تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هذا جولاننا.. قصص النزوح باقية في الذاكرة

الجولان في القلب
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
تقديم: زهور رمضان

نتحدث اليوم عن قصة مأساوية أخرى من قصص نزوح أهل الجولان من أرضهم قسراً من قبل العدو الإسرائيلي في ظل غياب واضح لدور الإعلام العربي وضعف إمكانياته عن تسليط الضوء

حول حكايا النزوح التي تعرض لها 97% من سكان الجولان التي لا تزال منسية في عبق الذاكرة رغم كل ما حلّ بهم من تشرد وفقر ورغم مرور السنين وتسارع الأحداث ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على قصتهم فإنها لا تزال ضمن أحلامهم الوردية وآمالهم المستقبلية وخاصة أولئك الذين قاسوا وعانوا ونزحوا وستبقى ضمن أفكارهم مغروسة وفي أحلامهم مزروعة وفي أحلام من ولدوا وعاشوا في ظل المخيمات والأحياء الشعبية المكتظة بالنازحين.‏

فهذه هي أم أيمن تروي قصتها بأسى وحرقة ترافقان كلماتها المتلعثمة من بين ثنايا حنجرتها المتحشرجة وحالها حال الكثيرات فلم يكن عمرها يوم النزوح سوى ثماني سنوات وتتذكر تماماً كيف كانت الطائرات الإسرائيلية تملأ سماء الجولان الحبيب كسراب الطيور المهاجرة وتقول والدموع تتساقط على خديها رقراقة: (لم أكن أعرف يومها ما معنى الحرب فقد كان أبي يهتم بنا عند نشوب المعركة وقد هربنا والتجأنا لمغارة مجاورة للقرية موجودة ضمن الجبال, كما التجأ لتلك المغارة معظم أهالي القرية وكان هناك أكثر من مغارة وتتسع الواحدة منها لحوالي المئة شخص وكانت النسوة تطبخن في المغارة وتخبزن خبز التنور وتصنعن لبن المواشي فلم يؤثر علينا قصف الطائرات لأننا مختبئون في المغارات).‏

تلفظت أم أيمن بهذه الكلمات بغصة تملأ صدرها وأخذت نفساً عميقاً وعادت لتكمل حديثها: قريتي اسمها البطيحة وقد قضيت فيها أحلى سني طفولتي التي لن أنساها أبداً عشت وستبقى ذكريات وقصص الطفولة في ذاكرتي فهي أجمل أيام عمري بين ثنايا أرضنا ومسقط رأسي , وتكمل: قرية البطيحة زراعية وأهلها يزرعون أرضهم بالقمح والفول في الشتاء وتملأ بساتينهم بأشجار الموز والدراق والزيتون وهي لا تبعد كثيراً عن بحيرة طبريا وقد كان أهل القرية يصطادون السمك وكثيراً ما كانت الأمواج ترتفع عند هبوب العواصف فتقذف البحيرة من أحشائها السمك للشاطئ وعند عودة المياه يتبقى السمك على الشاطئ فيجمعه الأهالي والصيادون.‏

ولم يتسن لنا مشاهدة والدتها المريضة حمدة توهال البالغة من العمر 75 عاماً لكانت حدثتنا بتفاصيل أدق لكن ابنتها أم أيمن واسمها (شما حسن) تتذكر أنه عندما سقطت مدينة القنيطرة سارع الأهالي لترك القرية ومغادرتها, وقد خرج السكان على حالهم ووضعهم الذي هم عليه فبعضهم لا يحمل شيئاً غير ثيابه التي يلبسها وبعضهم يحمل أطفاله وآخر يجر الماشية والغنم وبعضهم يركب الخيل أما الأطفال الذين لا يقدرون على المسير بعد يركبون على الخيول أو الحمير أما هي فقد سارت مع أهلها وأخوتها, ولدى وصولهم إلى منطقة جلين وهي تقع على الحدود بين سورية والأردن تجمعوا هناك وكانت تقدم لهم معونات غذائية إنسانية وبعد ذلك استأجر والدها الذي قضى نحبه منذ 12 سنة قبل أن يعود إلى أرضه ومنزله بيتاً في منطقة تدعى طفس تقع شرق المزيريب من محافظة درعا وكانت أجرة المنزل ثلاث ليرات ولكونه لم يتمكن من المثابرة على دفع الأجرة لقلة ذات اليد بعد أن فقد كل ما يملك من عمل وأرض ومأوى, فترك البيت المستأجر وعاد ليعيش مع أسرته في مهجع كبير مخصص للنازحين في برزة حيث كان يضم هذا المهجع 100 خيمة وتسكن في كل خيمة عائلة.‏

تتذكر أم أيمن أن (إسرائيل) قد احتلت أرض ومزارع وبيوت الجولانيين, وتتذكر السيدة شما منظر القتلى والجثث على الطريق خلال مسيرهم في مشهد لن يغيب عن مخيلتها ما عاشت من عمر.‏

كما تذكر أم أيمن أن أرضهم كانت كبيرة وتصل مساحتها لتقديرها إلى 400 فدان وكان والدها يزرع البطيخ.‏

وفي عام 1967 بالتحديد قاموا بقطاف المشمش لمرة واحدة والاجاص لمرتين لكنهم لم يقطفوا بعدها من تلك الأشجار إلى يومنا هذا, وتتذكر أن والدها زرع شجرة لوز وكان عندهم شجرة علكة البطم وهذا النوع من الأشجار ينبت لوحده ولونه أبيض وبعض الناس تبيع منه, كان أبوها يربي الماعز والبقر والغنم وكان لديهم جمل يطلقون عليه اسم (بعدين) ومن الملفت للانتباه أن هذا الجمل كان يدخن حيث يقوم أبوها بسحب الدخان من السيجارة ونفخه في فم الجمل هكذا تعود حسب ما ذكرت وإذا لم تسقه وأنت تشرب يهجم عليك ويركض وراءك ويركب عليك وقد يقتلك.‏

تتمنى أم أيمن لو تعود لقريتها لتعيش فيها آخر حياتها وتزرع القمح والفول كما كان يفعل أهلها وتحقق حلم أبيها الذي سبقته المنية وعاجلته قبل أن تتكحل عيونه برؤية أرضه..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية