تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءات في الصحافة الإسرائيلية... معادلة غزة.. النار مقابل النار أو التهدئة!!

ترجمة
الأثنين 2-7-2012
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

مرة أخرى صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها مجدداً على قطاع غزة، ليسفر عن استشهاد أكثر من عشرة وإصابة العشرات، فيما ردت المقاومة الفلسطينية بقصف المدن والمستوطنات الجنوبية المحاذية للقطاع بالصواريخ وقذائف الهاون.،

ويرى مراقبون أن الهدف الإسرائيلي من وراء هذا التصعيد هو القيام بعملية عسكرية أكثر كثافة وشدة، في محاولة لتغيير معادلة الصراع على الأرض في غزة.ويقول المراقبون« إن إسرائيل تريد إرسال رسالة ثانية» من خلال تصعيدها على القطاع للشعب الفلسطيني وفصائله ، بأنها غير معنية بالانتخابات المصرية وما ستؤول إليه من اختيار الرئيس القادم»،وإن « ما يهم الكيان الإسرائيلي هو الملف الأمني، وأنها تسعى إلى توسيع المنطقة الفاصلة مع القطاع على حساب أراضي المواطنين.مستغلة انشغال بعض العرب بما يسمى بالربيع العربي او كما تقول هآرتس «إن مصر مشغولة في وضعها الداخلي، وكذلك سورية، وهناك انحياز دولي واضح للإسرائيليين، لذلك تستغل إسرائيل كل هذه الظروف وتحاول أن يستفيد من المرحلة الانتقالية التي يعيشها العرب لتوجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة في الوقت الراهن».‏

بينما يشير محللون إسرائيليون إلى أن الجولة الأخيرة مرتبطة على ما يبدو، بنحو غير مباشر، بما يحدث على الحدود المصرية، وأن كل ذلك يجري على خلفية فوز الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة.وفي ذات الوقت يزعمون بأن حماس فوجئت بقوة الرد الإسرائيلي، وأن قواعد اللعب غير المكتوبة تجيز لـ«إسرائيل» بأن تجبي ثمن مقتل جندي لها، لافتة إلى أنّ الوضع قابل للانفجار.ارتباط التصعيد في غزة بما هو عليه الوضع في مصر، دفع هؤلاء المحللين للقول إن الانتصار الذي يلوح لممثل الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسة المصرية، يمنح رجال حماس ريح إسناد، وإحساسا بأن في القاهرة يوجد رئيس يعتبر «واحدا منهم».خاصة وأن هناك عدة تطورات في النشاط العسكري لحماس منذ بدأت جولة المواجهة الأخيرة في الجنوب، فقد كانت المرة الأخيرة التي كانت فيها شريكا رسميا بنار الصواريخ في نيسان 2011، وحتى في المواجهة الأخيرة في شهر آذار بقيت «خارج المناوشة»، وامتنعت عن الهجوم.‏

لانحتاج إلى مبررات‏

وقد أشار العديد من الكتاب والمحللين الإسرائيليين منذ بداية التصعيد الأخير على غزة :»إن التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة سيكون محدودا وسينتهي ولن يتطور، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه، خصوصًا بعد تبني مجموعة غير فلسطينية مسؤوليتها عن العملية التي أودت بحياة إسرائيلي جنوب الأراضي المحتلة.و إن هذا التصعيد مرتبط بشكل مباشر بالعملية التي وقعت على الحدود المصرية، وفق الرواية الإسرائيلية، واتخذت (إسرائيل) منها داعمة للقيام بسلسلة من الغارات الجوية التي أدت إلى استشهاد عدد من المواطنين والمقاومين.‏

وكما هو معروف فإن الاحتلال لا يحتاج إلى مبررات للقيام بأي خطوات عسكرية على قطاع غزة، وأنه ينظر إلى الأخير بأنه «مصدر ومنبع للإرهاب يجب أن توجه إليه القوة والضغط بين الفينة والأخرى»،.والواضح من تصريحات نتنياهو ووزرائه خلال اجتماع حكومته لمناقشة الوضع على الجبهة الجنوبية:«بان إسرائيل ستواصل ردها على قصف المدن والبلدات الجنوبية ولن تترك المدنيين عرضة لهذا القصف» بحسب نتنياهو ، فيما طالب العديد من وزراء نتنياهو مواصلة العملية العسكرية ضد القطاع « والقضاء على البنية التحتية لما سماه الإرهاب» حسبما طلب وزير الخارجية العنصري ليبرمان . في حين وصف بعض المحللين العسكريين أن هذه الجولة الجديدة من التصعيد تهدف في بعدها العسكري إلى تفحص منظومة القبة الحديدية التي نشرها جيش الاحتلال على الحدود مع غزة بعد آن كشفت الجولات السابقة من التصعيد بان هذه المنظومة لم تكن فعالة على اعتبار أن إسرائيل استخلصت العبر من المواجهات السابقة، وجربت خطتها العسكرية الجديدة ونظامها العسكري،، وفي ضوء الرد الإسرائيلي «المقيد»، نظراً للاعتبارات الإقليمية، فإن ذلك قد يشجع حماس على تصعيد الوضع من جديد، لأنها بادرت للموجة الأخيرة من التصعيد لاعتقادها أن الجيش لن يجرؤ على رد عنيف في ظل التطورات السياسية في مصر» على حد تعبير اليكس فيشمان في يديعوت احرنوت.‏

معادلة جديدة‏

في الوقت الذي أشار المحلل العسكري لهآرتس بأن الواضح من تصريحات نتنياهو وباراك بأن إسرائيل تريد أن تضع معادلة جديدة للصراع مع المقاومة على الحدود الجنوبية على قاعدة ما قاله احد وزراء تنتياهو« نار مقابل نار او تهدئة مقابل تهدئة» وما أظهرته التطورات الميدانية الأخيرة خلال التصعيد بحسب المحلل المذكور أبرزت أن حماس تتصرف كجيش بكل معنى الكلمة: في الغالب، رجالها يوجهون النار نحو قواعد عسكرية، ولا يحاولون ضرب أهداف مدنية، ورجاله يقيدون أنفسهم بإطلاق الصواريخ نحو نطاق غلاف غزة، وليس نحو التجمعات السكانية الأبعد مثل بئر السبع أو أسدود، ومع ذلك فإن المنظمات الأخرى التي انضمت للنار تستهدف البلدات أيضا.» ويتابع المحلل بالقول«: إذا كانت امتنعت حماس حتى الآن عن المشاركة في إطلاق النار نحو «إسرائيل»، فإنها في الأيام الأخيرة تعيد تحديد قواعد اللعب: فهي ستطلق الصواريخ، ولكن نحو أهداف عسكرية فقط، وأن هذا القرار ينبع من عدة أسباب:1- تعرضها لانتقاد شديد في شهر آذار عندما لم تشارك في إطلاق الصواريخ، وأرادت هذه المرة أن تثبت أمام باقي الفصائل، بأنها لا تزال منظمة «مقاومة»، يمكنها وتريد أن تواصل القتال.‏

2- هذه الجولة التصعيدية محاولة لخلق ردع، ولذلك واضح أن حماس لا تريد تصعيدا واسعا، وتمتنع عن توسيع مدى إطلاق الصواريخ، حاليا على الأقل.‏

3- بالنسبة لـ«إسرائيل»، يعد استئناف النار من جانب حماس سببا يدعو للقلق، لاسيما فقدان الردع الذي حققه الجيش في حملة الرصاص المصبوب، ومع ذلك فإن لديها كما حماس كل الأسباب للرغبة في الهدوء، وترك الموجة العنيفة هذه تمر.‏

في ذات السياق، يمكن استنتاج خلاصة ميدانية عملياتية من المواجهة تتمثل بأن حماس غيرت من طريقة عملها بصورة جعلت من الصعب على الجيش كشف صواريخها قبل إطلاقها، حيث تقوم بإطلاقها من خلال حفر أعدت سلفاً، وعملية الإطلاق تتم بالتحكم عن بعد.‏

تغيير البيئة الاستراتيجية‏

في الجانب السياسي من المشهد في الجولة التصعيدية الإسرائيلية الأخيرة على غزة ،يرى محللون إسرائيليون ، بان نتنياهو ، بعد ضمه حزب كاديما بزعامة موفاز إلى حكومته ، يرى نفسه غير مقيدا باتخاذ أي قرار يتعلق باي تصعيد عسكري وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة ، باعتباره الحلقة الأضعف في المعادلات الإقليمية من جهة ،وتغيير البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل على ضوء ما يجري في المنطقة بشكل عام ومصر على وجه الخصوص من جهة أخرى ، وهو بهذا التصعيد المحسوب والمحدود ، لايريد أن يجعل من الوضع في غزة أن يتصدر أي أجندة إقليمية او دولية بعد أن أبعدت بعض الأطراف العربية وخاصة الخليجية القضية الفلسطينية عامة عن أجندتها ، وعلى ضوء انشغالها بما يسمى « الربيع العربي» إلى جانب محاولاتها لتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع مع إيران وهي مسألة غاية في الأهمية بالنسبة لإسرائيل .‏

تحليلات الصحف الإسرائيلية أجمعت في تقييمها للتصعيد الإسرائيلي الأخير على غزة بان إسرائيل وجيشها تخرج في كل جولة من هذه الجولات التصعيدية خاسرة ، فلا هي قادرة على ردع الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم كرد على القصف الجوي باستهداف المدن والمستوطنات الجنوبية ، ولا منظومة القبة الحديدية بقادرة هي الأخرى على توفير الحماية لهؤلاء السكان ، فهي بذلك تداري خسارتها بتهديد جديد لتصعيد جديد , عوفر شليح كتب في معارفي يقول :«إطلاق الصواريخ نحو عوفدا ومتسبيه رمون والعملية الفتاكة على الجدار الذي يقام على الحدود مع مصر هو من نوع المواجهة الجديدة للجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية: أعمال محلية، يحتمل أن تكون نبعت من تداخل مصالح موضعية اكثر من هدف أعلى مميز. هذا نمط عمل يجعل من الصعب جدا سواء إحباط العمليات أم خلق رد فعل ناجع ضدها. الانباء السيئة حقا هي انه كفيل بأن ينتشر في المستقبل القريب الى جبهات اخرى.‏

جولات الدم والدمار‏

وتابع شليح يقول :»هكذا كانت الحال أيضا في الجولة السابقة في آب 2011: ففي سلسلة عمليات قرب ايلات قتل ثمانية إسرائيليين وجرح أربعون. وقصف الجيش الإسرائيلي غزة، وفي الأساس «لجان المقاومة الشعبية». وعُلم بعد ذلك أن المخربين كانوا أصلا مواطنين مصريين من ناس الجهاد العالمي في سيناء، لكن غزة دفعت الثمن آنذاك. ومقابل ذلك دفعت إسرائيل أسبوع قتل وخوف في البلدات الجنوبية.لو لم يكن ذلك فتاكا ونازفا بهذا القدر لأمكن أن يكون مسليا، ولعبة أولاد، فهناك شيء ما صبياني بصورة مخيفة في جولات الدم والدمار: فهم يبدؤون ونرد نحن، وهم يردون ونرد نحن بصورة أقوى. وهجمات إسرائيل غبية والانتقام الإسرائيلي لا يقل غباء. ويحاول الفلسطينيون وأنصارهم أن يُذكروا بوجودهم بالعنف الذي لا يأتيهم بأي فائدة وترد إسرائيل بصورة آلية لاتأتيها بأي فائدة ايضا.‏

تصعيد محسوب‏

وتحت عنوان « تصعيد محسوب » كتب اليكس فيشمان في يديعوت :«من بعث بطائرات سلاح الجو للقصف في غزة في 1 حزيران كان ينبغي له أن يأخذ بالحسبان بأن هذه الغارة ستفتح جولة أخرى من النار من القطاع، وهذه المرة بإدارة حماس – بعد سنة ونصف لم تشارك فيهما المنظمة في إطلاق النار على إسرائيل. يحتمل جدا أن يكون قرار القيادة السياسية والعسكرية إطلاق الطائرات – في ظل المخاطرة بفتح جبهة في الجنوب – كان صحيحا. ولكن التفسيرات التي تطرح في إسرائيل على أن حماس «لأسباب داخلية أو خارجية» قررت على نحو مفاجئ تحطيم الأواني والهجوم – لا ترتبط بالواقع الإقليمي. المفاجأة الوحيدة في هذه القصة هي أن حماس انتظرت نحو ثلاثة أسابيع إلى أن فتحت النار»‏

وحول فشل منظومة القبة الحديدية كتب المحلل العسكري في هآرتس رؤوبين بدتسهور يقول:«إن الزعم الذي يقول إن نصب القبة الحديدية يُمكّن مواطني بئر السبع وعسقلان من أن يعيشوا حياتهم المعتادة بلا خوف هو زعم واهم ، ففي الجولة السابقة اضطر نحو من مليون مواطن الى البقاء زمنا طويلا في المناطق الآمنة وتشوشت الحياة العادية ولم يقلّ عدد المصابين بالرعب. والمفارقة المنطقية هي انه في المنطقة التي لاتحميها القبة الحديدية، أي في غلاف غزة، استمرت الدراسة كالمعتاد في حين عُطلت في عسقلان وبئر السبع اللتين تحميهما القبة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية