تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل تطيح نتائج الحرب برؤوس المؤسسة العسكرية في إسرائيل ?

قراءة في الصحافة الإسرائيلية
ترجمة
الأربعاء 8/11/2006
أحمد أبو هدبة

يعود الجدل الداخلي الإسرائيلي حول نتائج الحرب على لبنان وتداعياتها على مختلف المجالات والصعد عامة والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية

خاصة إلى واجهة الأحداث الداخلية الإسرائيلية ويحتل هذا الجدل مكانة واسعة في وسائل الأعلام الإسرائيلية المرئية والمسموعة والمكتوبة وحتى مراكز الدراسات ذات الصلة المباشرة بالمؤسسة المذكورة فقد صب تقرير نشرته لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في صحيفة هارتس جام غضبه على رئيس الأركان دان حلوتس ووزير الدفاع عمير بيرتس حيث اتهم الأول بالمسؤولية المباشرة عما اسماه التقرير(البلبلة الهستيرية ) التي سادت إسرائيل بعد الحرب , فيما أتهم الثاني بأنه لم يكن أهلا لمنصب وزيرالحرب وانه كان مجرد ألعوبة في أيدي كبار ضباط الجيش وهيئة أركانه العامة .‏

من جهته توقع رون بن يشاي في يديعوت أن تؤدي نتائج التحقيق إلى الإطاحة برأس دان حلوتس رئيس الأركان وبعض كبار ضباط هيئة الأركان العامة , فقد إتهم بن يشاي حلوتس باستغلال عملية التعيينات الأخيرة التي تجري داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي من اجل الهروب من استحقاقات نتائج التحقيق تحت حجة تقليل الخسائر المعنوية ,من جهة وإلقاء مسؤولية الفشل الميداني خلال المواجهات البرية بين وحدات جيش الاحتلال ومقاتلي حزب الله على بعض الضباط ذوي المراتب الأصغر من جهة أخرى:( سلسلة التعيينات الجديدة في الجيش تشمل بعض القادة الذين يجري التحقيق في أدائهم. هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين كان تعيينهم من قبل رئيس أركان جديد مسألة موضوعية نظريا. إلا أن التسرع والعجالة التي يجري فيها ذلك تشير إلى وجود محاولة هنا لفرض الحقائق من اجل إسكات الانتقادات(, ويدلل رون بن يشاي على ذلك بما حصل مع العميدين جال هيرش قائد فرقة الجليل وعوزي تسور قائد الفرقة (192) اللذين تمت إزاحتهما عن منصبيهما وتسلمهما مناصب شكلية .من جهة أخرى, وجه مناحيم في صحيفة معاريف أصابع الاتهام إلى أولمرت بأنه يحاول التأثير على عمل اللجنة املأ بالتملص من أية مسؤولية سواء على صعيد اتخاذ القرارات أو طريقة إدارة الحرب فقد استشهد الكاتب بما قاله تساحيا هنقبي عضو لجنة الخارجية والأمن الذي دعا لتحميل مسؤولية ما آل إليه جيش الاحتلال الإسرائيلي لرئيس الحكومة ووزيرالحرب :(الجيش الإسرائيلي اجتاز في السنوات الأخيرة الماضية مسيرة تردي في جودة الإدارة والقيادة. توجد مشكلة عسيرة تتعلق بتسرب القوى البشرية النوعية باتجاه المجال المدني. مصنع مع مدراء سيئين هو مصنع فاشل. الأمر يحتاج إلى هزة أرضية في الجيش الإسرائيلي. إذا ما فشل مصنع مدني, فانه يفلس. إما إذا فشل الجيش الإسرائيلي فهذا يعرض وجودنا للخطر.ومن جملة مظاهر فشل جيش الاحتلال في الحرب العدوانية المذكورة ما كشفته صحيفة معاريف في تقرير لها حول عملية إنزال لأسلحة كانت من نصيب مقاتلي حزب الله:( : )الطائرة ألقت بالرزمة, وفُتحت المظلة, ولكن الرزمة هبطت في منطقة لا نسيطر عليها وكان واضحا أن فيها قوات للعدو. فهمنا فورا بان هذه المعدات ذهبت, واغلب الظن سقطت في يد حزب الله, وبعد وقت قصير وصلت تعليمات من إحدى القيادات فوقنا بان نذهب لجلب الرزمة كونه محظور أن تسقط في يد العدو. ولكن بالطبع لم نذهب إلى هناك, ولا نعرف ماذا حصل لمصير هذا السلاح(.‏

وبحسب التقرير الخاص بلجنة الخارجية والأمن المشار إليه أنفا تقول صحيفة هارتس أن الاستخبارات العسكرية نجحت في جانب خلال الحرب لكنها فشلت في الجانب الأهم :( خلافا لحرب يوم الغفران, فانه في حرب لبنان الثانية لم يكن هناك قصور استخباري. فقد كان لدى الجيش الإسرائيلي معلومات جيدة عن تشكيلات حزب الله, والأسلحة التي بحوزته, بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع, المخابيء وشبكة الخنادق المحصنة, مسارات نقل السلاح وطرق القيادة. وقبل شهرين من الحرب اجريت مناورة (تكاتف الأذرع), جرى فيها الاستعداد للسيناريو التالي: حزب الله يختطف جنودا من الجيش الإسرائيلي في قيادة المنطقة الشمالية. الجيش الإسرائيلي يرد بصورة شديدة. حزب الله يشرع في هجوم صاروخي على الجبهة الداخلية, يستمر لبضعة أسابيع, الجيش الإسرائيلي يدخل في خطوة برية متعددة الأذرع في عمق لبنان. )في المناورة نجح الأمر, أما في الحرب ففشل(. وحول الهدف من الحرب يتسأل التقرير :( على ماذا قاتلنا? ,(رئيس الأركان والقيادة مسؤولان عن البلبلة الهستيرية(.شهادات جنود الاحتياط تظهر بلبلة تامة في كل ما يتعلق بطرق القيادة, تغيير المهمة بشكل لا يتوقف, فقدان الأعصاب من القادة, عندما فهمت وحدات مختلفة بشكل مختلف مهمات مشابهة أرسلت إليها. رئيس اللجنة, النائب تساحي هنغبي يصف الوضع ب )البلبلة الهستيرية(. والأخطر من كل شيء, فان تصفية منصات الصواريخ لم تتقرر كهدف مركزي للقتال في لبنان. القوات سمعت عن )جباية ثمن(, عن )انتصارات معنوية(, عن )قضم في قوة حزب الله(, عن )كي الوعي(, ولكن تصفية منصات الصواريخ التي ضربت بشدة الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تتقرر كمهمة مركزية. ويتهم النائبان عضوا اللجنة ران كوهين من ميرتس ويوفال شتاينتس من الليكود رئيس الأركان والمستوى القيادي الأعلى بالمسؤولية المباشرة عن البلبلة ,ويقرر التقرير بان إدارة الحرب كانت فاشلة فشلا ذريعا :( إدارة قتالية - فاشلة المقاتلون تلقوا أوامر غامضة للمهمات(تحدث جنود الاحتياط عن )أوامر غامضة للمهمات(, عن عدم استغلال النجاح, عن عدم توافق النظرية القتالية مع الواقع على الأرض, عن أن المقاتلين واصلوا الاحتماء بالمباني رغم أن هذه أصبحت أشراك نارية وأوقعت الكثير من الضحايا. وفي قيادة المنطقة الشمالية لم يستوعبوا بان الحديث يدور عن حرب, وليس عن مناورة. القوات تلقت أوامر بالتحرك في وضح النهار, الأمر الذي جبى منها ثمنا باهظا. النائب شتاينتس: )للقوات في الميدان صدرت أهداف موضعية لم تتداخل في خطة حربية شاملة. لم يكن هناك هدف نهائي للحرب. ليس هكذا ينتصر الناس في المعارك(.ويتحدث التقرير عن ما اسماه بالنقص في الاعتدة والسلاح ويقول :( النقص الخطير في المعدات :(بدون ستر واقية وأسلحة مناسبة,اشتكى الجنود من نقص خطير في المعدات, مخازن الطوارىء مزودة جزئيا, معدات ناقصة, قديمة أو جزئية. ونقل عن مصاعب في توزيع المعدات للقوات المقاتلة, عن إخفاقات في المنظومة اللوجستية. ممرض قتالي أفاد اللجنة عن أدوية نفد سريان مفعولها. لواء كامل لم يتلقَ سوى علبة واحدة من مخفف الآلام, بصعوبة كانت تكفي لجريح واحد. الجنود لم يحصلوا على سترات واقية قتالية, أسلحة ومعدات قتالية مناسبة. وكانت هناك مشاكل في توزيع المؤن, الغذاء, الماء للشرب.‏

من جهته أقام مركز يافا للدراسات الاستراتيجية يوما دراسيا قيموا خلاله نتائج الحرب على لبنان شارك فيه بعض الدارسين والمحللين والخبراء في الشؤون الاستراتيجية.فبالرغم من الاختلاف في وجهات النظر حول هذه النتائج اتفق الجميع على أن :(الجيش الإسرائيلي عجز بل فشل فشلا ذريعا في دحر حزب الله( وقد اجمعوا كذلك على أن الانطباع الذي تركته نتائج الحرب في أذهان الإسرائيليين هو )الفشل الذريع أو الإخفاق بلغة مخففة(, والسبب في ذلك في نظرهم هو الفارق الكبير بين الأهداف التي حددها الجيش وبين ما قيل للجمهور من أن هزيمة حزب الله ستتحقق خلال أيام معدودة دون أن تخطر ببال الجمهور الإسرائيلي أن العمق الإسرائيلي سيكون مكشوفا لصواريخ حزب الله .بدوره يرى العميد احتياط شلومو بروم احد الخبراء بالشؤون الأمنية في مركز يافا:( أن الحرب التي جرت هي نموذج للحروب المتوقعة في المستقبل التي يكون احد أطرافها تنظيما وليس دولة, وأن حربا كهذه تستغرق وقتا طويلا لأنه ليس من الممكن حسمها خلال وقت قصير وهذا لن يستوعبه الإسرائيليون, وأضاف بروم,:( كان واضحا للجيش الإسرائيلي أنه لن يحقق حسما في الحرب في الأيام العشرة الأولى لأن الحسم يتطلب إعادة احتلال كل جنوب لبنان وخوض حرب طويلة لا يرغب بها الإسرائيليون, ودعا القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل إلى الاستفادة من الحرب على لبنان في الحرب التي تخوضها مع الفلسطينيين وتوقع أن تطول الحرب مع الفلسطينيين ولن تنهي إلى حسم . من جهته قال البروفسور أشير سوزير الباحث في مركز المذكور أن :( الحرب الأخيرة لم تكن حربا إسرائيلية وإنما حربا بالوكالة , وقال أنه من الناحية الاستراتيجية دارت الحرب بين حزب الله ) وكيل إيران( كما يدعي , وأن هذه الحرب كانت حتمية للتغيرات التي شهدتها المرحلة قبل نشوب الحرب واستخلص سوزير بأن تحديات من نوع جديد ستظهر في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة وستكون (المقاومة) جزءاً أساسيا من هذه التطورات, خصوصا المقاومة الفلسطينية واللبنانية . وأن على إسرائيل الاستعداد لمواجهة مثل هذا المتغير.‏

ومن جانبه تناول الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل اللواء غيورا إيلند سيرورة اتخاذ القرارات في إسرائيل قائلا :( أن جل ما يعني رئيسا الحكومة هو البقاء في مناصبهم وأنهم يقضون معظم أوقاتهم في الانشغال بقضايا حزبية وليس قضايا جدية ووصف اجتماعات الحكومة التي شارك فيها في السنوات الأخيرة بأنها اجتماعات غير جدية قائلا:( بأن رئيس الحكومة غالبا ما يخفي عن وزرائه عن حقيقة ما يدور في خلده خشية أن يستغله خصومه السياسيين في معركتهم في خلافته أو الإطاحة به.‏

أما صحيفة معاريف فقد أشارت بشكل مباشر إلى محاولات أولمرت للضغط على لجنة التحقيق الرسمية من اجل البقاء السياسي بقولها :( إن لجنة تحقيق رسمية فقط في إسرائيل تستطيع أن تسمح لنفسها بإيجاد الذرائع للقيادة التي وجهت الحرب بخلاف لجنة فينوغراد المشتبه بها أصلا .... ويجب أن نتذكر , بالطبع, أنه لولا أن خرجنا إلى الحرب, لكنا قد نتلقاها بكميات أكبر في المستقبل. أصبحت لجنة فينوغراد ملتزمة تقريبا, من قبل الجمهور, أن تلقي التهمة على رؤوس حكومة إسرائيل والجيش, وألا اعتُبرت لجنة موجهة. هذا ضغط نفسي وإعلامي لا يحتمل بطبيعته. لهذا تُفضل لجنة رسمية, تستطيع أن تزن الأمور بموضوعية.... وفي الحقيقة أن مجرد فكرة أن حربا من هذا النوع هي مسألة يمكن الحكم عليها بأنها حرب مدحوضة من أساسها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية