|
شؤون سياسية صب في المؤامرة الكبرى لتصفية القضية الفلسطينية، وجعل الفلسطينيين والعرب من ورائهم عاجزين كلياً عن مواجهة المشروع الاستيطاني التوسعي الصهيوني المدعوم أميركياً. فلقد أظهرت تصريحات ومواقف المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك مواقف المسؤولين الأميركيين أن العدوان الهمجي الحالي ضد الشعب الفلسطيني في غزة يهدف إلى القضاء نهائياً على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإجبار الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم في فلسطين وتوطين من أجبرتهم القطعان الصهيونية على اللجوء إلى الدول العربية المجاورة في أماكن تواجدهم باستخدام القوة الغاشمة والتهديد وبالاعتماد على دعم أميركي مطلق. الصورة أكثر من واضحة، فالولايات المتحدة وربيبتها «إسرائيل» تسعيان لتحقيق مآربهما بإقامة «شرق أوسط جديد» تكون فيه الدولة الصهيونية قطب الرحى المحرك فيه، لتحقيق المصالح الأميركية والصهيونية، وما على العرب بحسب هذا المشروع الجهنمي سوى الرضوخ للإملاءات من الطرف القوي. وإلا فكيف نفسر إصرار واشنطن وتل أبيب على تكريس الانقسام العربي وتصنيف العرب بين «معتدل ومتطرف وإرهابي» ورفض الحديث والجلوس مع مسؤولين عرب معينين، والقبول والترحيب بآخرين؟ إذاً تقوم آلة الحرب الإسرائيلية بتدمير غزة والفتك بسكانها وقطع جميع سبل الحياة أمامهم والضغط الفاجر على العرب جميعاً للقبول والإذعان لمخططات الصهاينة والامبريالية الأميركية، والإ فإن الموت ينتظر من يعترض أو يرفع صوته ضد الهيمنة الصهيونية الأميركية. إذا كان الحال هو كما قلنا، فهل يبقى أمام العرب جميعاً إلا سلاح التضامن والتعاون للوقوف بحزم أمام هذا المخطط الجهنمي الذي يسعى لشرذمة العرب أكثر وجعل «إسرائيل» هي القوة الإقليمية المهيمنة على المنطقة تملي شروطها وتأمر فتطاع وتنهب مع الولايات المتحدة ما تشاء من الأرض والثروات والبشر. فهل يليق بنا كعرب أن نقبل بمصير أسود كهذا يجعلنا خارج التاريخ بركلة صهيونية- أميركية؟ إن ستين عاماً من نكبة فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني الغاصب، مع ما مرّ فيها من حروب عدوانية شنتها تل أبيب ومن مجازر ومذابح ارتكبتها ومن تهويد للأراضي الفلسطينية وللقدس وخصوصاً زرع المستوطنات في كل مكان من الأراضي المحتلة وإقامة الجدار العازل، نقول: إن تجربة السنوات البعيدة والقريبة ومحاولات إيجاد الحلول السلمية سواء عن طريق القرارات الدولية، وما أكثرها، وأما عن طريق التسويات المنفردة، فكلها لم ولن تجد نفعاً مع عدو حاقد يعتبر العربي الجيد هو العربي الميت. ويعتبر أن الفلسطينيين في أراضي الـ 48 هم «سرطان» في جسد الدولة الصهيونية ويطالب بترحيلهم. أما مجازر غزة الحالية فهي تتحدث عن نفسها وعن مدى الحقد الذي يكنه مجرمو الحرب الصهاينة ضد الفلسطينيين والعرب عموماً. اللوحة أكثر من واضحة، والعرب ينتظرهم مصيراً أسوأ ما لم يراجعوا أنفسهم وينفضوا غبار الخوف والاستسلام. فلن ينفعهم في هذه الأيام سوى العمل المشترك والتضامن الكفاحي وإذكاء روح المقاومة والممانعة. فالأمن القومي العربي مهدد من المحيط إلى الخليج. ولا ينفع الآن التذمر والشكوى، بل المطلوب وقفة مع أهل غزة الصامدة، ولنا في زعيم دولة بعيدة عنا آلاف الكيلو مترات مثل ساطع، هوغو تشافيز رئيس فنزويلا الذي لم يستطع ضميره أن يتحمل أكثر فأمر بطرد السفير الصهيوني من كاراكاس. وهو موقف أخلاقي يشكر عليه،. فكيف ينبغي أن نتصرف كعرب، أليس من الواجب الأخلاقي والعروبي وحتى من زاوية الحفاظ على مصالحنا كدول أن نعود ونتمسك وبقوة وبسرعة بثقافة الصمود وثقافة المقاومة. لقد برهن الصمود البطولي للمقاومة اللبنانية في عدوان تموز 2006 والذي شنته «إسرائيل» أن الوقوف بحزم إلى جانب المقاومة ودعمها هو السبيل الوحيد لإنقاذ أوطاننا من عدو همجي يريد الفناء لأمتنا ويريد أن يهيمن على أرضها وشعبها ومواردها. إن صمود غزة الأسطوري ينبغي أن يلهم من تخلف عن دعمها من بعض العرب، إن غزة هي شوكة في حلق الوحش الصهيوني، لن يستطيع بلعها، وأما الاستقواء على أهل غزة الصامدين بالأجنبي فلن يفيد أولئك المتخاذلين، فحتى لو فعلوا أكثر من هذا فلن يرضى عنهم الصهاينة ومن ورائهم القابعون في البيت الأبيض. فهم بنظرهم بيادق يمكن استبدالها في الوقت المناسب. إن الشعوب العربية والإسلامية وحتى الأحرار في أوروبا وآسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية يقدمون اليوم مثالاً لكيفية دعم مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة. فهل نبقي غزة تئن أم أن الوقت قد حان للخروج من عباءة الذل إلى فضاء المقاومة والممانعة الواسع والفسيح والذي يترجم مع الزمن إلى عزة وحرية وتقدم. |
|