|
شؤون سياسية ولاتشذ عن هذه القاعدة حرب مقاومة العدوان الاسرائيلي على غزة. وتأتي في صدر التغيرات المرتقبة بعد عدوان « اسرائيل» على غزة المراجعة التلقائية، من جانب المعتدي الاسرائيلي، ومن جانب المعتدى عليه، للأداء العسكري والسياسي ابتغاء تحديد نقاط الضعف ، وتعيين مكامن القوة. وفي سياق مراجعة كهذه تبرز أهمية الفرز بين غث نافل وسمين يعتدبه في المفاهيم المنشئة لصنع القرار في شن العدوان، وكذلك في مقاومته. وإذا كان من شأن الاسرائيليين تشكيل لجنة تحقيق على غرار لجنة فينوغراد التي راجعت سيرورة عدوان 2006 على لبنان فإن الأوجب أن تنعقد مراجعة عربية وفلسطينية شاملة للتدقيق في المفاهيم التي كشفت المواجهة في غزة زيفها، ومن ثم للعض بالنواجذ على المفاهيم التي أثبتت وقائع المواجهة صوابها. أولا- مفهوم الشخصنة في صنع قرار العدوان: ثمة من قال :إن وحشية باراك في اقتراف جرائم الحرب في الهجوم على قطاع غزة تجد تفسيرها في قرب الانتخابات العامة (الكنيست الجديد)، على أساس أن الأشد تبجيلا لدى الناخب الاسرائيلي هو الأشد سفكا للدم العربي وفيه الفلسطيني. وهذه حسابات مجربة في المستوى السياسي الاسرائيلي. وباراك يتطلع إلى اكتساب سمعة كهذه، وإن تكن شائنة بمقياس ضوابط الشرعية الدولية لأن المهم لديه الفوز بمقاعد كافية في هذا الكنيست تؤهل حزبه، حزب العمل لقيادة حكومة لاتكابد التصدعات والارتباكات وتستند إلى غالبية مقاعد تعفيها من الارتهان لتحالفات مع الكتل الحزبية الصغيرة. ومرد الخطل في هذا المفهوم أنه يشخصن الجبلة العدوانية الاسرائيلية، الأصيلة وحدها في تركيبة الكيان الصهيوني، ويفسرها بظرفية طارئة كالانتخابات ، مفسحا المجال لنمو مفاهيم أشد زيفا ، كالوهم المتصل بالفرق المزعوم بين صهيوني وآخر، أو بين حزب وحزب لعلة انتفاء الحاجة إلى تصدر المستوى السياسي ، مع خطورة المنزلقات المترتبة على افتراض فرق كهذا في الموقف من الصراع العربي- الصهيوني، وهي المنزلقات التي قادت بعض العرب والفلسطينيين بخاصة ، إلى الرهان على إمكان إحداث اختراق في الصف الصهيوني محمول على فروق مفترضة، أثبتت الوقائع وهم افتراضها. ثانيا- مفهوم الالتزام بالاتفاقات الموقعة: أنحت مصر وسلطة رام الله باللائمة على حركة حماس في إنهاء التهدئة المتوافق عليها برعاية مصر 19/6/2008- 19/12/2008. وعلى الرغم من أن «اسرائيل» لم تسأل عن حصار غزة ولا عن الخرق المشهود لهذه التهدئة بالقتل المتواتر للمواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع معا، طيلة الأشهر الستة، فإن مصر حاججت ومن أعلى المستويات ، أن إعلان المقاومة إنهاء التهدئة، سيؤدي إلى هجوم اسرائيلي على قطاع غزة. هذا يستبطن التزاما من قبل «اسرائيل» بـ«اتفاق» التهدئة، شأن هذا الاستبطان المصري كشأن استبطان سلطة رام الله في دعوتها حماس إلى الالتزام بالشرعية الفلسطينية وبـ «الاتفاقات الموقعة» أي بما عقدته هذه السلطة من اتفاقات مع «اسرائيل». الراهنية في هذه الدعوة مبنية على وضعها شرطا أمام حماس لبلوغ الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهو شرط يستبطن، كما أسلفنا، التزام «اسرائيل» بهذه الاتفاقات الموقعة. وهذا بدوره ينفتح على سجل «اسرائيل» الحافل بالخرق المستديم للاتفاقات الموقعة مع الرسميات العربية ، ولضوابط الشرعية الدولية، وفيها اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 القاضية بعدم جواز المس بالمدنيين تحتال احتلال. إذ إن الثابت في السياسات الاسرائيلية هو تقديم ما يراه صناع القرار مصالح المشروع الصهيوني على أي التزام ممهوره بتوقيعهم. وقد عبر اسحق رابين عن هذه الرؤية بالقول: « ليس لدينا مواعيد مقدسة» مفسرا بذلك عدم التزام «اسرائيل» باتفاق أوسلو، وما تضمنه من مواعيد خاصة بالمناطق (أ. وب. وج) التي يتدرج فيها بسط سلطة رام الله بموجب الاتفاق الموقع وهي التقسيمات التي صارت بددا ونسيا منسيا بواقعة الجدار العازل وديمومة بسط سلطة الاحتلال وحده!. وفي شأن فتح معبر رفح، فإن المحاججة المصرية أن الاحتلال الاسرائيلي هو السلطة الواقعية على الأرض، إنما هي نزول عند الانتهاك الاسرائيلي المتصل لاتفاقية جنيف الرابعة، وتسليم به لا يلحظ تحلل « اسرائيل» من مسؤوليتها كسلطة احتلال منذ انكفاء شارون من قطاع غزة 2005 وتفكيك المستعمرات فيه. والحال عن أي « وحدة وطنية» تشترط على المقاومة الاعتراف بـ«الاتفاقات المواقعة» ونبذ الحق في مقاومة الاحتلال؟! ثالثا: مفهوم «اسرائيل » الكلية القدرة: هل « اسرائيل» كلية قدرة؟ وتاليا لاتقاوم ولاتهزم؟ ثمة إجابتان عند بعض العرب، وفيهم بعض الفلسطينيين. إحدى الإجابتين الإقرار بأن «اسرائيل» متفوقة عسكريا على العرب مجتمعين، بحكم استراتيجية أميركية ممتدة منذ التصريح الثلاثي 1950 الذي أصدرته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة نفسها، وتعهدت فيه الدول الثلاث بالضمان المسلح لتفوق «اسرائيل» ما فتح الترسانة العسكرية الأميركية بخاصة على مصراعيها أمام متطلبات السلاح الاسرائيلي. أما الإجابة الثانية، فهي أن « اسرائيل» قوة عسكرية تخضع، كسائر القوى عبر التاريخ، لناموس محدودية القوة العسكرية في حسم صراع طويل الأمد كالصراع العربي- الصهيوني. وقد أسس مفهوم الإقرار بـ« اسرائيل» كلية قدرة لحراك سياسي يبحث عن المخارج بتلبية مطلبها في الاعتراف بـ« شرعية» وجودها منذ 1948 وبالامتثال لهدفها الاستراتيجي في أن تصير جزءا من نسيج المنطقة السياسي. أما ذوو الإجابة الثانية فقد قرؤوا معطيات الصراع العربي- الصهيوني كما هي في الواقع، قراءة من دون تهوين أو تهويل وعلى أساس أن التفوق العسكري الاسرائيلي ليس المعطى الحاسم في هذا الصراع طويل الأمد، الذي تبرز فيه كذلك عوامل قوة في الخندق العربي، وعوامل ضعف في جانب « اسرائيل» في الإمكان معايشتها درءا للتهويل. وقد ترتبت على الإجابتين المتباينتين سياستان متضادتان. فانسحب عرب الإقرار بـ « اسرائيل» كلية قدرة من المسؤولية القومية حيال موجبات كون اغتصاب فلسطين قضية مركزية للأمة. بما في ذلك استبعاد أولوية ردم الفجوة بين قوة الأمة وقوة العدو من أجندتهم، ونسجوا صداقة مع صديق العدو . أما عرب القراءة الواقعية للتفوق العسكري الاسرائيلي ولخطورة المشروع الصهيوني على العرب قاطبة فقد حملوا الرسالة في التعبئة وحشد ما يمكن حشده، وهم يعضون على الجراح لرؤية « أشقاء» لهم يخرجون أنفسهم من معركة المصير. وعلى الرغم من البرهنة في ميدان القتال على أن « اسرائيل» ليست كلية قدرة، في حرب 1973 وفي العام 2000 و2006 وفي وقائع الانتفاضة الوطنية الفلسطينية، وصولا إلى وقائع التصدي للعدوان على غزة فإن اعتقاد بعض العرب وفيهم بعض الفلسطينيين، بأنها لاتهزم إنما يضيف قوة إلى قوتها، مخصومة من قوة عرب الصمود والمواجهة . وهذا معطى تراجيدي لامناص، بعد صمود غزة من الانقلاب Siwan@scs ">عليه. Siwan@scs -net. org |
|