|
شباب كبيرة وخاصة بأوساط الشباب، وقد اعتدنا في مثل هذه المناسبات أن نرى شرفات المنازل متشحة بأعلام المنتخبات المشاركة « كل على هواه» لكن وللأمانة فقد اختفت هذه الظاهرة في البطولة التي انتهت أمس، ومع أننا نعرف السبب إلا أننا استأنسنا بآراء مجموعة من الشباب فعرفنا من خلالهم أن الوطن والسياسة حضرا بقوة في بطولة أوروبية اعتدنا أن نستمتع بالفرجة عليها.. في مثل هذه البطولات غالباً ما يتحوّل منزلي إلى ما يشبه « المقهى العام» فيجلس أمام شاشتنا عدد كبير من المتفرجين متعددي الأهواء ومن خلال هذه «اللمّة» تتفتّق الآراء وتتباين المواقف لكن ثمة إجماع كان واضحاً تماماً تمثّل في تشجيع الجميع للمنتخب الروسي وتمنّي الفوز له في جميع مبارياته وقد بلغت الحماسة ذروتها عندما فازت روسيا على إيرلندا /4-0/ ولكن كانت المشاعر مختلفة تماماً عندما خرج المنتخب الروسي من الدور الأول وودع البطولة باكراً.. لستُ هنا في صدد عرض نتائج البطولة أو تحليل مستواها أو الإضاءة على الفرق المشاركة فيها ولكن سأتحدث عن وفاء السوريين وعن قدرتهم على ردّ التحية بمثلها أو بأجمل منها ومدى تأثير السياسة والمواقف على المزاج العام والشعور.. لأنها روسيا
لا يخفى على أحد الدور المساند للحقوق السورية الذي لعبته روسيا الاتحادية منذ بداية الأحداث في سورية حيث قرأت المشهد السوري بكثير من الموضوعية وتصدّت لكلّ محاولات إسقاط الدولة السورية التي رأت في مكوناتها ما يلبّي تطلعات مواطنيها، فدعمت خطوات الإصلاح التي أعلن عنها السيد الرئيس بشار الأسد، واحترمت إرادة الشعب العربي السوري ودعمت هذه الإرادة، وعرّت ما حاول الغرب أن يتعامى عنه ورفضت مجرد البحث بأي تدخّل خارجي بالشأن السوري الداخلي.. ولأن السوريين أوفياء بطبعهم فقد سارعوا إلى الساحات شاكرين روسيا على مواقفها المؤيدة للحقّ السوري وزارت سفارتها بدمشق وفود مثّلت جميع أطياف المجتمع السوري، وعندما حضرت المناسبة الرياضية وحضرت روسيا فيها كان الوفاء السوري وعلت الأصوات مع كلّ فرصة تسجيل للمنتخب الروسي وكان العناق مع كل هدف لروسيا في مرمى المنافس من قبل الكثيرين... من يتابع كرة القدم العالمية يعرف أن الكرة الروسية لا تحتل موقعاً متقدماً على خارطة الكرة العالمية، ونجومها ليسوا على شهرة كريستيانو رونالدو البرتغالي أو تشافي الإسباني أو روني الإنكليزي أو روبن الهولندي والأبرز في المنتخب الروسي هو أرشافين ومع هذا مال الكثيرون بمشاعرهم للمنتخب الروسي على حساب المنتخبات التي تضمّ نجومهم المفضلين، وعلى الرغم من كلّ ما يقال عن فصل الرياضة عن السياسة إلا أن كرة القدم اتكأت في بطولة أوروبا 2012 على أكتاف السياسة وتحدد بعدنا أو قربنا من هذا المنتخب أو ذاك بحسب قربه أو بعده عن مصلحة بلدنا. السياسة في كل مكان أتذكّر كيف وقف الدمّ في عروقنا ونحن نتابع عملية اختيار الدولة المستضيفة لكأس العالم 2022 لأن «الشقيقة قطر» إحدى الدول المرشحة لهذه الاستضافة، ونتذكّر كيف قفزنا في مكاننا حتى كدنا نلامس سقف البناء الذي جمع مجموعة من الشباب الذي يجري في عروقهم الدم العربي الأصيل، وما إن أعلن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عن فوز قطر باستضافة كأس العالم 2012 حتى أرسل لي صديق اسمه «أحمد نصر» رسالة موبايلية يقول فيها: (مبروك.. تحقق نصف الحلم والنصف الآخر بيد سيدنا عزرائيل/ ويعني بالرسالة أنه سيكون بإمكاننا حضور كأس العالم لأنها ستقام في دولة عربية قريبة منّا وتتكلم بلغتنا، أما النصف الآخر الذي هو بيد سيدنا عزرائيل فيقصد إن كتب الله لنا عمراً حتى عام 2022، وعندما قررت «الجامعة العربية» تجميد عضوية سورية قرر الاتحاد الرياضي في سورية عدم المشاركة في بطولة كأس العرب لأن هذه البطولة من أنشطة هذه الجامعة... ما نريد قوله هو أننا لا نستطيع فصل أي شيء عن الوطن، وبإمكاننا أن نتخلى عن أشياء كثيرة نحبّها في سبيل الحبّ الأكبر وهو حبّ الوطن.. وداوني بالتي كانت هي الداء! كان واضحاً منذ البداية أن جحافل الظلام لن تترك وسيلة إلا وتستخدمها ضدّ سورية، ومن بين هذه الوسائل كرة القدم بالدرجة الأولى لما تحظى به من متابعة جماهيرية كبيرة، فقرروا منع المنتخبات والأندية السورية من اللعب على أرضها بحجة عدم توفر الأمن، واستدعت كلّ من فرنسا والبرتغال مدربيها العاملين في سورية، ورفضت معظم الدول اللعب مع منتخبنا ودياً، وشوّهوا الرياضة من خلال إساءتهم «المعدّة بعناية» للمنافسات الرياضية، والأبشع من هذا كلّه أنهم ومنذ فترة يعملون على «كركبة» الوفد السوري الذي سيشارك في أولمبياد لندن هذا الشهر، من خلال تأخير منح تأشيرة الدخول لرئيس الاتحاد الرياضي العام إلى لندن بشكل مخالف لكل قوانين وشروط العقد الموقع بين اللجنة الأولمبية الدولية والمدينة المستضيفة للأولمبياد، ونتوقع أن يُعامل وفدنا في لندن بطريقة استفزازية، ومع هذا يجب أن نردّ على عالم الظلام بأحد أمرين حاسمين، إما الانسحاب إذا ما استمرت مضايقة المنظمات الرياضية العالمية للرياضة السورية، وإما تحقيق نتائج جيدة نقلع بها عيونهم.. هذا الكلام يحرّك الشباب الرياضي في سورية، ويزيده قرباً من رياضة بلده ودعماً لها بعد زمن مالت فيه المشاعر نحو الرياضة الأوروبية المتطورة عن رياضتنا، أما وقد أصبحت الرياضة تحدياً وطنياً فإن شباب الوطن أصبحوا أكثر قرباً، وأصبح سؤالهم عن نتيجة مباراة لمنتخب سورية ولو كان لفئة الناشئين هو الأكثر حضوراً، وأتلقى يومياً عشرات الاتصالات عن منتخبنا الوطني الذي يشارك بتصفيات كأس آسيا لفئة تحت 22 سنة في السعودية ومعظم هذه الاتصالات يتمحور حول نقطة أساسية ( المهم أن نفوز على السعودية) في ردّة فعل واضحة ومحقّة على الموقف السياسي السعودي من الأحداث في سورية.. باختصار لم يعد لدى الشباب السوري أي معيار أو مقياس يتقدّم على معيار ومقياس الوطنية، فما ينسجم مع وطنهم ووطنيتهم هو المفضّل لديهم وما عدا ذلك فهو موضع نقاش وربما رفض.. هذا التحوّل ليس جديداً على الإنسان السوري الذي عاش منذ الأزل معتزاً بنفسه، فخوراً بوطنه، متمسكاً بقيمه ومبادئه، ولأننا بدأنا مع كرة القدم فإننا ننهي معها بالقول: كانت لدى معلقينا الرياضيين جملة شهيرة عندما تكون المنافسة بيننا وبين أي منتخب عربي آخر وهي: «عزاؤنا أن فريقاً عربياً هو الذي فاز وتأهل».. هكذا نحن فأين الآخرون منّا... |
|