|
شؤون سياسية في دلالة التوقيت، تطفو حالة الاشتباك الظاهرة بين الرئيس ترامب والدولة العميقة كأزمة متدحرجة ومستعصية لا تزال تدفع بجهود عزله من قبل خصومه، وتقف في ذات اللحظة بطريق ولاية ثانية يسعى إليها بكل السبل والوسائل، وهذا الأمر تحديداً - أي حالة الصراع المتدحرجة بين ترامب وخصومه من جهة والدولة العميقة من جهة أخرى على خلفية سياساته ربما يفضح دلالة توقيت إعلان الإدارة الأميركية عن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي لجهة حاجة الرئيس ترامب إلى إنجاز حقيقي يقوّي موقفه ويعيد فيه تموضعه الداخلي في صراعه مع خصومه، هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فيبدو ترامب أحوج ما يكون إلى ما يدعم قراراته وسياساته الخارجية، لاسيما قرار الانسحاب المذلّ من الجغرافية السورية، وهو القرار الذي أثار الكثير من الجدل داخل وخارج الولايات المتحدة بسبب توقيته وضرورته والغاية منه، خاصة وأنه قد رفع من منسوب السخط والحنق والرسمي ليس في الولايات المتحدة فحسب بل خارجها أيضاً لاسيما من قبل حلفاء وأدوات الأخيرة - الأوروبي والتركي والأنظمة التابعة والعميلة لواشنطن- الذين اعتبروا قرار الانسحاب الأميركي طعنة لهم في الظهر. الأخطر في مروحة التحليلات حول هذا الحدث السخيف جداً بعنوانه العريض، والمهم جداً بتفاصيله ودلالاته وتداعياته على بناء الاستراتيجية الأميركية للمنطقة للمرحلة الحالية والقادمة.. هو ذاك التحليل الذي يتناول الحاجة الأميركية المستجدة الى وجه إرهابي جديد يحاكي الخطط الأميركية للمرحلة المقبلة في ضوء الهزائم والاخفاقات المتتالية للمشروع الاميركي، وبعد انتهاء صلاحية تنظيم داعش الإرهابي وانكشاف الغطاء عنه بشكل كامل، وفي ظل التطورات والمتغيرات المتلاحقة التي ما تزال تعصف بالمنطقة والعالم بشكل عام، خاصة وأن التنظيم المذكور بات معروفاً للقاصي والداني أنه حاجة وصناعة أميركية بامتياز وباعتراف المسؤولين الأميركيين أنفسهم - نستذكر هنا ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون من أن (داعش) الإرهابي هو صنيعة المخابرات الأميركية - وهذا ما يتطلب من الولايات المتحدة الأميركية بعد أن انتهت مهمته وصلاحيته الإجهاز عليه والقضاء على قياداته وزعمائه وقتلهم ودفن أسرارهم وأدوارهم وعلاقتهم بواشنطن. المكان أيضاً كما التوقيت يحمل بين طياته الكثير من الدلالات وخفايا الكواليس عن الغايات والأهداف وحقيقة الأدوار بين أطراف الإرهاب، لاسيما بين واشنطن وأنقرة التي قالت إن العملية تمّت بعلمها وبمشاركتها وبالتنسيق معها، وهذا يميط اللثام مجدداً عن تلك العلاقة الوظيفية الوثيقة بين النظام التركي وتنظيم داعش الإرهابي على اعتبار أن المكان الذي كان يختبئ فيه البغدادي ( قرية باريشا بريف إدلب) يقع ضمن نطاق المناطق التي يحتلها النظام التركي سواء بشكل مباشر أم غير مباشر عن طريق التنظيمات الإرهابية التي يدعمها وهذا ما يدفع بفرضية وجود صفقة بين واشنطن وانقرة الى السطح، أي إن أنقرة تقوم ببيع البغدادي الذي كانت تخفيه وتؤمّن حمايته للإدارة الأميركية كونه حاجة وضرورة لترامب في هذه المرحلة تحديدا للأسباب التي ذكرناها آنفاً، وواشنطن بدروها تقوم ببيع مرتزقتها وأدواتها وكذلك تتخلى عن بعض مواقعها وأدوارها للنظام التركي الذي يطمح لإحياء أطماعه العثمانية في الجغرافية السورية. كما أن تفاصيل وحيثيات العملية التي كانت متخمة بالمتناقضات بحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين ووسائل الإعلام الأميركية، بدءاً من الرئيس ترامب، وليس انتهاء بوزير دفاعه، تثير الكثير من الريبة والشكوك حول مصداقية وأهداف العملية التي يشك أنها حصلت أصلاً، فالرئيس ترامب قال إنه أشرف على العملية بشكل مباشر وشاهد تفاصيلها بكل حماسة كما يشاهد فيلم أميركي وشاهد دموع البغدادي وهي تذرف خوفاً قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف !؟، بينما قال وزير دفاعه أنه أشرف شخصياً على تنفيذ عملية استهداف البغدادي التي كانت بواسطة غارة نفذتها ثمانية مروحيات!؟. كذلك من غير المعقول أن حزاماً ناسفاً فجره متزعم داعش أن يحدث حفرة بعمق نحو ستة امتار وعرض نحو عشرين متراً !؟ بعد أن قال ترامب نفسه أنه تم إزالة الركام لأخذ عينات من جثة الإرهابي المذكور، إلا إذا كان سبب هذا الدمار هو صاروخ فعلاً كما قال وزير الدفاع الأميركي. كما أن صحيفة (نيوزويك) الأميركية ومعها (نيويورك تايمز) قالتا: إن واشنطن لم تبلغ انقرة بالعملية التي قامت بها بناء على معلومات استخباراتية محضة، فيما أعلن النظام التركي صراحة أمس أن الغارة تمت بعمله وبالتنسيق المشترك معه. كذلك فإن مسؤول أميركي في البنتاغون رفض إعطاء اسمه لوكالات الأنباء قال إن العملية نفذت من قاعدة أميركية في العراق، فيما أكد البنتاغون نفسه إن العملية نفذت من قاعدة انجرليك التركية. الأهم من ذلك كله أن وزارة الدفاع الروسية قال إنها لم تلحظ أي تحليق لأي طائرات خلال التوقيت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة تنفيذها للغارة على ريف إدلب وهذا ما يجهض كل هذه الحبكة الرواية الأميركية التي يراد منها الانتقال إلى مرحلة جديدة من الإرهاب والقتل والتدمير وبأوجه وقيادات جديدة. ضمن هذا السياق يبدو الغوص أكثر في تحليل حدث تغيب عنه المصداقية والحقيقة وكأنه ضرب من الحماقة وربما من الجنون، في ظل غياب المعلومات الشفافة والحق والحقيقة لا سيما أن جثة اسامة بن لادن لم يرها او يعاينها أحد!! |
|