تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تقسيم العراق.. سايكس بيكو جديدة في المنطقة

شؤون سياسية
الأربعاء 8/11/2006
سليم عبود

مصطلح الفيدرالية أو الكونفيدرالية جديد في القاموس السياسي ليس في العراق وإنما في المنطقة العربية, ولم يكن مطروحا في العراق أو في أي قطر عربي, كانت الدعوة دائما إلى الوحدة العربية كرد طبيعي على واقع التجزئة الذي خلقته مؤامرة سايكس بيكو.

وإذا كانت الوحدة العربية قد تعثرت وبدت الآن بعيدة المنال وأن شعار الوحدة يحمل كثيرا من الرومانسية السياسية لدى القوميين العرب, فإن تعثرها لا يعود إلى عدم واقعيتها ونحن في زمن التكتلات الدولية الكبرى وإنما لأن المؤامرة مستمرة على العرب لإقصائهم وتفكيكهم, وهذا ما نراه اليوم بعد احتلال العراق إذ أصبح مصطلح الفيدرالية على كل لسان.. والفيدرالية , اليوم, هي العنوان السياسي والتاريخي للمرحلة الجديدة التي دخلت فيها الأمة العربية منذ هزيمتها في حرب الخليج الثانية, والمتمثلة في إعادة إنتاج اتفاقيات سايكس بيكو جديدة تعمل على إعادة تمزيق الكيانات العربية القطرية القائمة على أرضية التقسيم الكولونيالي الموروث من اتفاقيات سايكس بيكو الأولى في سنة ,1916 إلى كيانات تقوم على عصبيات جديدة ما دون الوطنية والقومية , أي عصبيات القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب الديني والعرق, والتي تخدم في المحصلة النهائية المشروع الصهيوني المرتبط بالمخططات الإمبريالية الأميركية, والذي يعمل دائما على إثارة التناقضات المذهبية والدينية والعرقية في المجتمعات العربية كلها, حتى لا تتحد, ولا تصبح سوقا موحدة وحتى لا تبني زراعاتها و صناعاتها, وتعود إلى الوراء.‏

قضية الفيدرالية التي يطرحها كثيرون في العراق بتحريض من المحتل الأميركي أو نتيجة الظروف الدموية التي أوجدها الاحتلال باتت استراتيجية قوى سياسية خلقها الاحتلال, وبات يعتقد بعض العراقيين جراء هذا القتل العبثي وتحويله إلى تصفيات طائفية أن موضوع الكونفدرالية بات المخرج الوحيد للعراقيين لحقن دمائهم.. ويقال إن الموساد يقوم بعمليات تصفية وتفجيرات داخل اسواق العراق لمزيد من الاشتعال الدموي, وتلويث سمعة المقاومة الشريفة لأن تقسيم العراق في أساسه حلم صهيوني وقد ظهر هذا الحلم في مذكرات بن غوريون رئيس وزراء اسرائيل الاسبق صاحب نظريات ابادة العرب في فلسطين وتفكيك العرب بحسب انتمائهم الطائفي والعرقي والمذهبي, والمتصهينون الجدد في البيت الأبيض هم اليوم أداة هذا الحلم الصهيوني العتيق القديم إضافة إلى حلمهم بإضعاف العراق للبقاء فيه والسيطرة على ثراوته النفطية, فالعراق القوي الموحد لن يكون اغتصاب ثرواته امرا ميسرا لاميركا واغتصاب عروبته ولن تكون الدولة الصهيونيه في ظل عراق موحد قادرة على تحقيق أهدافها, فتقسيم العراق وتجزئته إلى دويلات متعددة : دويلات عرقية وطائفية, هو إخراج العراق من حاضنته العربية وإنهاء دوره العربي والإقليمي.‏

أثارت قضية الفيدرالية جدلا واسعا داخل أوساط القوى السياسية والنخب المثقفة العراقية.. فهناك من يخشى فيدرالية الاقاليم لأن فيدرالية الأقاليم ستكون السبب الأول لتقسيم العراق أرضا وشعبا, فضلا عن أنها ستكون سابقة خطيرة لجهة استخدام هذا النموذج ومحاولة تعميمه على أجزاء أخرى من العراق, في ظل المشهد السياسي الحالي الذي يعيش جوا ساخنا من الصراع الطائفي.‏

في الآونة الأخيرة تم الحديث عن النتائج التي ستتوصل إليها اللجنة التي يرأسها جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية الأسبق, بتكليف من الكونغرس, حول الأوضاع في العراق, وتعتبر هذه اللجنة أن تقسيم العراق هو احد الحلول, لأن اللجنة تحمل رؤية الإدارة الأميركية في التقسيم وإن كان الرئيس بوش اخيرا يتظاهر بعدم رغبة الإدارة الأميركية بتقسيم العراق في نوع من النفاق السياسي إرضاء لبعض الأطراف العربية لكن السياسة الأميركية في جوهرها تعمل على تفكيك العراق, و على الرغم من أن اللجنة أدانت استراتيجية أميركا في التعامل مع موضوع العراق إلا أن بيكر لم يوص بسحب القوات الأميركية, لأن الانسحاب بحسب رأيه لن يعني سوى اندلاع حرب أهلية واسعة قد تتدخل فيها أطراف كثيرة, من بينها إيران وسورية وتركيا, وقد يتصرف كل على هواه, لأن المدن العراقية الكبرى متعددة عرقيا وطائفيا. وأوضح بيكر انه لا توجد حدود بين السنة والشيعة والأكراد في مدن مثل بغداد والبصرة والموصل وكركوك, كما لا توجد حدود بين المناطق السنية والشيعية في العراق. ووفقا لصحيفة التايمز البريطانية فإن لجنة بيكر ابتكرت اسلوبا جديدا لطرح افكارها, وهو عدم استخدام عبارة تقسيم البلاد, والاستعاضة عن ذلك بعبارة نقل السلطة والأمن إلى الأقاليم والإبقاء على حكومة قومية مركزية في بغداد تكون مسؤولة عن الشؤون الخارجية وحماية الحدود وتوزيع الثروة النفطية, وهذا الأمر يصب آجلا أو عاجلا في مجرى التقسيم.. ويتجاهل الحقائق التي يجب أن يبنى عليها العراق للخروج من محنته الراهنة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية