|
فضاءات ثقافية دخل صاحب روايتي «الغريب» (1942) و»الطاعون» (1947) الشهيرتين، تاريخ الأدب والفكر من بابه الواسع عام 1957 عندما أصبح ثاني كاتب من جيل الشباب يدون اسمه على لائحة جائزة نوبل للآداب. وبرحيله في ظروف مأساوية، يبقى ألبير كامو الكاتب الذي لم يعش طويلا مقارنة بأسماء المتألقين الآخرين في جائزة نوبل للآداب. قبل أسابيع قليلة من إحياء الفرنسيين لذكرى رحيله، لم يكتف كامو بالعودة إلى الواجهة الأدبية عبر إعادة طبع نسخ جديدة لمؤلفاته, وصدور كتب عن مساره، بل أثار نقاشا مثيرا للجدل في المشهد السياسي عندما اقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تشرين الثاني من عام 2009 الماضي, نقل رفات الكاتب من مقبرة في جنوب فرنسا إلى «البانتيون». عائلة كامو تعارض نقل رفاته أثارت فكرة الرئيس الفرنسي معارضة شديدة لدى عائلة الكاتب، حيث اعتبر نجله جان كامو المبادرة بـ «المناورة» لأغراض سياسية حسب ما أوردته جريدة «لوموند». ولم يتردد كثيرون في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية بإثارة تساؤلات وتعليقات حول مبادرة ساركوزي. والجدير بالذكر أن الكاتب والصحفي ألبير كامو، المعروف بتوجهاته اليسارية وتعاطفه مع الأحزاب الحاملة لرايات اليسار، سبق له في العديد من المرات إثارة الحدث السياسي باعتماد مواقف مغايرة لخطابات عائلته السياسية. اعتبر الكاتب الفرنسي وأستاذ العلوم السياسية ألان جرار سلاما على قناة فرانس 24 ان الرغبة في توظيف صورة وسمعة ألبير كامو سياسيا كبيرة جدا في الوقت الحالي، خاصة على ضوء النقاشات والانشغالات الراهنة، سواء تعلق الأمر بالأخلاق أو أمور أخرى. ومن جهته، يقول الكاتب الصحفي اوليفييه تود، كاتب سيرة كامو، أن صاحب جائزة نوبل للآداب لعام 1957 لم يكن رجل أوسمة وتشريفات، وأضاف قائلا ان اقتراح ساركوزي بإدخاله إلى «البانتيون» لا يتماشى مع طبيعة حياة الفقيد ومضمون رواياته الأدبية والمسرحية. ويذكر اوليفييه تود بقصة حدثت في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما اتصل أحدهم بألبير كامو لاقتراح اسمه لتكريم عمله الصحفي في جريدة «كومبا» (كفاح) فرد عليه الكاتب بسخرية: «كنا حمقى وها نحن اليوم مع هذا الاقتراح حمقى متوجين». ولد كاتب رواية «الغريب» عام 1913 في ضاحية مدينة عنابة الجزائرية على الحدود الشرقية، وترعرع في حي «بلكور» الشعبي بالجزائر العاصمة وسط محيط اجتماعي متواضع. وقد أظهر في بداية مساره الدراسي مؤهلات ومواهب في مجال الآداب، الأمر الذي دفع بمدرسه لويس جرمان إلى تشجيعه على الاجتهاد ومواصلة مشواره الدراسي. في مطلع الأربعينيات، استقر كامو بباريس حيث انطلق في كتابة ثلاثة أعمال فلسفية حول حياة الإنسان وأوضاعه في العالم الراهن. وفي عام 1943، انخرط الكاتب الواعد في صفوف المقاومة الفرنسية ضد النازية، وأخذ على عاتقه إدارة صحيفة «كومبا» التي كانت تعمل في السر، وتميزت ضمن الصحف القليلة التي نددت باستعمال الولايات المتحدة للقنبلة النووية ضد اليابان في آب 1945. 1957: سنة التتويج مع انتهاء الحرب، واصل الكاتب نضاله على الجبهة السياسية باعتماد مواقف حازمة علقت عليها الصحافة والرأي العام. ومن بين المواقف التي طبعت صفحات الجرائد تنديد ألبير كامو اليساري بتصلب نظام الاتحاد السوفييتي السياسي, وتوجهاتها نحو الشمولية والدكتاتورية، وهو الموقف الذي تسبب في نشوب نزاع لافت للانتباه مع صديقه ورفيق النضال الكاتب والفيلسوف جان بول سارتر. في عام 1957، في أوج حرب الجزائر، توج ألبير كامو بجائزة نوبل للآداب، منتزعا بذلك اعتراف العائلة الأدبية الدولية لمجمل أعماله. وقد سلطت روايات ومسرحيات ومقالات الكاتب الأضواء على المشاكل التي تؤثر على «ضمير الإنسان». ولم يفوت الكاتب فرصة تتويجه بعروس الجوائز الأدبية للتنويه بالإشادة بدور مدرسه الذي حثه على شق مساره الدراسي نحو التألق والاجتهاد على جبهة الآداب. وبمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الكاتب الفرنسي ألبير كامو، بثت القناة الفرنسية الثانية « فرانس 2» الأربعاء الماضي فيلما بعنوان ( بين العدالة وأمي أختار أمي ) لم يعرض من قبل يتناول حياة الكاتب الشهير ومساره السياسي خصوصا ما يتعلق بالجزائر حيث عاش منذ ولادته في 1913 حتى 1940 واستقراره في باريس. «بين العدالة وأمي أختار أمي» «كامو» هو عنوان الفيلم، وهو من إخراج المخرج الصحفي لوران جاوي، تم تصويره في بلدة «تراسكون» قرب مرسيليا، جنوب فرنسا. ويسلط الأضواء على السنوات العشر الأخيرة للكاتب، لاسيما سنة تتويجه بجائزة نوبل للأدب في 1957 عن كتابه «الغريب». ويستحضر العراك الكلامي الذي جرى بينه وبين صديقه الفيلسوف الفرنسي اليساري جان بول سارتر بعد مقولة كامو الشهيرة «إن كان لدي الخيار بين العدالة وأمي لاخترت أمي». كما يسترجع الفيلم ذكريات الفرنسيين الذين كانوا يعيشون في الجزائر في الخمسينيات من القرن الماضي ويسلط الضوء بشكل خاص على يوم 22 كانون الثاني من سنة 1956 حينما اقترح ألبير كامو على قوات الاستعمار ومسؤولي حزب «جبهة التحرير الوطني» توقيع هدنة ووقف الحرب. لكن الفرنسيين تلقوا الفكرة باستياء وغضب شديدين، فراحوا ينظمون مظاهرات شعبية في الجزائر العاصمة, وكبرى المدن الأخرى للتنديد بها، مرددين «الموت لكامو» رافعين شعارات معادية لرئيس المجلس الفرنسي آنذاك الاشتراكي مانديس فرانس. كامو يلتزم الصمت ولم تلق مبادرة ألبير كامو نجاحا في الجانب الجزائري، بالرغم من حضور بعض مسؤولي جبهة التحرير الحفل الذي اقترح فيه كامو الهدنة والذي رفضته قيادة الثورة الجزائرية رفضا قاطعا. وأسف ألبير كامو لما آلت إليه الأحداث وأبدى حزنا عميقا إزاء الرفض الجزائري والفرنسي بشأن اقتراحه، فالتزم الصمت منذ تلك الفترة، ولم يتحدث عن الجزائر لغاية وفاته في 4 كانون الثاني 1960 في حادث مرور. |
|