تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السلام ...لا تحققه الحرب

لوس أنجلوس تايمز
ترجمة
الأثنين 12-1-2009م
ترجمة :حكمت فاكه

في عام جديد، تسيل الدماء من جديد في غزة فقد أطلق السياسيون الاسرائيليون، والتنافس على السلطة محتدم بينهم، إحدى أشرس العمليات العسكرية على الأراضي الفلسطينية منذ عقود عدة، ويحكم توقيت هذه العملية العسكرية الاسرائيلية دوافع سياسية أكثر من أي شيء آخر.

فقد أصبح معروفاً أن كلاً من زعيم «حزب العمل» إيهود باراك، ووزير الحرب الإسرائيلي أيضاً وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية من «حزب كاديما» يتنافسان على رئاسة الحكومة القادمة في الانتخابات التي ستجري في العاشر من شباط القادم.‏

وفي هذا السياق، يعتقد كل منهما أن «القسوة» و«الشدة» في التعامل مع حماس سيساعدهما في الحصول على أوراق مهمة من الجناح اليميني من «حزب الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي فاز بأكثرية الأصوات في استطلاعات الرأي الأخيرة، كما يسعى رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي تطارده تهم الرشاوى والفساد إلى تلميع صورته وسمعته المنهارة قبل بضعة أسابيع من تركه للسلطة.‏

إضافة إلى عامل الوقت الذي يضغط على الساسة في اسرائيل فإن هناك قرب تسلم باراك أوباما رسمياً مقاليد السلطة في البيت الأبيض، ومادام أن باستطاعة إسرائيل الاعتماد على إدارة أمريكية لم تكتف فقط بدعم اسرائيل بل أيدتها وساندتها إلى ما لانهاية ودون أدنى تفكير.‏

وقد لايكون أوباما على استعداد لإعطاء اسرائيل شيكاً أبيض لتبرير جميع تصرفاتها، لذلك سارعت اسرائيل لاستغلال الوقت المناسب الذي يسبق الانتخابات الاسرائيلية وتنصيب رئيس أمريكي جديد للولايات المتحدة.‏

ومن وجهة النظر العسكرية الاسرائيلية، فإن جيشها قادر على الانتصار على حماس بأسلحتها البسيطة والعادية، وتعتبر هذا الجيش أنه الأفضل في العالم بفضل الدعم الأمريكي الذي يبلغ ثلاثة مليارات سنوياً، وبهذه الآلة العسكرية الفتاكة تجاوز عدد الفلسطينيين القتلى الأبرياء المئات وهذا الرقم في تصاعد يومياً وبالرغم من قسوة وهمجية هذا الجيش، فلا يوجد ما يدفعنا للاعتقاد بأن هذا الهجوم سيضمن الأمن لاسرائيل.‏

و«حتى» لو استطاعت «اسرائيل» تدمير بنية حماس التحتية في غزة، وهذا غير ممكن على ما يبدو من سير المقاومة العنيفة للفلسطينيين، سيقود ذلك إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، ولاسيما صواريخ المقاومة، لكن المقاومة سرعان ما تستأنف عملياتها ضد اسرائيل لتبقي الوضع على ماكان عليه، بل قد يساعد الهجوم الاسرائيلي على غزة في تقوية حماس على حساب منافستها فتح.‏

وأكثر من ذلك، يجب على إسرائيل أن تعرف جيداً أن إلقاء القنابل التي تزن أطناناً من المتفجرات على مناطق سكنية ذات كثافة عالية في قطاع غزة هو الطريقة الفضلى لدفع سكان هذا القطاع إلى الالتفاف حول حماس وإلى مزيد من الراديكالية وزيادة الكره والحقد على إسرائيل والحقيقة كما يـظهر فإن إسرائيل، لاتملك مخرجاً سياسياً واضحاً من عملياتها العسكرية في قطاع غزة، فلا توجد طريق واضحة ملموسة تنقلها من القصف إلى سلام دائم، كما أن هذا الدمار الكبير الناجم عن هذا التصعيد الخطير لن يقتصر على الفلسطينيين والاسرائيليين، بل سيؤجج نار الغضب والحقد والكراهية والتظاهرات كما نشاهد ونرى حالياً على شاشات التلفزة في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي وحتى الدولي، إضافة إلى ما تسببه هذه العمليات العسكرية من زعزعة الاستقرار في المنطقة.‏

وإذا كان البعض يعتقد أننا في أمريكا غير معنيين بما يجري في قطاع غزة، فلابد أنهم يخدعون أنفسهم، لأن الغضب العربي والإسلامي بخصوص فلسطين يستمر في تغذية المشاعر المناهضة للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، ويزيد من مخاطر الإرهاب الدولي، لذلك فقد آن الأوان كي تستيقظ أمريكا من غفوتها وتنظر إلى الأمور بجدية وتنخرط في عملية السلام بالشرق الأوسط، فهي تعد الداعم الأول والمؤيد لإسرائيل وراعيها المالي والعسكري والسياسي، وهي وحدها تستطيع الضغط عليها لتبني الخيارات الضرورية والصعبة لأمنها علىالمدى البعيد ولأمن المنطقة والعالم.‏

ففي سنة 2001 كادت محادثات طابا تؤدي إلى تسوية نهائية بين اسرائيل وفلسطين قبل انهيار المفاوضات بعد انتخاب أرييل شارون زعيم الليكود رئيساً للوزراء في السادس من شباط لعام 2001، وعندما رفض شارون لقاء ياسر عرفات، لم يظهر بوش الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً أي اهتمام بالموضوع، أو أي رغبة في الضغط باتجاه السلام.‏

ونجد اليوم أنفسنا بعد ثمانية أعوام، أمام وضع مماثل، إذ تستعد «إسرائيل» لانتخابات قادمة، وينتظر أوباما أداءه اليمين كرئيس جديد لأمريكا، وعندها يتعين عليه عندما تطأ قدماه البيت الأبيض، العمل على إعادة الفلسطينيين والاسرائيليين إلى المفاوضات والبدء باتفاقيات جديدة كبداية انطلاق للخلاص من تداعيات ما يحدث حالياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية