|
ثقافة قلت :لا, بل شاهدته فيلماً, قال: أحسدك من كل قلبي! حين استغربت الجواب, قال: أحسدك لأنه ما زال أمامك فرصة للاستمتاع بقراءة ذلك الكتاب العظيم, أما أنا فقد قضيت تلك المتعة! وسألني ثشانية: هل اشتريت كتاباً.. قلت ليس بعد! قال: إذاً لديك متعة اقتنائه أما أنا فلا يمكنني شرؤاة ثانية! ما هو سرّ الكتابة والكتاب ومن أين لهما كل ذلك السحر? في كتابه صنعة الشعر يقدم بورخيس ست محاضرات حول: لغز الشعر, الاستعاره, فن حكاية القصص , موسيقا الكلمات , الفكر والشعر, ومعتقد الشاعر. من ذلك الكتاب إليكم بعض القطوف. في الكتابة والكتاب يعتبر الشاعر بورخيس نفسه قارئاً تجرأ على الكتابة, ويظن أن ما قرأه أهم بكثير مما كتبه, فالمرء يقرأ ما يرغب فيه, لكنه لا يكتب ما يرغب فيه, وإنما ما يستطيعه! ويرى أن متعة القارئ أكبر من متعة الكاتب, فالقارئ غير مضطر إلى الإحساس بالقلق أو بالغم, إنه يتطلع إلى السعادة وحسب. عمل بورخيس كأمين في ضواحي بوينس ايريس, وكان أميناً عاماً للمكتبة القومية, وبذلك تمكن من الإقامة في الحبر والكتابة, وقال عنه جون كنج ! ) إن بورخيس كان يعلن دائماً أنه قارئ أكثر منه كاتباً, أمضى بورخيس حياته وهو يقرأ ويحلل ويكتب, أو يحاول أن يكتب - كما قال- ويستمتع وكان هذا الأمر الأخير هو الأهم ويتساءل: ما الكتاب بذاته? إنه شيء مادي في عالم أشياء مادية, إنه مجموعة رموز ميتة وعندما يأتي القارئ المناسب تظهر الكلمات إلى الحياة . من أجل إبداع كتاب عظيم ربما كان الشيء الوحيد الضروري الأساسي وشديد البساطة أنه يجب أن يكون في بنائه شيء مبهج للمخيلة. ويقول بورخيس: الفن يحدث في كل مرة نقرأ فيها قصيدة ما, ربما يلغي ذلك في الظاهر على الأقل المفهوم التوقيري للكلاسيكيين أي مفهوم الكتب الخالدة التي نجد فيها جمالاً على الدوام. إن الإغريق لم يستخدموا الكتب كثيراً ومعظم معلمي الإنسانية الكبار لم يكونوا كتاباً بل خطباء (فيثاغورث, سقراط, بوذا..) تساءل أفلاطون: ما الكتاب ? وأجاب: يبدو الكتاب كائناً حياً مثل لوحة رسم لكننا إذا وجهنا إليه سؤالاً لا يجيب! فنرى عندئذ أنه ميت! ومن أجل تحويل الكتاب إلى شيء حي اخترع أفلاطون الحوار الأفلاطوني الذي يستبق شكوك القارئ وأسئلته, وهكذا كتب أفلاطون المحاورات. يؤكد بورخيس: إن وضع الكتاب في يد الجاهل لا يقل خطراً عن وضع السيف في يد طفل ! وهكذا كانت الكتب في نظر القدماء مجرد أدوات. كتب سينيكا في واحدة من رسائله الكثيرة ضد المكتبات الكبيرة وكتب شوبنهاور يقول: كثيرون يخلطون بين شراء كتاب وشراء مضمون كتاب! وعندما أنظر أنا نفسي إلى الكتب الكثيرة التي لدي في البيت, أشعر بأنني سأموت قبل أن أنهيها, لكنني لا أستطيع مقاومة الإغراء بشراء كتب جديدة, وكلما ذهبت لشراء كتاب يعجبني أقول : يا للأسف أنا لا أستطيع شراء هذا الكتاب لأن لدي نسخة منه في البيت! لتكون كاتباً.. آمن بالحلم ماذا يعني بالنسبة لي أن أكون كاتباً ? يعني ببساطة أن أكون كاتباً? يعني ببساطة أن أكون مخلصاً لمخيلتي, عندما أكتب شيئاً لا أطرحه على أنه حقيقي موضوعاً, وإنما حقيقي لأنه وفيّ لشيء أعمق, عندما أكتب قصة أكتبها لأني أؤمن بها ليس كما يؤمن أحدنا بشيء تاريخي محض, وإنما بدقة أكبر مثلما يؤمن أحدنا بالحلم, أو بفكرة, عندما أكتب, أحاول أن أكون مخلصاً الأحلام, وليس للظروف. ليست هناك متعة في رواية قصته مثلما حدثت واقعياً, إذا كان لا بد من توجيه نصيحة إلى كاتب ما, فإنني أدعوه إلى الإقلال من تنقيح عمله قدر الإمكان. عندما أكتب لا أفكر بالقارئ ولا أفكر بنفسي, بل فيما أريد إطلاقه. عندما أكتب شيئاً أحاول ألا أفهمه, لا أعتقد أن للذكاء علاقة كبيرة بعمل الكاتب , وأظن أن إحدى خطايا الأدب الحديث هي امتلاكه الكثير من الوعي لذاته . عندما أكتب أحاول أن أنسى كل شيء عن نفسي, أنسى ظروفي الشخصية, لا أحاول مثلما حاولت في إحدى المرات أن أكون كاتباً أمريكياً جنوبياً, وإنما أحاول نقل الحلم وحسب. نعرف الشعر..لا نعرفه كلما تصفحت كتباً في علم الجمال, راودني إحساس مقلق بأنني أقرأ أعمالاً لفلكيين لم ينظروا إلي النجوم قط! أعني أن مؤلفيها يكتبون الشعر كما لو أن الشعر واجب, وليس ما هو عليه في الواقع: عاطفة ومتعة. إن الشعر واللغة تعبير حسن. نحن نبحث عن الحياة والحياة مكونة من الشعر, إن تكون القصيدة قد كتبت أو لم تكتب من قبل شاعر كبير, أمر ليس له أهمية إلا عند مؤرخي الأدب, إن بيتاً جميلاً من الشعر لا يجعلني شاعراً جيداً , إن الشعر هو هذا التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية. هذا التعريف ينفع في معجم أو كتاب تعليمي! أما بالنسبة لنا فيبدو قليل الإقناع فثمة شيء أكثر أهمية, شيء لا يشجعنا على مواصلة تجريب الشعر فقط, وإنما الاستمتاع به والإحساس بأننا نعرف كل شيء عنه, هذا يعني أننا نعرف الشعر إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات كما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة واللون الأحمر أومعنى الحب والفجر والغروب! |
|