تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متــــــــى..؟

آراء
الأثنين 12-1-2009م
جلال خير بك

لقد قامت الدنيا وما قعدت..وملأت التظاهرات شوارع العالم والشوارع العربية منددة بالمجازر الصهيونية التي ترتكب في غزة الصامدة، والعرب يتفرجون على ما يجري بدم بارد وكأن ذلك لا يعني الكثير من حكامهم.

لكن غزة ما زالت عصية على الاجتياح، فعند مواجهة المصير والوجود والموت تصبح الدنيا بما فيها بضعة من متاع بسيط يصعب التفكير فيه، وتغدو الحياة وقفة عز لا يعادلها وجود أو مآل، بل تضحية بالذات و«الأنا» فداء للوجود والحاضر والآتي «المستقبل».‏

ولقد كان لضمير الأمة المقاوم أصوات كثيرة لا تعد وفي طليعتها الأدب المقاوم وبشكل خاص الشعر المقاوم، منذ أن أفل نجم هذه الأمة وانحسرت الرايات التي حملتها إلى بلدان العالم، الرايات والنور الذي شع من ذاتها وأضاء سماوات البشرية بألق الحضارة ووهجها.‏

وعلى سعة الدنيا بطولها وعرضهاكان لهذه الأمة دور حضاري رائع وخلاق، رسم فيما رسم الإنسان العظيم: توهج الذات الإنسانية ومقدرتها الرائعة وهي تتجاوز هامشية الحياة فترتقي إلى الدور القيادي والطليعي وتقول للغد المشرق ها أنذا عرضة لأنيابهم حين كنت أعلمهم أن الإنسان يسمو ويرتفع عن غريزة الحيوان التي تفتك الآن بأطفالي الصغار فيسقطون أشلاء تحت الأنقاض أو بالشظايا الغادرة.‏

بنفسي أنت، أيها الصابر في غزة وهو يلم أشلاء أطفاله الشهداء ويعرضها على شاشات التلفزة ويقول: هذه قلوبنا لا تزال تنبض بالمضي والشهادة وتنذر الأيدي الفاجرة بغد النصر الآتي..وهو حتماً آت، فالأمم التي لا تموت تواجه وتصادم شراذم الوحوش التي تقطر أنيابها من دماء الأبرياء.‏

الله معكم وقوبنا معكم أيها الذين تواجهون في غزة صمت الأهل وعسف اللحظة الغادرة..الأهل الذين نسوا جلدهم ودماءهم، وناموا على فراش وثير من بغايا وشراب وقالوا للصوت الآتي من شهداء أهلهم: نحن صامتون لأننا نفكر عنكم بالسلام.‏

هذا زمان آخر الزمان الذي يقتل فيه صوت الابداع والقصيدة ليحل محلها العطش إلى الدماء والعودة إلى عصر البهيمية المتوحشة..فلا الابداع على روعته استطاع عبر التاريخ أن يستأصل تلك الوحشية من نفوس القتلة ولا استطاع بالتالي أن يغير هذا العالم ليحقق الحلم المنشود حيث تسمو الروح الإنسانية وتتعالى عن هذه الصغائر المجرمة.‏

في أرض فلسطين التي تتباكى عليها الدول الغربية بدأت المأساة، وكان فرسانها ساسة تلك الدول حيث مزقت الوطن الواحد إلى دول عديدة، وأعطت لشذاذ الآفاق وطناً بالقوة فلملمتهم من الأصقاع كافة وجاءت بهم وتحت حراستها لتبدأ في أرضنا فصول القتل والدمار والتشريد.‏

إنه عصر المال أيها السادة..عصر تحكم الدول المتحضرة بالدنيا وشعوبها لتمتص دماءها وخيرات بلادها، وتفتك بأهلها إن ترك الجوع من يفتك بهم.‏

وحين قيل إن الإنسان السلبي أكبر وحش في الدنيا لم يكن هذا يجانب الحقيقة، فالآلاف الذين يموتون جوعاً في السنة هم ضحايا تلك الحضارة التي تمارسها الدول الرأسمالية، إذ تلقي في البحار والمحيطات مئات الأطنان من الأقماح حتى لا تتأثر شركتها المتسلطة بانخفاض الأسعار..إنهم يلقونها هباء ولا يطعمونها للجياع الذين صاروا إلى ما صاروا إليه بفضل نهب ثروات بلادهم وبفضل اقتتال أولئك اللصوص النهابون ببعضهم وبمصالحهم فيحدثون لنا رأس حربة لهم وقاعدة لفتكهم دون أن يتحرك فيهم حس إنساني أو بقية من ضمير.‏

لحساب من يتناثر هذا الكم من أشلاء أطفال ونساء وشيوخ غزة؟ هل هو تسديد لضريبة الحضارة؟ هل هو عنوان لسمو الخلق الإنساني؟‏

إن أشد الأمور غرابة أن يساوي سادة العالم الحر بين القاتل والضحية فتأتينا أصوات من الإدارة الأميركية البائدة تطالب بحنان وحزم! بحق الصهاينة بالأمان في وطنهم؟ إنهم لا يسلبون فقط أرضنا ويقتلون ويشردون أهلنا ويزرعون مكانهم حثالة العالم، بل يقولون وطنهم أيضاً، فمتى الصحوة ومتى الاستيقاظ من هذا الخدر الأبدي؟ بل لعله الحلم بوقفة عربية موحدة تعيد لنا كرامتنا وتبقي على ما تبقى منها؟ حفاظاً على كرامة الأمة التي ينتمون إليها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية