تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بتــــــرول وسياحــــــة...!

آراء
الأثنين 23-2-2009م
جلال خير بيك

لن أحزن إذا قيل بعدم ثبوت الجدوى الاقتصادية للبترول المنقب عنه في اللاذقية بل أسعد لأسباب متعددة هي في المحصلة كما أراها في مصلحة المنطقة الساحلية خصوصاً وفي مصلحةالوطن عموماً ويمكن لنا إيجاز هذه الأسباب بما يلي:

1- إن المنطقة الساحلية من أجمل المناطق ساحلاً وجبالا،ً وتعد بامتياز من أهم مناطق حوض المتوسط سياحياً وجمالياً لو أحسنا استثمارها وتوظيف مكانتها هذه في الدخل الوطني عموماً، فلبنان الذي تغنوا بجماله وشهرته وهو عامة مناطق ليست مشجرة بالكامل ولا تغطي المساحة الحراجية إلا نسبة قليلة من مساحته الإجمالية لكن تخديمه وحسن استثماره هو الذي جعل منه هذه الأسطورة!! فجميع ما يميز النسبة العظمى من مناطقه: هي خدمات الماء والكهرباء والمشاريع الاستثمارية السياحية والطرق التي توصل أطرافه بأطرافه، بينما تغطي الغابات الحراجية والأشجار الخضراء نسبة كبرى من مساحاتنا الساحلية وحتى في السهول هنالك عالم أخضر من البيارات وحقول الزيتون والأشجار المثمرة أي إن الطبيعة قد حبت مناطقنا هذه بجمال بكر وعلى مساحة كبيرة وهي لا تحتاج إلا إلى توسيع الخدمات فيها لتكون أهم منافس للمناطق السياحية والاصطيافية في حوض المتوسط، ولتغدو في الآن ذاته من أهم روافد الدخل الوطني في سورية.‏

2- إن هذه المناطق الساحلية لا تزال بكراً ابتداءً من غربي حمص وحتى حدود اسكندرون تتمتع بجمال آخاذ وطبيعة ساحرة ومناخ ممتاز ومصادر كبيرة للمياه العذبة وسواحل تعد من أهم سواحل المتوسط ومع ذلك لا تزال خدماتها بسيطة وزهيدة لا تصل أبداً إلى مستوى أهميتها السياحية والاصطيافية ومقوماتها الكثيرة المذكورة.‏

3- فتصوروا معي الأذى الذي سيلحق بهذه المناطق لو كان للبترول المنقب عنه جدوى اقتصادية، هلى ستبقى هنالك شواطئ للسباحة تجذب المصطافين والسياح المحليين والأجانب؟ وهل تبقى أشجار خضراء وغابات خضراء تعطي للجبال رونقها الآخاذ الحالي؟‏

4- إذا صارت هذه المناطق مناطق بترولية سوف تغزوها المنشآت ومحطات التكرير والصناعات التي تقوم على النفط وأبخرة سامة من مختلف الأنواع تملأ فضاءها وفضاء جبالها بدخان أسود وسموم لا حصر لها!! فماذا يبقى عندئذ للسياحة والاصطياف ؟؟ إن بضعة مشاريع صناعية كمعمل اسمنت طرطوس ومصب النفط هناك مضافاً إليهما محطة التوليد الحرارية في بانياس ومصفاتها، قد خلقت جواً خانقاً وأثراً ضاراً جداً على المزروعات والأحراج وكروم الزيتون وسواها.‏

5- صحيح أن المنطقة لا تزال بكراً لم تصلها المشاريع الخدمية والسياحية والاستثمارية إلا بنسب قليلة وفي بعض الأنحاء أيضاً ، لكن المستقبل هو ملكها ومهما طال الزمن لا بد أن تصل إلى الصورة المتوخاة منها، ولابد لها بالتالي من أن تأخذ مكانها المرموق في رفد الدخل الوطني وبنسب كبيرة جداً.‏

إن في العالم مناطق سياحية يصعب حصرها تكاد تكون هي عماد الدخل الوطني في تلك الدول بل ربما هي الرقم الأوحد والأكبر لهذا الدخل.‏

6- في اللاذقية نفسها وفي سوق الهال القديم تحديداً وهي منطقة في قلب المدينة قريبة من الشاطئ ماذا سيبقى منها؟ وماذا سيحل بالمرفأ والبيارات والزيتون والغابات الحراجية التي تحيط بها من كل جانب؟؟ بل ماذا سيبقى للسكان أصلاً؟ هل يهجرون بيوتهم أو مدينتهم ؟ وماذا سيحل بفكرة أن تكون اللاذقية مدينة سياحية بمنطقة حرة؟ وماذا سيحل بشاطئها الجميل وحاراتها الأجمل؟ وما مصير المنتجعات الجبلية على قلتهاوالمنتشرة في أرجاء بعض الجبال حولها؟؟.‏

إن رائحة الغازات المنبعثة من مصفاة بانياس تصل إلى بعض أطراف اللاذقية والقرى المنتشرة في الجبال القريبة منها، فماذا ستكون الحال لو صارت المصافي في اللاذقية نفسها؟!‏

إن الخطوات البطيئة التي نفذتها الدولة وبعض جهات القطاع الخاص في هذه المناطق الجميلة هي متواضعة رغم الضجة الإعلامية التي رافقتها، بينما تخصص دول العالم ميزانيات كبيرة للنهوض بالصناعة السياحية إذ تعرف سلفاً أنها ستدر عليها أضعافاً مضاعفة وفي وقت قصير ناهيك أن دولاً عديدة في العالم وبعضها قريب منا.. يكاد دخلها العالي يرتبط بالسياحة وحدها، ولم يزر بلادنا وفد أجنبي ويطلع على معالمها الجميلة وآثارها العظيمة إلاوقال إنها بلاد نادرة والاستثمار فيها واعد جداً.‏

ولئن عولت الدولة علىالقطاع الخاص لاستثمار أمواله في السياحة والمنشآت الاستثمارية المفترضة فإنها لم تقدم حلاً وافياً لأن القطاع الخاص يستثمر أمواله في مناطق جاهزة وسريعة الربح مثل الزبداني وبلودان وصيدنايا وغيرها لقربها أولاً من العاصمة وثانياً لتوفر البنى التحتية الضرورية لأي مشروع من كهرباء وطرق وشبكات مياه وبالمجان أيضاً ، لذلك كان لا بد للدولة من دخول هذا القطاع وبقوة نظراً لقدرتها على تنفيذ مشاريعها والبنى التحتية في أية منطقة من سورية، هذا من جهة ومن جهة ثانية لأن الدولة تقدم على هذه المشاريع ضمن خطة استراتيجية تشمل أنحاء الوطن وهي لا تبغي الربح الخيالي بل تنشد أن يكون الوطن موئلاً ممتازاً للمصطاف السوري وللأجنبي أيضاً: وهي في الحالين تحقق ربحاً ممتازاً دون ريب وتدخل في روافد الدخل الوطني بشكل فعّال.‏

إننا لم نتطرق إلى موضوع البترول إلا للتدليل على أهمية السياحة وفاعليتها في نمو الدخل الوطني ولا بد هنا من الإشارة إلى أن جهة واحدة غير قادرة على حمل هذا العبء، بل إن الأمر يعني الدولة ككل ويعني تضافر وزاراتها جميعاً كل حسب اختصاصه وصلته.‏

إن في المحافظات السورية عموماً وابتداء من الجزيرة شمالاً وحتى المنطقة الجنوبية القنيطرة - درعا - السويداء من المقومات السياحية كالموقع والمناخ والطبيعة والغنى بالآثار، كما يمكن البناء عليه لتكون النهضة السياحية شاملة تلف الوطن بجميع جهاته وتخلق بالتالي تضافراً جماعياً يعطي للسياحة أهميتها ويستفيد تالياً من قدرتها على تنمية وإثراء الدخل الوطني.‏

فهل صحيح أن البترول رغم تأثيراته السلبية على البيئة والمناخ: كان يمكن له لو ثبتت جدواه الاقتصادية أن يحقق ريعية تفوق ريعية السياحة لو حققنا لها حضورها ودورها الرائدين؟‏

الجواب ليس عندنا بل في فعالية السياحة في بلدان العالم القريبة والبعيدة والتي يشكل هذا القطاع فيها معظم الدخل الوطني إن لم يكن كله تقريباً!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية