تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وصايا بوش الأخيرة !

شؤون سياسية
الأحد 30/11/ 2008 م
فؤاد الوادي

هل حقاً مازال في جعبة بوش متسع للنصائح لكي يقدمها لخلفه أوباما بحسب ما قاله خلال اللقاء الذي جمعهمامؤخراً هذا إذا افترضنا مجازاً أن في جعبته غير الموت والدمار? وهل أوباما الذي رفع شعار التغيير عنواناً لحملته الانتخابية بحاجة لوصايا رجل امتطى صهوة الجنون طيلة فترة ولايته?.

المدهش في الأمر أن بوش الذي أتحف العالم بوصاياه وقراراته الحكيمة مدة ثماني سنوات والتي أدت على الأقل لمقتل مليون إنسان في العراق وحده لم يدرك لغاية هذه اللحظة أن أحداً لم يعد بحاجة إلى نصائحه ووصاياه التي يعرف الجميع مضمونها سلفاً كونها أنتجت سياساته التدميرية على مدى سنوات حكمه, وهي التي فرضت إلى حد كبير مثل هذا الإجماع داخل المجتمع الأميركي نحو التغيير وانتخاب رجل رافض لمعظم سياسات إدارة بوش.‏

إن الحرائق التي أشعلتها وصايا بوش في مختلف بقاع الأرض, والتي قال يوماً إنه يتلقاها من الرب مباشرة ستضع أوباما أمام تحديات كبيرة في انتهاج سياسة التغيير التي أعلنها خلال حملته الانتخابية لمعالجة الملفات الكثيرة الشائكة والمعقدة التي أورثتها إياه هذه الوصايا والتي تحتاج منهجية جديدة ومختلفة في التعاطي معها, ذلك أنه لم يعد بوسع أحد الاستمرار في ظل هذه الوصاية العمياء التي لاتخضع لأي منظومة أخلاقية أو قانونية.‏

أولى هذه التحديات التي تواجه الرئيس الجديد هي الأزمة الاقتصادية التي هزت الداخل الأميركي وأصابت تداعياتها معظم دول العالم والتي تحتاج حلولاً سريعة وجذرية وديناميكية عالية للتعامل مع المؤسسات الاقتصادية العملاقة التي تؤثر بشكل كبير في السياسة الأميركية من خلف الكواليس هذا إضافة إلى الكثير من المشكلات الداخلية التي يعاني منها المجتمع الأميركي كارتفاع نسب البطالة بين الشباب وتزايد موجات العنف عند المراهقين وخاصة طلاب المدارس وكذلك مشكلة تزايد الضرائب والتي وعد أوباما مراراً بالتخفيف منها.‏

أما على صعيد التحديات الخارجية التي أنتجتها وصايا بوش وقراراته فهي كثيرة جداً وملتهبة إلى حدود الانفجار إن لم تسارع الإدارة الجديدة بتبريدها ففي العراق الذي كان أوباما من أشد المعارضين للحرب عليه وبعد خمس سنوات من الاحتلال لاتزال القوات الأميركية تتكبد الخسائر الفادحة المادية منها والجسدية حيث قدر حجم الإنفاق الأميركي على غزو العراق نحو 12 مليار دولار شهرياً وتجاوز عدد قتلى الجنود الأميركيين 4000 قتيل إضافة إلى قتل وتشريد ملايين العراقيين, وهو ماسيجبر الرئيس الأميركي الجديد بالتفكير جدياً في إعادة انتشار هذه القوات أو حتى تخفيض عددها أو سحبها كما وعد الشعب الأميركي خلال حملته الانتخابية.‏

أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تشكل الاختبار الأهم لأوباما من المنظور العربي من حيث إدارة الصراع العربي الإسرائيلي بنوع من الواقعية السياسية على أقل تقدير كون الولايات المتحدة تدعي الرعاية النزيهة لمحادثات السلام بالمنطقة, ذلك أن طلب الحيادية وعدم الازدواجية في المواقف والتخلي عن إبداء الدعم المطلق (لإسرائيل) من أميركا هو حلم بعيد المنال لأنه لايمكن لأي رئيس أميركي دخول البيت الأبيض إلا عبر البوابة الإسرائيلية بعد تقديم فروض الولاء والطاعة (لإسرائيل) وهو ما أعلنه أوباما بشكل صريح, والواقعية السياسية التي نطالب أوباما بها هنا تفرضها المواقف الإيجابية التي أبدتها السلطة الفلسطينية والأطراف العربية في كل المؤتمرات والاجتماعات العربية والدولية التي دعا إليها المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وكان آخرها أنا بوليس الذي ذهب أدراج الرياح بسبب الإرهاب والتعنت الإسرائيلي.‏

وفي أفغانستان سيجدأوباما نفسه أمام مشكلة حقيقية تتمثل في تراجع الوضع الأمني ونجاح حركة طالبان في ترجيح كفة موازين القوى لصالحها في بعض الأقاليم على الأقل, فضلاًِ عن تزايد وكراهية الشعب الأفغاني للقوات الأجنبية على خلفية استهداف المدنيين.‏

أمام هذه الملفات المعقدة والشائكة التي سيورثها بوش للرئيس الجديد والتي لم تولد إلا بفعل سياساته الخاطئة, يجد أوباما نفسه أمام تحديات خطيرة لاتحتاج إلى نصائح ووصايا بوش وإنما إلى حلول سريعة وقرارات حكيمة تحدد مصداقيته, وكما نردد على الدوام أنه يجب ألانراهن على أحد سوى أنفسنا, فبحجم مراهناتنا على الآخرين تكون خيباتنا وهزائمنا.‏

fpressf @yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية