|
ثقافة فهو يعمل على إيجاد روابط وثيقة بين معطيات ما بعد تجريدية «هانس هارتونغ» والحرية التعبيرية وانفعالية الحركة العفوية لإيقاعات الأسود على بياض اللوحة، مؤكداً على أهمية الارتباط بالأفكار الجمالية المعاصرة المنطلقة من فكرة كسر التقليد القائم على تقديس اللون، في خطوات البحث عن آفاق تشكيلية جديدة وخاصة. واللوحة التي يتفاعل معها عصام حمدي تبدو بمثابة رؤية حلمية مستعادة من إيهامات الدمج بين الواقع العيني والتخييل التذكيري، هكذا تتحول العناصر الإنسانية ومشاهد الطبيعة وسواها في لوحاته وجدارياته، والتي يشكلها بإيقاعات الأسود والأبيض فقط، إلى فسحات تأملية لذكريات مستعادة كحلم ومناخ ومدى شاعري يتردد في ثقافة العين، أي في ثقافة اللوحة المنبثقة من ذاكرة الذاكرة، فاتحاً اسقاطات وتراكمات وتداخلات الهواجس والأفكار والجماليات الجديدة على تموجات الحالة الداخلية الانفعالية في إيقاعها الشاعري الحامل إلى العيون تساؤلات من النوع الافتراضي باحتمالاتها واجتهاداتها التأويلية اللامتناهية. فقد عقدت الاتجاهات التعبيرية والتجريدية المتحررة قناعة عصام حمدي « نور ريم» بضرورة تجاوز لغة التلوين والتحول نحو استخدام الأحبار التي تنسكب بعفوية وفطرية على قماش اللوحة، ثم تأخذ شكل التبقيع وقد يتركها تسير في اتجاهات متنوعة مشكلة ايقاعات بصرية تتناسب مع طروحات العودة إلى الطبيعة (ما يشبه أشكال الغابات) التي تظهر في صياغة مونوكرومية تلقائية تتصدى لموجة التجريد اللوني الغنائي والهندسي المطروح بقوة في ثقافة فنون العصر. وهذ يعني أنه يعبر عن أقصى حالات الانفعال التعبيري والتجريدي بأقل نسب من الوسائل والتقنيات، وعلى هذا الأساس فهو يعمل على اختراق مظاهر التشكيل اللوني المكرس في معظم المعارض الفنية، ويحرر أشكاله وتكاوينه وتقنياته من مرتكزات الصورة الواقعية، ويحقق جمالية الرجوع إلى الأصل، أي إلى التكوين البدائي النقي في صياغة الخطوط والبقع اللونية المبعثرة والمتناثرة والمتلاشية بعفوية تمنحه الحضور المغاير في مرحلة صعود موجة جديدة من الملونين الشباب والوحوش الجدد (نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم). عصام حمدي يبحث عن شاعرية الموضوع المبسط والمختزل والمتقشف،وهو يرسم مشاهده من الذاكرة البصرية،لامن العلاقة البصرية المباشرة ، حيث يجمع المؤشرات التعبيرية والتجريدية، ويعرفنا على تنويعات المظاهر الإنسانية المؤسلبة والأضواء الشاحبة، المفتوحة في النهاية على تعابير القلق والاضطراب والرعب والجنون واللامنطق. هكذا يسترسل في تجسيده لأجواء الجماعة الإنسانية بملامح غائبة ومظاهر منكسرة ومنهزمة ومغمورة بالأحزان والتطلعات الشاحبة إلى حدود السواد الكلي. إلا أنه سرعان ما يركز لكسر حدة السواد، وذلك بترك مساحات من بياض قماش اللوحة الخام، في خطوات التعبير عن قدرة الإنسان على الانبعاث والخروج من نفق أزمته الوجودية الحالية والمتفاقمة. |
|