|
فضاءات ثقافية هنا مقالة معدة عن الصحف الفرنسية التي تناولت الكتاب: بالنسبة إلى الكثيرين من ركاب المترو المداومين، في ذلك الصباح، كانت الرائحة الكريهة هي أول ما لفتهم وأثار حيرتهم. رائحة غير محددة المعالم، مثلما بقي المحيط الذي تنبعث منه غامضاً. «كانت رائحة نتنة»، هذا ما أجمع على قوله غالبية الركاب حين تمّ استجوابهم بعد تنفيذ «عملية الهجوم» على حافلات المترو ذاك اليوم. في لحظتها، لم يشعر الجميع بالقلق منها. كان الصباح لا يزال باكراً، وكان الجميع ذاهبون إلى أعمالهم، والقاطرات مليئة بالناس، لذلك من كان منهم قد وجد كرسياً شاغراً ليجلس عليه، لم يبحث مطلقاً عن مغادرة مقعده، ليهرب من تلك الرائحة، بل بقي مسمراً عليه. حدث ذلك يوم 20 آذار عام 1995، إذ قام بعض الأفراد المنتسبين إلى «طائفة اوم» بالهجوم الأكثر إجراماً الذي عرفته اليابان. وكان من نتيجة ذلك موت 12 شخصاً وجرح أكثر من 5000 بعد أن تنشقوا الغاز السام في مترو طوكيو. حدث ذلك الهجوم بعد شهرين من زلزال كوبي، فجاءت الكارثة الجديدة لتهز المجتمع الياباني بعنف، إذ اكتشف فجأة أنه مجتمع أنجب العديد من الإرهابيين. تشاء الصدف يومها أن يكون الكاتب هاروكي موراكامي عائداً إلى بلاده، من الولايات المتحدة الأميركية حيث يقيم، ليمضي بعض أيام إجازته في مسقط رأسه. وحين علم بالأمر، قرر بعد عدة أيام أن يبقى في مكانه، كي يجري مقابلات مع الضحايا، ومن ثم في وقت لاحق، ليجري مقابلات مماثلة مع جماعة أوم، وذلك بهدف إيجاد جواب عن السؤال الذي كان يؤرقه: «ما الذي حصل بالضبط في مترو طوكيو صباح 20 آذار 1995؟ هذا التحقيق الذي قاده الكاتب الياباني الشهير، وأحد الوجوه البارزة اليوم على خارطة الرواية في العالم، صدر عام 1997 باللغة الانكليزية بعنوان «أندر غراوند». الكتاب صدر مؤخراً بترجمة فرنسية، إذ ارتأى ناشره الفرنسي، وبعد النجاح الذي عرفته روايته الأخيرة (حيث بلغ عدد النسخ المبيعة لغاية الآن أكثر من نصف مليون نسخة، على الرغم من أنها صدرت في 3 أجزاء) أن يصدر هذا الكتاب أخيراً، ليقدم وجهاً جديداً من وجوه موراكامي التي تبقى شبه مجهولة بالنسبة إلى العدد الكبير من قرائه. عبر تحقيقاته هذه، يكشف موراكامي عن صورة آسرة للمجتمع الياباني، وبخاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالعالم وبالعمل. كذلك يسمح لنا هذا الكتاب بأن نفهم هواجس الكاتب والموضوعات الحاضرة بقوة في أدبه مثل الغربة عن العالم وتقديس الزعيم. بمعنى آخر يأمل الكاتب بأن يكشف عن جانب آخر من جوانب هذا الهجوم الذي لم تهتم به الصحافة يومها، مثلما لم تهتم في معرفة تأثيرها على السكان. وخاصة أن الهجوم على مترو أنفاق طوكيو، لا يزال يشكل حدثاً راهناً في اليابان، إذ أن آخر المشتركين في هذه العملية (وهو ينتمي إلى هذه الجماعة) تمّ إيقافه في ربيع 2012 وهو لايزال ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه. |
|