تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


معادلة: الكف - العين والمخرز!

آراء
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
نواف أبو الهيجاء

كان ذلك قبل نحو أربعين عاما. توجه الشاب المفعم بالشعر والخجل والإرادة والمتخم من عذابات المخيم, توجه أحمد دحبور من مخيمه في (حمص) إلى الشام. كان مترعاً بالتحدي -

وهو حتى الآن مترع بهذا التحدي, وأنا اشهد وخالد ابو خالد يشهد, وملاطمته القهارة للمرض شاهد - والتقينا, مجموعة من الشبان غواة المناكفة والمناورين ابداعيا, والمسكونين بوطن متوجع جريح, بيوتاته وارضه واشجاره ئتن تحت وطأة محتل, وتهب في كل يوم علينا نسيماته وقد هربن من فوق الحراس ومن تحتهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم, لتعلمنا بوجودها قريبة ترفض ان تنيخ تحت ثقل المحتل الغريب عنها وعن أنفاس وأرواح وعرق ودم وأحلام الأجداد والآباء - من قتل منهم ومن مات سواء.‏

جاءنا احمد دحبور شاعراً مرهفاً, بموقف وبوعد, هو ذاته ماعبرت عنه كلماته في ذات قصيدة إذ يتحدى وهم (عجز الكف عن ملاطمة المخرز) - واستحالة ان تقوم العين بالصمود أمام هجمات (المخرز). جاء يقول: إن الكف سوف تلاطم المخرز.. ولن تعجز, وزاد على ذلك مؤكداً: أن العين سوف تلاطم (تواجه - تقاوم) المخرز ولن تعجز. كتبت في حينه قصة (الولد الفلسطيني - مهداة إلى الشاعر الفلسطيني الشاب احمد دحبور) ونشرت ضمن قصص مجموعتي الثانية في العام 1972 (الضرب في الرأس). لكن الأغرب أن هذه القصة, من بين كل ما نشرت من قصص قصار - كانت دائماً (تمثلني) - في الترجمة إلى اللغات - ضمن المجاميع القصصيةالفلسطينية - والقصصية العربية - وحتى في (انطلوجيا القصة الفلسطينية) كانت سفيرتي إلى الآخرين.‏

معها - بالطبع - ظل (احمد دحبور - الشاعر الفلسطيني الشاب) إذ من غير المعقول أو المقبول أن أعود - انحناء أمام الزمن - فأكتب أنها مهداة إلى الشاعر الفلسطيني ( الكهل - أو العجوز).. فالشاب الشاعر لما يزل في عنفوانه - فهو من قاوم الغزو في بيروت - وقبل ذلك هو من كابد في أحراش عجلون - وبعد ذلك هو من أراح جسده من تعب في العاصمة التونسية مثل أي فارس قبل ان يعتلي الصهوة مرة أخرى وبعزم أكبر - وهو بعد ذلك من قدر له أن يعود مرة أخرى إلى الملاطمة والمواجهة المباشرة - من البحر إلى الشاطئ - إلى حيث غزة - ليقال له ( كن في مسؤولية الثقافية ) - من موقعك ليس في السلطة بل بسلطة المثقفين, أترابك عليك أيها الرجل الفلسطيني.‏

دافع دحبور عن الخيمة. هل اتاكم حديث الدفاع عن الخيمة - التي تعني وقد عنت اللجوء والجرح المفتوح والعميق? أي قهر هذا الذي يضع الإنسان في موقع المدافع عما يكره ويمقته.? إنه موقع الاختياربين الحياة اليوم لقهر القهر غدا - وهنا مطلوب الدفاع عن (الخيمة) - وبين الموت كمدا - غصبا - وحرمان الوطن من فرصة (دفاع عنه) مهما كان الدفاع متواضعا - ومهما كان ضعيفا - بالكلمة أمام فوهات البنادق وانفلاقات الصواريخ, وقدرات سرفات الدبابات, ومواجع الحصار.‏

غبنا - وتفرقنا وتشتتنا ولكننا ظللنا معا نتابع الارهاصات والمواجع ونكابد معا - كل من موقعه في موقعه الجغرافي - فالعالم كله ساحة للصراع بيننا وبين مغتصبي حقوقنا وهادري دمائنا ومنتهكي هوائنا وتربة أوطاننا وقدسية أجداث الاجداد وأنفاسهم.. وأحلامهم.‏

امس فقط كنت مع (الولد الفلسطيني) في مشفى (الأسد) الجامعي أودعه وهو يتماثل للشفاء. وامس أيقنت أن الولد الفلسطيني هو ذاته الذي جاءنا إلى مخيم اليرموك قبل اكثر من أربعين عاما, ماهذا الذي يسمى (الشيب)? وما التجاعيد? أليست فعل الزمان بنا - دون أن يصل الاثر إلى الأرواح ولا إلى القلوب ولا إلى الذاكرة ولا إلى الأحلام النبيلة البسيطة المشروعة الإنسانية?‏

احمد دحبور: خلاصة قصتنا جميعاً. وهو ممثلنا في القوة والصبر والمكابدة - لابل كذلك التحدي الذي ما نسيناه ولن ننساه, انه تحدي (المثل الذي يدعو إلى الاستسلام: العين ما بتلاطم المخرز - او اليد ما بتلاطم المخزر) إنه - مع الحقيقة المتجلية اليوم وفي كل يوم في غزة - كما في الضفة الغربية - كما في المحتل من أرضنا عام 1948 (إن العين تقاوم وتطول وتلاكم وتواجه المخزر) - وهي لاتعجز ولسوف توصل اليد التي تقبض على (المخرز) إلى العجز.. وبالتالي إلى ارتخاء القبضة عن المخرز حتى تجده اثقل من الجبال فتلقيه عن الكاهل المتهالك.‏

أيها الولد الفلسطيني:سلامتك. القدس - عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 تنتظر منك الإسهامة التي تليق بنا كلنا معاً: أنت والقدس, فنحن والوطن, المسؤولية أمام الله والتاريخ والضمير.. nawafabulhaiga@yahoo.com‏

">وسلامتك.‏

nawafabulhaiga@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية