|
شؤون سياسية وقد علق العديد من المحللين والخبراء على نصوص هذه المعاهدة مشيرين إلى أن أهم مايكتنفها: الغموض في العديد من الفقرات أو المواد, إلى جانب قابليتها لعدة تفسيرات, بمعنى أنها تقبل أكثر من تأويل. وبالطبع, هذا الأمر كان مقصوداً من الأساس من جهة أخرى فإن أي معاهدة تفرض أو تعقد في ظروف الاحتلال ستكون ظالمة ولصالح المحتل, كونه الطرف الأقوى والقادر على فرض الشروط التي يريدها. ومن خلال الاطلاع على بنود هذه المعاهدة حيث وردت فيها كلمة (الطرفان) عشرات المرات يبدو للوهلة الأولى وكأن الطرفين متكافئان, بينما الأمر مخالف تماماً لذلك يتضح أن تكرار هذه الكلمة في بنود المعاهدة جاء مقصوداً ليوحي بأن الطرفين على قدم المساواة في القدرة على فرض الآراء. إذا استعرضنا بعض الفقرات الخاصة بانسحاب القوات الأميركية نلمس مثل هذا الغموض الذي أشرنا إليه, وعلى سبيل المثال لنأخذ هذه الفقرة التي تقول: (عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق... أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة..! يقوم الطرفان بالشروع فوراً في مداولات استراتيجية.. وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة التي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية, أو أي جزء آخر للتعامل مع مثل هذا التهديد). بدايةً, ما معنى المداولات الاستراتيجية من وجهة النظر الأميركية?! الأمر الثاني أن الولايات المتحدة ستتخذ الإجراءات المناسبة, فما هذه الإجراءات وما دور العراق فيها? كلها أمور غامضة وملتبسة.. المادة الأخرى وتتعلق بالتعاون الوثيق في تعزيز المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق. ألا تعني هذه المادة السيطرة الكاملة للولايات المتحدة على الجيش العراقي وعلى دوائره الأمنية وعلى السلطة التشريعية والتنفيذية فيه? فتدريب وتسليح الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية يخضع للأميركيين, هذا إلى جانب البند الذي يقول (بمراجعة الطرفين للتقدم الذي تحقق باتجاه الوفاء بتاريخ الانسحاب سواء من المدن والقرى أو بالانسحاب النهائي والأحوال التي يمكن أن يطلب من الطرف الآخر إعادة النظر في الفترات المحددة للانسحاب). إن هذا البند يشير بصياغته الحالية إلى أن مسألة تاريخ الانسحاب المحدد ليست نهائية, وأن بقاء القوات الأميركية قابل للتجديد.. هذه إذاً بعض الأمثلة على أن هذه المعاهدة مذلة للعراق, وخطرة على آمنه, وآمن الدول المجاورة للعراق وغير المؤيدة للسياسة الأميركية من زاوية الوجود العسكري الأميركي في العراق لثلاث سنوات أخرى أو أكثر, نجد أن الأميركيين باقون بموجب هذه المعاهدة في العراق لسنوات طويلة, وذلك كمواقع مراقبة, ومراكز إشراف وتدريب لجيش العراق ولقواته الأمنية, هذا إلى جانب المحطات الأمنية والاستخبارية المنتشرة في كل أنحاء العراق بحجة ملاحقة تنظيم القاعدة والشبكات المرتبطة به حسب التصور الأميركي.. إذاً ليس المهم القواعد العسكرية الأميركية في العراق لأن الولايات المتحدة لها عدة قواعد عسكرية في المنطقة, وفي بعض البلدان العربية, ولكن المهم هذا الوجود الأميركي الاستعماري العصري الذي يتمثل بالاعتماد على المؤسسات الأمنية والسياسية والشركات ورجال الأعمال ونستطيع القول إن العراق أصبح مرتعاً خصباً للعقود والصفقات التجارية الأميركية, وهذا ما نصت عليه المعاهدة, وأكدت بنودها على مضمونه وبما يؤدي إلى ربط العراق بالولايات المتحدة اقتصادياً وصحياً وتربوياً وبيئياً, ومثل هذا الربط لا شك بأنه أهم من الربط العسكري على المدى البعيد. إذاً, للمعاهدة أبعاد ليست عسكرية وحسب, بل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تبقي للعراق أي سيادة وإذا ما تساءلنا لماذا الإصرار الأميركي على توقيع المعاهدة قبل نهاية العام الحالي? السبب الأول هو أن هذه المعاهدة تخلصها من العودة إلى مجلس الأمن للتجديد لقواتها, لأن هذا التجديد من الممكن ألا يحصل تستخدم روسيا ضده حق الفيتو بسبب الموقف الأميركي من الحرب الجورجية الأخيرة, السبب الآخر أن هذه السنوات الثلاث لانسحاب القوات الأميركية -إذا حصل- كافية من وجهة النظر الأميركية لتحقيق الاستقرار في العراق وتأمين المصالح الأميركية فيه, ثم لتحديد وجهة الحرب في أفغانستان, وتصير المواجهة مع إيران, أي أن هذه السنوات الثلاث توفر للإدارة الأميركية فرصة إمكانية تكريس الهيمنة على العراق والتقاط الأنفاس للتعامل مع البؤر الأخرى مثل أفغانستان وما تسميه الملف النووي الإيراني وأحداث باكستان المستجدة. |
|