تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هــل عــالــمك هــو عــالــمي ؟؟

مجتمع
الأربعاء 5-2-2014
دارين جوهرة

لا تتساءل عزيزي القارئ ... أؤكد لك أني ولدت على هذا الكوكب و لم آتيه من الزهرة أو المريخ أو أي مجرة كونية أخرى؛ كما أني لم أفقد صوابي ( حتى الآن ) و تخيلت أني أعيش في مجموعة شمسية مختلفة عن هذه ( ولو كانت القريبة منها ).

أيها القارئ هل تعرف العالم ؟‏

الحقيقة أن معارفنا موجودة في ذهننا كمجموعة هائلة من الصور و المشاعر و الأصوات و الأفكار و الكلمات و الجمل التي تسربت إلى ذاكرتنا عبر سنوات طويلة تراكمت شيئا فشيئا حتى أصبح لتراكمها هذا معنى سميناه العالم .‏

فالعالم الذي نعرفه هو مجموعة من الأفكار التي اكتسبناها من الخارج و هو كصورة عنه و ليس الحقيقي. فلو امتلكت خارطة لدولة ما هل تصبح هذه الدولة بين يديك ؟ بالتأكيد لا ( وإلا لكان هتلر قد اكتفى بشراء مجسم للكرة الأرضية).‏

ولإثبات ذلك أغلق عينيك الآن .... تذكر نهرا أو بحرا تعرفه جيدا‏

الآن افتح عينيك .. هل ترى ماء منسكبا من رأسك ؟ إذا كان الجواب لا فهذا يدل على أن النهر ليس في رأسك و إنما صورة عقلية لنهر قد يكون موجودا في الواقع .‏

كذلك العالم الذي في الذهن. بنيته أنت بما سمعت و قرأت و رأيت و بما استقر في نفسك من قيم و معتقدات و قد يكون في هذه المعلومات الكثير من الخطأ و الصواب ، الحق والباطل .‏

قد يقول البعض من أين يأتي الخطأ ؟ فأنا شخص موضوعي جدا لا أقبل إلا بما أقوم باستقرائه أو استنباطه و من معطيات دقيقة جدا‏

في بحثنا عن الإجابة أفادنا المختص باسل النصار‏

تخيل أن العالم الذي تعرفه هو مدينة رائعة و جميلة فيها البناء العظيم و الشوارع الواسعة الطويلة التي ترتفع على جوانبها الأشجار الخضراء النضرة.‏

هناك ستجد أنها محاطة بأسوار ثلاثة لكل منها دور في الحد من تسرب تلك الكلمات و الصور و الأفكار و المعتقدات إلى عالمك هذا بالرغم من أنها تعتبر المواد الأساس لبنائه و تطوره.‏

فالسور الأول هو سور حدود الحواس :‏

اجل حواسنا الخمس منفذنا الوحيد لإدراك العالم الحقيقي .‏

نعم نحن لا نستطيع أن نبصر إلى ما لا نهاية‏

لا نرى إلا ألوان الطيف‏

لا نسمع إلا حزمة محددة من ترددات الصوت‏

نخدع أحيانا برسم أو صوت و نعتقد أنه شيء مختلف‏

السور الثاني هو سور اللغة :‏

و هو سور هام جدا؛ فلو كتبت هذه المقالة حرفيا بلغة أخرى لا تعرفها هل كنت لتستطيع قراءتها ؟ هل كانت لتصبح جزءا من العالم الذي تعرف ؟‏

مثال آخر : لو قلت لك أنها مجلة رائعة ... قد توافقني الرأي و قد تعارضني ... لكنك في الحقيقة لا تعرف عن أي مجلة أتحدث . لم أقل لك أني أتحدث عن هذه المجلة لكني أوقعتك في فخ يسمى الحذف و هو من عيوب فهمنا للغة . هذا و لم نتحدث بعد عن الجدل الذي قد تحدثه كلمة ( رائعة ) فكل شخص يفهمها بطريقته و رأيه و حسب لهجته و التراكيب اللغوية التي تستعمل في مكان نشأته.‏

السور الثالث و هو سور المعتقدات و القيم :‏

إن أثر المعتقدات و القيم مختلف بحسب عمق استقرار كل قيمة أو معتقد في نفوسنا . كم مرة كنت قد هممت بقراءة كتاب ما أو مقالة أو بدأت بمشاهدة فيلم وتوقفت لأنها تناقض فيك بعض قيمك و معتقداتك ؟ ألم يحد ذلك من عالمك ؟ .‏

الم تمنعك قيمك و معتقداتك من القيام بالكثير من الأمور الإيجابية في حياتك ؟‏

تذكرني هذه الأسوار بقصة العميان الثلاثة الذين اجتمعوا على فيل … وهم يجهلون ما هو … فبدؤوا يتلمسونه بأيديهم ليستكشفوه …‏

فوقعت يد الأعمى الأول على ساق الفيل … فقال … إن هذا الشيء اسطواني خشن الملمس وكأنه جذع شجرة ولكنه ليس بشجرة وأمسك الأعمى الثاني ذنب الفيل .. وقال .. بل كأنه حبل متين .. ولكنه ليس بحبل أما الأعمى الثالث … فأمسك خرطوم الفيل .. وقال .. هو خرطوم ماء كبير أظنه لإطفاء الحريق.‏

فنشب نزاع بين العميان الثلاثة … لأن كلاً منهم يعتقد ما توصل إليه هو الصواب وصاحبيه الآخرين على خطأ حتى كادوا يقتتلون فتدخل رجل حكيم ليفض النزاع … وطلب منهم تغيير مواقعهم ليكتشف كل منهم ما خفي عنه من معلومات ناقصة‏

هكذا ننظر نحن للعالم … من وجهة نظر محدودة مقيدة بعدد كبير من الأمور التي تمنعنا من رؤية الحقيقة كاملة كما هي في الواقع … ونعتقد أننا على حق وصواب .. وكل من يخالف فكرتنا هو المخطئ … والحقيقة إن الآخر أيضا يفكر بنفس الطريقة . فهل نحتاج إلى هذا الحكيم ؟‏

هل عالمك هو عالمي ؟‏

دخل رجل ذات يوم إلى عيادة لطبيب أذن .‏

و بينما هو جالس في قاعة الانتظار مع مجموعة كبيرة من الرجال و النساء و الأطفال؛ فاجأ الجميع و بصوت عال و قال : أنا آسف .‏

نظر الجميع إليه و ثم إلى بعضهم البعض ,ارتسمت على أوجههم تعابير استغراب , لم يجب احد.‏

هذا لم يمنع الرجل من أن يكرر اعتذاره 7 مرات في فترة انتظاره التي لم تتجاوز الدقائق العشر .‏

و الحقيقة إن أحداً لم يعرف عن أي شيء يعتذر هذا الشخص اللطيف البالغ الأناقة .‏

حين هم بالدخول إلى غرفة الطبيب بادره الجالسون بالسؤال : لم الاعتذار يا سيد ؟‏

تفاجأ الرجل , فتح فاهه باندهاش , تجمدت عيناه و كأنه سُئِل عن أمر عجيب . أجاب :‏

انه هذا الصوت المزعج في رأسي ؛ فأنا أعاني من طنين حاد في الأذن ؛ ولا بد من أن هذا الصوت قد أزعجكم جميعا . أكرر اعتذاري .... و مضى .‏

قد يضحك البعض و قد تعتبرها أنت طرفة لكن اسأل نفسك .. هل تعاني من طنين في الأذن ؟‏

ألم تعتقد يوماً ما بأن كل ما تشعر به أو تراه صوابا ؟‏

أو أن ما تعرفه صحيح ؟ فكيف يراه الآخرون غير ذلك ؟ أليس هذا كطنين أذن الرجل ؟‏

اجل أنت تعاني من طنين..و هو ليس أن تسمع صوتا حادا ؛ فقط بل اعتقادك أن ما تراه يراه غيرك و ما تسمعه هو ما يسمعه غيرك و ذات ما يفهم .‏

و الحقيقة كما يخبرنا بها المختص باسل النصار :‏

إن لكل منا عالماً مختلفاً عن الآخر. بناه بما سمع و رأى و شعر و ما نقل إليه من محيطه بنى جزءاً من معتقداته و ورث الأخرى ... .‏

فأغلب قيمنا و معتقداتنا تكونت منذ زمن بعيد قبل أن نصل إلى مرحلة النضج في عمر يسمى بعمر الامتصاص ( الإسفنج ) و هو من السنة الأولى إلى عمر سبع سنوات .حيث كنا كالإسفنج الذي يمتص كل ما هو سائل . فلو وضع في ماء نقي لأشبع بالماء النقي و لو وضع في ماء سام لأشبع به أيضا . فالطفل في هذا العمر يستقبل كل المعلومات وكل القيم بشكل مباشر و بسيط و تدخل إلى عالمه بلا أسوار لأن محاكمته العقلية لم تنضج بعد .‏

لذلك تأكد من أن عالمك ليس عالمي . وليس عالم أحد .فلكل منا عالمه الخاص الذي يعتقد بأنه كامل . هو عالم وحيد لا نعرف غيره ولا نتصرف إلا بما هو موجود فيه .وهو مختلف عن الحقيقي بشكل كبير.‏

و هذا ما يوصلنا للنقطة الثانية التي اكتشفناها :‏

إن هذا العالم متغير حقاً تتعدد فيه المواقف و تتكرر فتسمع كلاما تفهمه بغير ما قصد به أو تفسر سلوكا لآخرين بشكل خاطئ مغاير للعالم الحقيقي .‏

بالتالي : إن العالم سيتغير إذا تغير ما في الذهن .‏

لذلك أطلق قدراتك ...‏

كن ايجابيا ...‏

ولا تقس نفسك بما أنجزت حتى الآن ، ولكن بما يجب أن تحقق مقارنة بقدراتك‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية