تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المرأة العربية العاملة بين الواقع والتشريعات

مجتمع
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
غصون سليمان

تستحوذ قضايا المرأة المتشعبة على مساحة واسعة من الندوات وورشات العمل واللقاءات المختلفة على مدار العام, تتناول خلالها جانباً كبيراً من الهموم والمشكلات والصعوبات التي تعترضها وإلقاء الضوء في جانب آخر على المراحل الإيجابية التي نالتها وحققتها عبر مسيرتها الطويلة.

ولعل الأهم والناظم لآليات عملنا جميعاً مجموعة التشريعات والقوانين والنصوص التي تضمن للإنسان بشكل عام حقه ولاسيما فرص العمل.‏

في هذا الإطار حاولت الدكتورة أمل شربا من جامعة دمشق أن تقارب وبشكل مترابط وسلس مضمون تشريعات العمل الخاصة بالمرأة في الوطن العربي من ناحية النظرية والممارسة من خلال ورشة عمل أقامها الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بالتعاون مع منظمة العمل الدولية, والهدف من البحث كما عرفته شربا هو تمكين المرأة من المشاركة الفعالة الإيجابية في الحياة وتحفيزها عبر بناء شخصية قانونية سليمة وإن كانت المشكلة تبقى عادة قائمة في المسافة بين النظرية والتطبيق.‏

فعلى صعيد المساواة بين المرأة والرجل في العمل تقضي معظم التشريعات العربية بحظر كل تمييز قائم على الجنس إذا أدى إلى القضاء على مبدأ التساوي في المعاملة وتكافؤ الفرص في الاستخدام وممارسة المهنة أو أدى إلى الإخلال بهذا المبدأ.‏

هذه القوانين هي ذاتها تحرم العمل الليلي على النساء في الصناعة ما بين العاشرة مساء والخامسة صباحاً مع السماح ببعض الاسثناءات من هذه القاعدة بالنسبة للاتي يشتغلن في الأعمال الإدارية والفنية والطبية.‏

كذلك حظرت الأعمال الخطرة والضارة صحياً وأخلاقياً حيث تلزم بعض التشريعات صاحب العمل في جميع أماكن عمل النساء أن يوفر لهن مقاعد تأمين لراحتهن إذا استدعت طبيعة العمل ذلك كما في قانون العمل السوري والجزائري والتونسي وغيرها.‏

أيضاً أعطت القوانين إجازة الوضع والرضاعة ورعاية الأطفال للمرأة العاملة وإن اختلفت المدد الزمنية من بلد لآخر.‏

إيجابيات‏

وفي نطاق الممارسة بينت الدكتورة شربا أهمية حجم القوى العاملة النسائية بعملية التنمية الاقتصادية إذ يعتبر العمل العنصر الذي يساهم في تحديد صورة المجتمع وبنيته المستقبلية, ولا يمكن لأي عملية إنتاجية النجاح دون توفر هذا العنصر بالشكل المطلوب, مع ملاحظة التقدم الحاصل على الأرض في آلية النهوض بالمرأة العربية وتضييق الفجوات بين الجنسين في مجالي التعليم والصحة, إضافة إلى الإنجازات التي شملت إصدار تشريعات جديدة لمصلحة المرأة, وإيجاد أقنية تهتم بقضاياها بما في ذلك وزارات ومجالس وهيئات ولجان وشغل مناصب في المجالس النيابية في بعض البلدان.‏

ورأت السيدة المحاضرة أن إنشاء شبكات بين المنظمات غير الحكومية المعنية بشؤون المرأة حالة صحية ورائعة لتبادل التجارب والخبرات على المستويات المحلية والوطنية والاقليمية والدولية, ومن الأمور الإيجابية الأخرى التي نالتها هو إشراك المرأة في الاتحادات النوعية والمهنية والنقابات العمالية وتولي المناصب فيها, وأن المستوى التعليمي للنساء ارتفع في الفترة الأخيرة إلى حد أكبر من السابق ما يزيد الرغبة في العمل.‏

سلبيات‏

هذه المعطيات الإيجابية يقابلها نواح سلبية أبرزها أن نسبة الأمية والبطالة بين النساء لا تزال أعلى منها بين الرجال إضافة إلى الفقر وعدم الاستقرار نتيجة الحروب وما تفرزه من إعاقات وتمييز وسيطرة بعض العادات والتقاليد, وعلى الرغم من الاعتراف بحق أساسي للمرأة والرجل في المشاركة السياسية لا يزال التمثيل النيابي للمرأة رمزياً أو معدوماً حسب تعبيرها, مؤكدة أن القطاع العام في المنطقة لم يعد يمثل مصدراً أساسياً لتوظيف النساء في المستقبل الأمر الذي يجعل من الضروري تعديل القوانين, في وقت تواجه فيه النساء العاملات في القطاع الخاص مشكلات متعددة, إذ عادة ما يعملن في وظائف متدنية الأجر مع عدم وجود أي إمكانية للتقدم الوظيفي.‏

تمنيات‏

وإذا كان كل بحث أو دراسة يخرج بنهاية الأمر بجملة من التوصيات والمقترحات فإن الحلم والأمل يبقى قائماً ومشروعاً بتوفير بيئة سياسية وحيوية اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً, إضافة إلى مجتمع نشط تنبثق منه مؤسسات ذات تمثيل واسع تعزز قيم المساواة والكفاءة والمشاركة وانتهاج سياسة الانفتاح. ومن المقترحات التي أثارتها المحاضرة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع ومراعاة الثقافة والتقاليد السائدة, وتوحيد الأحكام الناظمة لعمل المرأة في مختلف الدول العربية, وتحليل ومعالجة المؤشرات التي تدل على وجود فجوة تفصل بين المساواة في القانون ومجال التمثيل النيابي, والاستمرار في مراجعة التشريعات الوطنية وتحديثها وتغيير ما ينطوي على تمييز منها.‏

إضافة إلى إنشاء قاعدة معلومات وبيانات مفصلة حسب نوع الجنس تشمل المشاريع والبرامج التي تعنى بقضايا المرأة في الدول العربية لتسهيل تبادل المعلومات ومقارنتها مع الدول الأخرى.‏

ومن النقاط الأخرى المهمة هو حل المشكلات التي تسبب تسرب الفتيات من التعليم للحد من الأمية والفقر والبطالة التي ما زالت تعاني منها المرأة, وإيلاء المرأة الريفية الاهتمام اللازم بتقديم الخدمات الأساسية اللازمة لمعيشتها, والتأكيد على دور السلطات الأربع التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلام في تقليص الفجوة بين النظرية والتطبيق في مجال قضايا المرأة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية