|
ملحق ثقافي
لم يكن ناقداً بالمعنى المتداول، أي أنه يكتب لمجرد إبداء رأي عابر في صحيفة ما، وإنما كان على الدوام يعلن أن النقد هو حياته، ويضيف: «فأنا لم أختر أن أكون ناقداً وإنما وجدت نفسي داخلاً في موضوع النقد الفني والتعلق بالأعمال الفنية وتقييمها والبحث عن الأطر التي توضع فيها، حيث بدأت مبكراً جداً في هذا الموضوع، وبدأت من خلال اللغات الأجنبية بالاطلاع على تاريخ الفن والثقافة الحضارية الفنية». وكان النقد يعني له أكثر من ذلك، لأنه إغناء لتجربته الشخصية واكتساب خبرات ومعلومات جديدة. النقد بالنسبة إليه مهمة شاقة، لكنه يستمتع بالولوج إلى ذلك العالم الحضاري الكبير الذي له علاقة بحضارتنا ووجودنا. إضافة إلى النقد، فقد كتب علون الشعر، ونشر ديوان شعر بالاشتراك مع الشاعر شريف خزندار، كما أنه شارك فاتح المدرس ومحمود دعدوش في نشر أول بيان فني للفلسفة الجمالية عن الفن العربي. ولد د. عبد العزيز علون في خان شيخون عام 1934. وسافر إلى الهند في بداية شبابه، وعاد إلى دمشق 1956 ونال الإجازة في اللغة الإنكليزية، ثم دبلوم التربية. غادر بعدها إلى إنكلترا، وأمضى فيها سنتين. وبعد ذلك مارس تعليم الإنكليزية في مدينة البوكمال. وبعد عودته إلى دمشق، عمل في إدارة معهد الحرية، ثم ومن جديد سافر إلى إنكلترا وإيطاليا عام 1973- 1974. وعن تلك المرحلة يقول: «عمدت إلى دراسات خاصة هيأت فيها أطروحة الدكتوراه وكانت بعنوان «الذرى والقيعان في تاريخ الفن العام». ويتابع حول مسيرته العملية «بدأت التدريس في كلية الفنون الجميلة عام 1962 وبقيت فيها 24 عاماً بفترات متقطعة. عام 1998 أخذت على عاتقي محاضرات في الكلية الأمريكية في بيروت، وفي جامعة دمشق». انتقل إلى مجلس الوزراء، واستلم عملية العلاقات الدولية مع المنظمات المعنية بالشؤون الثقافية، ومقرراً للجنة الثقافية في مجلس الوزراء للشؤون الثقافية. كتب الدكتور علون ما يزيد عن خمسة وعشرين كتاباً، ونشر مئات المقالات النقدية. وقد اختار بعض المقالات ونشرها في كتابين، كان الأول بعنوان «تاريخ النحت العربي في العصر الجاهلي»، والثاني «الأموي الكبير في دمشق وتاريخه وجمالاته»، وقد تحولت هذه المقالات إلى فيلم سينمائي نال عليه جائزة الإبداع. يقول الدكتور علون حول طريقته ورؤيته للنقد التشكيلي: «أنا أعتمد على الثقافة الأكاديمية التي بدأت بها فاطلعت فيها على تاريخ الفن العام ودرست تاريخ الفن دراسة منهجية وأكاديمية، ثم ركزت دراساتي على منطقة سورية التاريخية من ظهور الإنسان في سورية وحتى الوقت الحاضر، فتابعت وشاركت في الحفريات الأثرية التي أخرجت ذخائر وأعمال الماضي العظيمة، وركزت عليها وحاولت التعرف على وجه سورية الحضاري والثقافي في التاريخ، هذا بالإضافة إلى أنني قارئ للحركة الفنية في سورية بمعنى أنني متابع لكل ما يحدث، فأتابع التجارب بحثاً للتعرف على بداياتها وعن آفاق مستقبلها». لم يتوقف علون عند هذا، بل كانت الحركة الفنية السورية في صلب عمله، إذ كان يتابعها عن قرب، ويلتصق بنشاطها الدائم. ومن بين الأمور التي تحسب له أنه سعى عبر حياته إلى امتلاك مجموعة هائلة من اللوحات، وهو كما يقول لم يوفر المال في البنوك، بل سخره لشراء اللوحات والتماثيل الأصلية من جميع البلدان. وهكذا فقد أصبح لديه أرشيف فني لا يوازى في سورية. ومن خلال اطلاعه الكبير على الثقافات العالمية، وامتلاكه اللغات الأجنبية، استطاع د. علون أن يبلور رؤيته ويدرك حقيقة ما هي الثقافة الفنية الصحيحة التي يجب أن يمتلكها الفنان التشكيلي، ويقول: «الثقافة الفنية في سورية ضعيفة وفقيرة وما يزال الفنان في سورية يفتقد للثقافة الفنية الصحيحة ومازالت عين الجمهور غير مشبعة من ناحية الأعمال الفنية الصحيحة. أهم شيء في الإعلام السوري يفترض أن تكون الصورة الفنية الصحيحة والسليمة». ومن خلال متابعته لحركة المعارض الفنية التي تجرب على الساحة السورية والعربية، استطاع علون أن يقدم رؤية متقدمة وواقعية عن هذه النشاطات، وحين سئل عن ذلك الأمر أجاب: «إن المعارض عموماً والمتعلقة بالشباب على وجه الخصوص لم تستفد من الخبرات المماثلة في البلدان المتقدمة كي تأخذ شكلاً آخر، على غرار الأرياف في المدن الأوروبية التي تنظم معارض للشباب على مستوى البلدة، بوجود لجان تحكيم مهمة، تساعد الشباب على الاستمرار بالعمل الفني وتقتني العديد من الأعمال لتعرض بقاعة المدينة أو البلدية ويمنح أصحابها جوائز قيمة، وهنا أذكر أن الكثير من الفنانين العرب الكبار ممن درسوا في أوروبا حصلوا على هذه الجوائز الأوروبية». وحين يتحدث عن المتاحف فإنه يعي المشكلة الحقيقية فيها، إذ إن هذه المتاحف تمتلك لوحات قليلة فيها، وبالتالي لا يستطيع الفنان الشاب أن يدرب عينيه على رؤية الجمال في بلده «لذا ينبغي أن نهيئ للجيل الجديد كل الرعاية والاهتمام كي يكونوا فناني المستقبل، فكل هذه المشاكل نحن من يتحمل مسؤوليتها وليس الفنان الشاب الذي يتغلب عليها ليثبت نفسه فناناً بين الكبار». وبصفته مهتماً بالمكتشفات الأثرية ومتابعاً لحركة التنقيب السورية، فقد أكد أن هناك مكتشفات تدل على أن عمر الإنسان في سورية يعود إلى مليون عام مضت. ويقول: «وتشير الدراسات إلى أن التفاهم الأول بين الجماعات الإنسانية جرى قرابة 700 ألف عام ق.م، ولدينا لقى أثرية تدل بشكل واضح على تطور الفن في سورية وتعاظم دور اليد الإنسانية في الدخول إلى عالم الفن، فالفن لا يبدأ مع الإنسان العاقل وإنما خلق مع الإنسان لأنه شكل يدل على وجوده ويميزه عن الكائنات الأخرى». الدكتور عبد العزيز علون أحد أصحاب المشاريع التنويرية، وأحد الدارسين الكبار للحركة التشكيلية السورية، ومن المؤثرين في تاريخ الحركة النقدية السورية، أو لنقل من أكبر أعلامها. |
|