تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


استثنائية الظرف.. والإجراء !!

الافتتاحية
الثلاثاء 27-12-2011
بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم

لا أحد يجادل في استثنائية الظروف التي تعيشها سورية.. استثنائية تُملي في حدّها الأدنى التعاطي باستثنائية معها، وتقتضي التعامل بحدّ أقصى من الإجراءات في كثير من الجوانب وعلى مستويات متعددة..

ولا نعتقد أن هناك من لم يسمع بتلك الأصوات والأحاديث المتداولة شعبياً على الأقل، وهي تطالب وترفع من وتيرة مطالبتها بأن يكون هناك حالة من الاستثنائية التي تقتضيها طبيعة الأزمة والظروف معاً.‏

بعض تلك الأصوات قدمت ومنذ بداية الأحداث رؤية خاصة لم ننكرها عليها .. وإن كنا لم نشاطرها في تفاصيلها.‏

لكن التطورات الأخيرة والاعتداءات الإرهابية الآثمة عادت بتلك الأصوات والأحاديث كي تطفو مجدداً على السطح، حيث يقرّ الجميع بأن الأمور في بعض مستوياتها وصلت إلى حدود لاتطاق، وأن الهجمة التي تتعرض لها سورية تُطوِّر من أدواتها واستهدافاتها إلى أطوار جديدة تدفع نحو تأكيد الحاجة الفعلية لإجراءات نوعية مختلفة.‏

بين المطالبة الشعبية بالحسم السريع لكثير من المظاهر الشاذة والغريبة عن حياة السوريين، وبين الأصوات التي تعلو في الدعوة لاتخاذ إجراءات تحاكي الحالة الطارئة بحدّ ذاتها، وخصوصاً في بعض المناطق التي تشهد تصعيداً إرهابياً خطيراً مدعوماً بأيدٍ خارجية، بين هذه وتلك تبدو المقاربة أمراً محسوماً لجملة اعتبارات مدفوعة بالسياق الذي أنتجها.‏

إذ باتت الاستجابة هنا نزولاً عند رغبة شعبية جارفة لا يمكن بأي حال تجاهلها، وليس بالإمكان تجاوزها، خصوصاً عندما تكون انعكاساً لنبض السوريين الذين كانوا طوال الأزمة، بل قبلها أيضاً، الأقدر على محاكاة كل ما يجري بصورة متقنة، وتعاطوا مع التطورات بمنطق عقلاني، حيث سجّلوا على الدوام مؤشراً موضوعياً ومرآة عكست وعياً ذاتياً اعتاد السوريون على التفاعل معه في مختلف الظروف، وأثبتوا كفاءة حقيقية في المواجهة وارتقوا بوعيهم إلى حدود المسؤولية.‏

وبالتالي فإن أصواتهم التي تعبّر عن ذلك النبض لا يمكن أن تكون إلا تعبيراً دقيقاً وصائباً رغم ما قد يشوبها من انفعالات عاطفية رافضة لكل ما يجري، ورغم ما قد تذهب إليه من طروحات تبدو أحياناً خارج السياق.. لكنها في المحصلة تعبّر عن إحساس شعبي متدفق قادر على تحديد ما هو مطلوب.‏

لا ننكر أن الطرح قد يكون مفاجئاً في بعض جوانبه أو هناك من سيصطاد فيه بهذا القدر أو ذاك، لكن الظرف الطارئ يستدعي تفكيراً مغايراً ويقتضي إجراءات مماثلة لما يجري في بلدان العالم الأخرى في حالات أقل من هذه بكثير وهذه حقائق على الأرض تبرز.. وتحتاج إلى التعامل معها وفق معاييرها التي تحددها مؤشرات وأرقام وأحاديث واستفسارات وفي بعض الأحيان استنتاجات وتفسيرات..‏

في المنطق العام لا تخلو المسألة من إشكالية حين تكون تلك الأصوات بهذه الوتيرة من الارتفاع لكنها تعبّر عن وضع طارئ تعيشه يومياً بتفاصيله، وثمة أصابع تحاول اللعب على الفارق أو في الهامش الذي يفصل بين المطالبات تلك وبين الإجراءات، ولا بد من العمل على إغلاق ذلك الهامش بإجراءات تستجيب وتكون نزولاً عند هذه الرغبة.‏

في التفاصيل لن نقف عند التسميات لأن الاستثنائية في الظروف تتطلب بالضرورة استثناء في القرار والتوجّه.. قد يكون على حيّز جغرافي محدود أو أبعد قليلاً لكنه ضرورة واقعية ونعتقد أنه قد آن الأوان للتمعن فيها..للنظر في مقتضياتها بكل ما تحمله.. وماتنطوي عليه.‏

السوريون الذين خَبروا الأحداث بأبعادها.. وتعرّفوا على خيوطها ومدبّريها والأطراف التي تحرّكها يبحثون عما يوازيها.. وقد كانوا في وعيهم وحضورهم بأنساقهم الاجتماعية المختلفة على قدر التحديات.. وواجهوا بكفاءة واقتدار كل ما نتج عنها.. ينتظرون ما يتقاطع معها من إجراءات.. وما يستكمل تلك الإجراءات، وأصواتهم المطالبة بالحسم هنا.. وبإجراءات استثنائية هناك.. تبدو مشروعة.. وربما مقنعة!!‏

a-k-67@maktoob.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية