تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


واقع الشعر والقصة.. على هامش شبه إحصائية

رسم بالكلمات
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
فراس نور النجار

في زوايا سوزان ابراهيم معدة هذه الصفحة شيء كأنه الغواية. تنثر الكم الكبير من القضايا بقليل من الكلمات ليتحرك اللهاث في الأقلام.

كان لافتاً ما أوردته عن أحد أصحاب دور النشر من أن المؤلفات الأدبية تأتي في آخر اهتمامات القراء, وهي الأقل من حيث المردود التجاري. فالمعروف أن الشعر هو ديوان العرب, والشعر هنا أورده من باب تسمية الكل باسم الجزء, أي الأدب. ويؤكد ذلك مشهد الفعاليات التي تُقام في قاعات مؤسساتنا الثقافية على تنوعها, حيث تتميز الأمسيات الأدبية عموماً بالحضور اللافت, نسبياً بالمقارنة مع المحاضرات الثقافية الفكرية. وهذا المشهد هو نفسه في حمص كما في غيرها من المدن السورية, وقد لاحظته كذلك في مدن عربية كالشارقة. هناك نقطة مهمة, يجدرأن لا تغيب عن البال, وهي أن الاستسهال في الأدب أوسع بكثير منه في التأليف في الفكر والثقافة البحثية عموماً. قد تساعد تلك النقطة في تفسير الإنتاج الكبير في الأجناس الأدبية من شعر وقصة ورواية, بالنسبة لما ينشر في المجالات الأخرى, وهذا بدوره قد يكشف, إلى حد ما, عما يكمن خلف عزوف المتلقي عموماً عن شراء المطبوعات الأدبية, لصالح الإقبال النسبي على اقتناء غيرها. وهو مما يرتبط بجملة من المتغييرات التي طرأت في العقود الأخيرة على الأدب الذي يبدو وكأن ثمة جهوداً حثيثة تُبذل لتغييره كمفهوم ونظرية, كشكل ومضمون, كإنتاج وتلقٍ.. لا يتسع لنا المجال هنا للتحليل الذي يبقى مفتقراً إلى الإحصائيات اللازمة للحصول على نتائج أكثر دقة.‏

في مدينة حمص, قام أحد المتابعين بوضع كشف بأسماء الأدباء - من شعراء وقاصين من الجنسين- وذلك بناءً على طلب شفهي من مدير الثقافة في حمص, ليتم اعتمادها في الموسم الثقافي للمدينة . استلزم ذلك أسابيع, ليمتلئ الكشف بثمانية وستين اسماً لأدباء, تترواح فئاتهم العمرية مابين العشرينيات والأربعينيات, بحسب شرط المديرية. كما يتراوح عمق تجربة كل منها مما دون المتوسط إلى المتميّز الذي حقق حضورا عربياً من خلال جوائزه ومشاركاته ونشاطاته. تم اختيار الأسماء على أساس تجاوزها لمرحلة الهواية, واستقرار تجاربها من خلال ظهور نتاجاتها الأدبية, وحضورها في المشهد الأدبي. والكشف بالتالي ليس تقييماً بقدر ما هو حصر لأسماء الأدباء, أوبمصطلح أدق, للمتواجدين على الساحة الأدبية من كتّاب الشعر والقصة , كون مفهوم الكاتب حيادي يتضمن الأديب وكل من يكتب سواء بسواء. ما يُفقد هذا الكشف أو شبه الإحصائية بعض القيمة, هو غياب أسماء غير معروفة, غائبة عن الوسط,, قد يوجد بينها مستويات أدبية لافتة, برغم كل المساعي التي ما زالت جارية للوصول إلى المتميز منها ما أمكن. تتوزع الأسماء الثمانية والستون على الهيكل التالي:‏

الشعراء: خمسة وأربعون اسماً, منها فقط اثنا عشر اسماً من الإناث, أي بنسبة 30%.‏

القاصون: ثلاثة وعشرون اسماُ منها أيضاً اثنا عشر اسماً من الإناث, أي أكثر بقليل من 50%. ولو أدخلنا الشاعرات اللواتي يكتبن القصة لارتفعت النسبة أكثر. فمن الملاحظ أن ظاهرة الكتابة في كل من جنسي الشعر والقصة أوسع عند الأديبات, كسوزان إبراهيم وإيمان جانسيز وقمر صبري الجاسم وميسون الجنيات...الخ, منها عند الأدباء.‏

أول ما يُلاحظ نسبة الشعراء إلى القاصين التي ترتفع إلى الضعف. فهل تعاني القصة في حمص أزمة ما? أم أنها حمص التي وصّفها كثيرون, كجوزيف حرب, بأنها مدينة شعر?..‏

تزدان حمص بقامات شعرية تتجاوز الحضور والانتشار المحلي إلى العربي. وهي في غالبيتها الساحقة من الشعراء كحسان الجودي, علاء عبد المولى, عمرإدلبي, تمام التلاوي, حكمت شافي الأسعد, حسن بعيتي...الخ, يقابلها عدد محدود من الشاعرات المتميزات أمثال سرى علوش. وبينما يُلاحظ أن غالبية شعراء حمص يكتبون قصيدة التفعيلة والكلاسيكية, يغلب على الشاعرات كتابة شعر النثر. وبمعيار الجوائز المحلية والعربية فإن الغالب أن حائزيها من الشعراء ونادراً من الشاعرات. ومما يميّز المشهد الشعري الحمصي, وهو ما يذهب إليه نقاد وأدباء, أن هناك تواصل أجيال من الشعراء, كالطبقات دون أدنى انقطاع, على نحو نادر. قد لا تعطي غلبة الشعر في حمص من حيث كم الشعراء وحضورهم محلياً وعربياً.‏

أية دلالة سلبية على حال القصة في حمص. من المعلوم أن القصة جنس أدبي حديث, بدأ يرد إلينا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر, بشكله الفني الخاص على خلفية التأثر بالآداب الأوروبية, في حين أن الشعر جنس أصيل تماماً, قديم قدم التراث. والقصة في حمص, شأنها شأن القصة العربية عموماً, تعاني من الترهل والوهن الذي يتمظهر بانتهاكات الشكل لصالح الخاطرة عند ظهور الذاتية المفرطة, أو لصالح المقالة عند تحول الموضوعية الظاهرية إلى المباشرة والخطابة. هذه حال عامة. وبتحري معيار الجوائز هنا أيضاً يبلي القاصون الحمصيون بلاء لا بأس به, وإن كان لا يرقى إلى مستوى بلاء أقرانهم الشعراء. ففي الجوائز العربية حصل أنور عمران على جائزة دبي الثقافية, حصل نصر مشعل مؤخراً على جائزة زكريا تامر - وزارة الثقافة السورية, التي حصد فيها مع قاص حمصي آخر المركزين الأول والثاني. كما حصل قاصان حمصيان في مسابقة نبيل طعمة - سامر الشمالي ونصر مشعل- على المركزين الأول والثاني. وفي الدورات السابقة لجائزة المزرعة حصل على مراكز في القصة بعض أدباء حمص منهم فاديا عيسى قراجة. ومنذ أيام أعلن عن نتائج جائزة الجولان التي حصل فيها صفاء الشلبي وحسان العوض على الأول والثالث وندى رنجوس تنويهاً , بينما حصل عمر سليمان وعصام كنج الحلبي وحسن بعيتي على المراكز الأولى الثلاثة في الشعر... كذلك الأمر في مسابقات البتاني وجميل محفوظ.. الخ. وهو ما يشير إلى حضور القاصين الحمصيين. تبقى الملاحظة هنا أن الكثرة العددية للقاصات في حمص لم تؤثر على أن أغلب المتميزين هم من القاصين, وهي ملاحظة واقعية تحتاج بذاتها إلى بحث مطوّل. أما الرواية في حمص, فتبدو الحلقة الأضعف في خاصرة المشهد الأدبي. ما يصدم المتابع هو ضآلة المنشور منها, فبحسب الباحث عطية مسوح, لم يظهر في حمص خلال قرن من الزمان, يمتد من مطلع القرن العشرين ولغاية 2006 , سوى 21 رواية. رغم أن بعض أدباء حمص قد حصل على جوائز عربية ومحلية فيها, كنصر مشعل الذي حصل على جائزة سعاد الصباح وجائزة حنا مينا. وهو ضعف لانجد في حيزنا هذا مجالاً لبحثه. أدرك اللهاث قلمي ولم أستطع أن أتخطى الملاحظات الأولية التفسيرية على هامش شبه إحصائية. لا تزال الصورة بحاجة إلى كثير من البحث. كما تحتاج إلى تثبيت الصور المقابلة للمشهد الأدبي في المحافظات الأخرى, وهو ما سوف يمكّن من البحث المقارن, ومقابلة الظواهر بعضها ببعض, تمهيداً لتحديد الخاص, وعزله عن العام Fir.najj@gmail.com‏

">المشترك.‏

Fir.najj@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية