج تشوه ذوقه، وفكره، وبالتالي تحرفه نحو اتجاهات غير سليمة النتائج. |
|