تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تسميات...!

آراء
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
جلال خير بك

عادت إلى الساحة الأدبية الأحاديث عن التجاذب ما بين الشعر والرواية وأيهما ديوان العرب.. فالبعض يعطون قصب السبق للرواية ساحبين البساط من تحت أقدام الشعر ويلغون إمارته منذ ما قبل العصر الجاهلي وحتى الآن!

وبغض النظر عن التعصب لهذا النوع أو ذاك فإن الحديث في هذه المسألة بات من تحصيل الحاصل أو ابتداع آراء وأفكار لم يكن العرب يعرفونها حتى العصر الحديث, على الرغم من أنهم اطلعوا على بعضها خلال النشوء النشط لحركة الترجمة, وعلى الأخص في العصر العباسي وما تلاه من عصور , وإنه أيضاً لمن تحصيل الحاصل القول:إن الرواية ديوان العرب ليس لأننا نقف ضد ريادة هذا النوع الأدبي الجميل بل لأن المنطق والتاريخ وأطوار البدء والنشوء والنمو قد كانت هي المعيار الأهم في إطلاق هذه الصفة تارة أو التسمية تارة أخرى.‏

وحين عرف العرب حركة الرواية عبر التراجم أو الاطلاع المباشر في الغرب ومنه ومن سواه كان ذلك الأمير (الشعر) قد ملأ الدنيا وشغل الناس عصوراً مديدة وموغلة في القدم فبات يشمل في حنايا أبياته وصوره وتضاده, في وصفه وسموه ومتانة أبياته وصوره وتعابيره في نقائضه وفخره, في حكمه وآرائه في الحياة, في انتسابه والفخر بالأصول والانتماء في.. يشمل تاريخ العرب وأنسابهم وأيامهم ووقائعهم وأصولهم ومنابتهم وجذورهم وباختصار كان وما زال قاموس العرب (بقبائلهم كافة) وسيرة حياتهم وكل ما يمت بصلة لمجتمعاتهم وما يهمها بما في ذلك أزمنة دولهم بدءاً من العصر الجاهلي ومروراً بعصر صدر الإسلام فالأموي فالعباسي ففترة الدويلات المتتابعة حتى العصر الحديث.‏

وعلى روعة الرواية والدور الكبير الذي اضطلعت به فإنها (قياساً بالشعر) لا تزال حديثه العهد ولم تستطع أن تؤدي الدور أو الأدوار التي لعبها الشعر منذ أن هلهل به (المهلهل) وحتى الزمن الذي رفعته القصيدة إلى سموات فسيحة لا يدرك منتهاها!.‏

وليس جديداً القول: إن الفرد العربي بل الأديب العربي الذي اطلع على منجزات الأمم الأخرى في مجال الرواية قديماً كالأوديسا والإلياذة مثلاً وغيرهما من إبداعات اليونان والهند وسواهما فإن الأديب العربي في ذروة حركة الترجمة قبل العصر الحديث لم يقبل على هذا النوع من الأدب الجميل.‏

ولربما كان للشعر قصب السبق منذ القدم في الرواية أو الحكاية أو التمثيل الذي ورد في كثير من قصائد شعرائنا العرب ابتداء من العصر الجاهلي وحتى الفترة المعاصرة , إذ كانت القلوب تتعلق بالقصيدة والأبيات لأسباب متعددة ليس أولها موسيقاها من جهة وفخرهم بشاعرهم من جهة ثانية وغني عن التذكير أن القبيلة كانت حين ينبغ فيها شاعر تقوم بطقوس من الفخر والاعتزاز لا حصر لها, فشاعرها هو صوتها وهو عنوان فخرها وهو المنافح الأول عن طيب منبتها وأيامها وحكاياتها وهوالذي يفند مثالب خصومها وينال منهم في كل مجمع أو ناد أو سوق (سوق عكاظ مثلاً) وظلت القصيدة والقصائد مهوى أفئدة العرب على اختلاف ظروف مجتمعاتهم , بل ظلت جامع مكرماتهم ووقائعهم, والذائد عن حياضهم والمعبّر الأول والأخير عن مكرماتهم وسجاياهم وعن الكثير من مناقبهم التي يتمتعون بها إذ يلقى شاعرهم عند خصومهم أو من ينازعونهم الصدارة والمكرمات وسمو المحتد والأخلاق كل تلك المكرمات!! لكن السؤال الأهم حتى لا نتهم بالتجديف والانحياز لهذا اللون الأدبي أو ذاك.‏

ما السبب الكامن من وراء عدم ميل الأديب العربي إلى إبداع الرواية بدل الشعر منذ فجر ازدهار الإبداع والكتابة والتعبير??‏

قد يقول قائل: إن الملاحم القديمة بل الموغلة في القدم قبل العصر الجاهلي بحقب كثيرة هي روايات ممسرحة بشكل ما لكن الموضوعية تقضي بالقول: إنها هي نفسها ملاحم شعرية قبل كل شيء!!‏

ولابد هنا من التعريج على مقولة اعتد البعض بها وهي سعة الانتشار والتعبير وإزاء ذلك ينبغي لفت الانتباه إلى أن طرائق الايصال وتطور الاتصالات في العصر الحديث ولاسيما الوقت الراهن (وخاصة في المجالين السينمائي والتلفزيوني) قد ساعد الرواية على سعة الانتشار تلك عن طريق تحويلها إلى أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية وتعميمها على أمم وخلائق لا تعد ولا تحصى.‏

ومن العدالة أيضاً القول: إن من تعاريف الشعر أو صفاته أنه تكثيف للعالم, فجزء من بيت أو صورة خلاقة قادرة على اختصار ما تقوله صفحات وصفحات من أي رواية إن لم نقل الرواية كلها!! ويجب ألا ننسى بأن كلا الإبداعين (شعر أو رواية) عملية خلق أدبية لكل منهما مقوماته وطرائقه ووسائل تعبيره, ولعلنا نحن من أوقع هذين اللونين الأدبيين في (معارك) لم يردها واحد منهما ويظل لكل لون طعمه الأدبي ودوره وروعته وكذلك قدرته على الوصول إلى المتلقى: أكان ذلك تكثيفاً أم إسهاباً في الشرح والتفاصيل والإطالة.‏

ومع ذلك سنتذكر أن أي فن أدبي يجهد في أن يضفي على نفسه الشاعرية والأسلوب الشعري أيضاَ!!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية