|
مراسلون سننسى حين تكتمل تلك المدينة أن نتساءل كيف قامت هذه المدينة العشوائية في عقد? ومن سهّل لها ومن غض الطرف عنها, وسننشغل بتسميتها وقد نتخاصم على تلك التسمية. مخالفات بالجملة سيقول بعضكم إنني أبالغ, هكذا هم الصحفيون يجعلون من الحبة قبة ومن القبر مزاراً, إلا أنني وللمرة الأولى لا أجد الكلمات المناسبة لأصف ما يحدث, وما رأيته حقيقة فهو لا يصدق لشدة واقعيته, ولكونه يحدث جهاراً , فالورش شغالة وهي ورش ظاهرة ومتخفية في آن واحد وتنتشر في مواقع المخالفات أكوام الحصى واللبن, وترتفع فيها فجأة أسوار مطينة تكون فناء خالياً من الغرف, وفي اليوم الثاني تبنى الغرف من الداخل, وقد تقوم الغرف أولاً ثم تسور ودون نوافذ ولا أبواب للغرف والحوش, تسكن تلك الغرف أحياناً, قد تسكن الغرف وهي مازالت تنز ماء طينتها, قد تسقف بصفائح التوتياء إلى أن يتوطن أهلها ويثبتون وجودهم, ولابأس عندها من صب السقف وهي تسكن دون ماء ولا كهرباء أولاً, حيث يمدون مياهها على عجل بواسطة (خرطوم) طويل مؤقت قادم من منازل أخرى, والكهرباء تمد بسيار طويل من أحد المنازل إلى أن يستقروا. ذهبنا إلى هذا الموقع بعد الإفطار, الظلمة شبه شاملة وتعثرنا بالخرطوم والسيار الطويل اللذين كانا ظاهرين فوق الأرض في الليل, وفي زيارتنا للحارة في نهار اليوم التالي كانا قد ردما,وغاصت أقدامنا في التراب المجرف حديثاً, ياللعجب, لقد رأينا أثراً لمجلس المدينة, أحد الجدران هدم من أوله إلى آخره ولكن المخالفات الأخرى ىحوله لم يمسها بشر, المخالفات الأخرى على وشك الإنجاز تحتاج إلى يوم واحد لتسكن, وعندها سيصبح من الصعوبة هدمها, ربما كان هذا هو السر في هدم الجدار وعدم هدم المنازل المحيطة به والتي لم تكتمل, ربما كانوا يعطونها فرصة لتكتمل, وعلى جدار حوش جديد دون غرف كتب بخط متقن (حوش برسم البيع) إنهم يأخذون وقتهم ويتاجرون بالسكن العشوائي أيضاً وتحت المخاطر المحتملة ويبدو أنهم احتاطوا لتلك المخاطر كلها. تقع الحارة التي وصفناها شمال سكة القطار خلف مركز تجفيف الذرة وبالقرب من مدرسة الأندلس, والموقع الآخر المثيل له يقع غربه مع وجود فجوة كبيرة من الأرض الخالية, ونعتقد أنه سيتم الالتحام بينهما في إحدى ليالي العقد المذكور, أما المواقع الأخرى فإنها تنتشر في مواقع متعددة في رميلة (حي تشرين) وما بين الجسرين (الفرات) والقادسية (مفرق الجزرة والسباهية). تقع المواقع الشمالية من السكن العشوائي محاذية لسكة القطار, ولكن إلى الشمال منها هناك أيضاً زحف مستمرو دائم ومتواصل على أراضي حوض الفرات التي تخرج عن سلطة مجلس المدينة, ولإيقاف هذا الزحف يحتاج الأمر إلى تكاتف جهات متعددة ومؤمنة بما تعمل, وإلا فإن أراضي الحوض المستملكة وخاصة المستبعدة منها ستصبح أرضاً مسكونة, أو أرضاً منهوبة. كلما نظمنا التوسع زادت المخالفات التقينا رئيس المجلس السيد سعود النعسان فقال بما معناه: إننا نعمل بكثافة منذ عام 2004 وحتى هذا التاريخ أواخر 2006 لتنظيم مناطق السكن العشوائي وتحديث وتوسيع المخطط التنظيمي لمدينة الرقة, وإعادة تنظيم ما كان قد ضم من مناطق السكن العشوائي سابقاً إلى مخطط المدينة أي أحياء تشرين والمأمون وأضفنا إليها الجزرة والسباهية بأحيائها القادسية وحطين واليرموك, وكل هذه المناطق العشوائية السكن اتخذت فيها قرارات من مجلس المدينة وتم بالفعل القيام بالتصوير الجوي والمسح الطبوغرافي لتوسيع تنظيم المدينة بطول 1,5 كم شمالاً وما بين 300 - 400 م غرباً و200 إلى 300 م شرقاً. كذلك عملنا على تعديل المخطط التنظيمي لمنطقة الرقة آ-ب حي تشرين وحي المأمون, وتغيير ضابطة البناء بحيث يضاف طابقان وملحق إلى الأبنية القائمة على الشوارع ذات ال 16 م وملحق وطابق إلى الأبنية في الشوارع الأقل من 16م وذلك بشروط الالتزام بنظام المصاعد والسلامة الإنشائية. وما زال هذا الأخير مقترحاً سيعرض على اللجنة الاقليمية. وقد فتح المجلس الترخيص في تلك المناطق جميعاً للحد من انتشار السكن العشوائي إلا أن هذا الإجراء الذي استدركه المجلس الأخير تأخر, كما أن الترخيص لم يعد يغري المواطن بعد وإلزامهم بالملاجئ ولسهولة إنشاء البناء المخالف, وهكذا تراجعت التراخيص من 650 مرخصاً في ال 2005 إلى 250 في ال .2006 على كل حال لقد تعاقدت وزارة الإدارة المحلية مع شركة الدراسات والاستشارات الفنية لدارسة مشروع تحديث وتوسيع المخطط التنظيمي لمدينة الرقة رقمياً, إضافة إلى دراسات تنظيمية تفصيلية وتقسيمية, والعقد بقيمة 15 مليون ل.س وهذه الدراسات ستكون حاسمة في وضع السكن العشوائي على طريق الحل. هذا العمل التنظيمي كان عملاً إيجابياً يحسب بالفعل لمجلس المدينة الحالي, لكن يجب القول إن المجلس كان متهاوناً بالفعل في قمع المخالفات, بل يخامرنا الشك أحياناً بأن انشغاله بالمخططات والتوسع والعمل على تحقيقه دون قمع المخالفات, قد شرعن تلك المخالفات على نحو من الأنحاء أو شجعها على الأقل, فما دام التنظيم قادماً فلينتهزوا الفرصة, قد يكون ذلك غير مقصود لكن التهاون في قمع المخالفات أبرز بالفعل ظاهرة الحارات التي تقوم دفعة واحدة وخاصة في شمال المدينة وما بين الجسرين وعلى أطراف المدينة, والتي لا يمكن قيامها دون تعاون أو تواطؤ من قامعي المخالفات الذين يجب استبدالهم بعناصر ذات مصادقية عالية ونزيهة, وتلك هي المسألة الأولى, وأما المسألة الثانية فإن شمال السكة لم يوضع في التوسع مع أن المجلس اقترح أن يكون في التنظيم بعمق 1,5 كم وأراضيه مستملكة لحوض الفرات, ولابد من تحويلها من أرض مستملكة للحوض إلى أرض بلدية, إلا أن الأهالي المالكين لها يطالبون بها, وإعطاء مقاسم فيها للمستقيلين من الحوض, أو لجهات عامة زاد في إرباكها وعدم استقرارها وجعلها فريسة للمخالفات الجماعية والفردية, وفي الوقت التي تفتك هذه المخالفات بالأراضي الزراعية شمال المدينة وشرقها وغربها فإن الجمعيات السكنية لم تعد تجد أرضاً إلا في ضاحية الجبل جنوب مدينة الرقة وهي تبعد عن المدينة 7كم. مع أن ما عمله المجلس هام وكبير في مجال التنظيم إلا أن وقف الزحف غير المقدس على الأراضي الزراعية في مناطق المخالفات يحتاج إلى معالجة فورية, وهذه المعالجة تنقسم إلى قسمين: الأولى سريعة وإسعافية بقمع مخالفات السكن العشوائي المتمدد باستمرار وذلك قبل اكتمال البناء والسكن, والثانية دراسة وضع الأراضي الزراعية شمال المدينة وشرقها وغربها التي يزحف عليها بعضهم بالزيتون المحتال, حيث يزرعون الأرض بأشجار الزيتون ثم يسورونها, ثم يبنون فيها, وحماية تلك الأراضي من كافة أنواع التعديات والقضم والابتلاع, ولابد هنا من تضافر جهود كافة الجهات المعنية في المحافظة, فقد آن الأوان لتصحيح الأخطاء المتراكمة وإلا ساءت العاقبة..! |
|