تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مسارات... مكتبة وزنها 280 غراماً

ملحق ثقافي
الأحد 26-6-2012
مانيا سويد -وداعاً أيها الكتاب الورقي، لقد كان لنا معك ذكريات طيبة، أثرت فينا كثيراً، سوف نفتقدك يا من كنت خير جليس، لكن ما من شئ يمكننا فعله وقد بدأت سنة التحول والتطور تفرض قانونها الأزلي فيك

ليريحك ويستبدل بك جليساً الكترونياً، يبدو أنك تعيش آخر أيامك، ستصبح مجرد ذكرى، ستتحول إلى تراث ويكون من يملكك كمن يملك أثراً من زمن الفراعنة أو الإغريق أو الرومان، أو تتحول المكتبات التي تسكنها إلى مجرد ديكور، هذه عبقريتنا، منذ زمن غير بعيد كان الغرب يعيب علينا أننا نخصص في بيوتنا مساحات للمكتبات ثم نرص فيها الكتب ولا نقرأها، هذا الغرب لا يملك بعد النظر الذي نملكه نحن، لا يعرف أنه كان في داخلنا هاتف يؤكد لنا أن هذا هو مستقبل الكتاب الورقي وأن الزمن يخبئ لنا اختراعاً يغنينا عن الاعتماد عليه..‏‏

منذ حوالي 50 سنة فكر الناشرون في طريقة مبتكرة للتخفيف من معاناة القارئ مع حجم الكتاب الكبير وفتشوا عن وسيلة للحد من تلك المعاناة وتمخضت قرائحهم عن فكرة اعتبرت عبقرية آنذاك عرفت بما أطلق عليه كتاب الجيب، أقصى ما قدمه كتاب الجيب وقتها هو تمكين القارئ من حمل كتاب، كتاب واحد، بحجم كف اليد ليقرأه أينما ذهب ثم يضعه في جيبه، لكنه كان منتفخا ويطبع بخط صغير جدا وبالتالي لم يكن صالحاً إلا لفئة الشباب ولذوي البصر الحاد، ثم تراجع مريدوه من الشباب بعد أن ارتدوا «الجينز» الذي لا تصلح جيوبه لحشر كتاب الجيب المنتفخ، لم يكن الناشرون وقتها يعلمون أن ضالتهم تكمن في شئ آخر لا علاقة له بالورق يطلق عليه «الكندل» أو قارئ الكتب الالكتروني، لم نكن نتصور أن يوما سيأتي علينا ونحمل بين يدينا مكتبة كاملة تحوي 1500 كتاب أو يزيد بسعر لا يزيد على العشرة آلاف ليرة ولا يتجاوز حجمها حجم الكتاب الورقي التقليدي لكنها أخف منه وزناً، وأرق سماكة، وعلاوة على ذلك لم تعد مضطراً لأن تلعق أصابعك إذا أردت أن تقلب صفحة الكتاب الذي تقرأه..‏‏

ليس هذا فحسب، انتظر قريباً أن تقرأ صحيفتك اليومية عبر هذا الجهاز العجيب، وبالتالي لن تضطر إلى الذهاب إلى بائع الصحف ولن يأتيك هو ليضع صحيفتك عند باب بيتك، كما أنك لن تضطر إلى غسل يديك بالصابون عقب القراءة لإزالة الحبر الذي علق بهما نتيجة الإمساك بالصحيفة..‏‏

صانعو المكتبات الخشبية والحديدية، أصحاب وعمال المطابع، تجار الورق ومصنعوه، تجار الأحبار والألوان ومصنعوها، بائعو الصحف والكتب، موظفو المكتبات العامة، كل هؤلاء سيصبحون مجرد ذكرى.. وماذا عن المعارض الدولية للكتب؟ هل ستصبح بدورها مجرد ذكرى؟ أم أن القائمين على تنظيمها سيبقون عليها مع تعديل بسيط في اسمها، من معارض الكتب إلى متاحف الكتب؟‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية