|
آراء . لكن مالا أقبله أن تخصص العديد من الفضائيات برنامجاً صباحياً يومياً لاستعراض الأبراج, موحين للناس أن هؤلاء المختصين بالأبراج هم علماء في علم الفلك! وفي الواقع ما نسمعه لا يمت لعلم الفلك بصلة, ولا لعلم النفس, ولا لعلم تفسير الأحلام.. ما نسمعه كلام تافه منافق, يمثل أعلى درجة من درجات الاستخفاف بالجمهور.. أي علم فلك هذا يقول لمواليد برج الدلو: إياك أن تقصد الدوائر العقارية يومي 17 و18 أيلول, لأن معاملتك ستتعثر?! وأي علم فلك ينصح مواليد برج العقرب ألا يسافر مهما كان الأمر ضرورياً وأن يلغي سفره حتى لو كان قد ثبت الحجز في الطائرة?! الى ما هنالك من كلام لا منطقي عجيب غريب, مشبع بالأوهام والأكاذيب?! وللأسف فإن شريحة كبيرة من الناس تتأثر بشدة بهذه السخافات والأكاذيب, والعديد منهم يلتزمون بالنصائح والاملاءات التي يقولها لها المنجمون!! لا أفهم لماذا تساعد العديد من الفضائيات في بيع الأوهام للناس? أينقص هذا الجمهور المثقل بالهموم والمختنق بضغوط العصر أوهاماً?! ألسنا نعيش في زمن يتطلب منا متانة نفسية عالية كي نتحمل هذا العالم حولنا الذي يغلي بالعنف واللاأمان والدمار! ألا يجدر بهذه الفضائيات تقديم برامج تساعد على تزويد العقل بكل الوسائل العلمية والمنطقية لإيجاد حلول للمشاكل التي تواجهنا... لكن للأسف هذه الفضائيات تساعد الناس على الهروب من واقعهم المشحون بالتوتر, ولا تساعدهم لإيجاد وسائل لمواجهة ضغوط العصر, سوى وسيلة وحيدة هي الاحتماء بالغيبيات والإصغاء لما يقوله المنجمون... جرعة الوهم اليومية الصباحية (كما أسميها), لو يعرف القيمون عليها مدى تأثيرها على الناس, وأظنهم يعرفون, لأنه نشأ عنها برامج أكثر تخصصية فهناك تفسير الأحلام, واستشارات عديدة في كل أنواع المشاكل الحياتية, فنجد المنجم يجلس منهمكاً أمام شاشة كمبيوتر من أحدث طراز, يتلقى المعلومات من المشاهدين, يتفكر ويعيطهم الجواب, مستعيناً بالعلم المخزن في الكمبيوتر... أي علم فلك هذا?! ما حقيقة هؤلاء الذين يبيعون الأوهام للناس بمساعدة وسائل الاعلام.. مَن من هؤلاء قرأ كتاب الأحلام والرؤى لفرويد?! هذا الكتاب الرائع الذي يغوص في أعماق النفس البشرية ويكشف كوامنها ويفك عقدها عن طريق تحليل الأحلام... كيف تستطيع منجمة تحدق في شاشة الكمبيوتر أن تقول لشابة تطلب نصيحتها بشأن ارتباطها مع خطيبها: إياك والزواج منه, لأن برجك لا يتفق مع برجه خاصة أن أورانوس سيكون له تأثير خطير عليك في الفترة ما بين كذا وكذا..?! ما هذا الدجل الذي لا ينطوي على ذرة حياء!! أتتحدد العلاقة بين امرأة ورجل حسب الأبراج?! أم حسب صفاتهم الشخصية وطباعهم?! هذه البرامج التلفزيونية والاذاعية المتكاثرة بشدة والتي تشجع الناس على التعلق بالغيبيات, والتسليم بالقدر, والأهم تثبيط التفكير العقلاني, هذه البرامج المؤذية للمشاهد, لأنها تتعامل مع الناس كمغفلين, وكزبائن ولا يتعاملون معهم أبداً كبشر لهم كرامتهم. وما يثير الخجل أن هذه البرامج منتشرة بكثرة في الفضائيات التي تهتم بشؤون المرأة, كما لو أن هناك غاية صريحة وواضحة أن المرأة هي التي تعني بالغيبيات وهي التي تكره التفكير المنطقي وتلجأ للعرافات لجعل فلان يحبها, وفلان يكره عزيمتها.. الى ما هنالك.. كما لو أن هناك إصراراً مقصوداً أن تظل المرأة جاهلة وغارقة في تخلفها وأوهامها? وإذا استمرت الأمور على هذا النحو, وشهدنا مزيداً من ابتكار بيع الأوهام للمشاهدين, فلا أستغرب أن نجد قريباً برنامجاً يرسل فيه المشاهدون فناجين قهوتهم الى الاختصاصي الجالس أمام شاشة الكمبيوتر المسطحة أحدث موديل ليقرأ لهم طالعهم وما ينتظرهم وهو يغوص في فنجان القهوة?! لم لا... رحم الله جدتي, كنت أتسلى كثيراً حين تنظر في عمق فنجان القهوة وتقول لي أمامك رزقة, أترين هذه السمكة.. وثمة بشارة حلوة, أترين هذا الطير.. ما كان ينقصك يا جدتي إلا شاشة كمبيوتر لتصيري نجمة ويخصص لك حلقة يومية في إحدى الفضائيات لبيع الأوهام. |
|