|
محطة فالحقائق، التي تجلت بوضوح في هذه الحرب الهمجية، يمكن تلخيصها بمايلي: أولاً: ان شعباً صغير الحجم، محاصراً منذ سنوات من كل الاتجاهات تقريباً، محصوراً في بقعة جغرافية سهلية ضيقة، خالية من التضاريس والعوائق الطبيعية والغابات وأي عناصر مساعدة لحرب الأنصار، لكنه يملك الارادة والكرامة والعزم على المقاومة.. بإمكانه التصدي لأكبر قوة عسكرية متطورة، وإرغامها على الالتحام المباشر مع فصائل المقاومة ذات الجهوزية القتالية والمعنوية العالية، وتكبيده خسائر كبيرة، وإدخال الرعب والهلع في نفوس قواته الغازية المعتدية. ثانياً: ان التصدي للعدو الصهيوني وإلحاق الهزيمة به أمرٌ ممكنٌ، وإن التلاحم العضوي الكامل بين الأهلين وأبنائهم المقاومين يعظّم إمكانية الصمود الطويل وتحقيق انتصارات على الغزاة في جولات عديدة، وصولاً إلى إرغامه على التراجع والانكفاء والتقهقر، دون أن يتمكن من تحقيق أهدافه ومخططاته العدوانية. ثالثاً: يشكل الاعتماد على الذات والموارد المحلية والاستثمار الأقصى والابداعي للقدرات المتوافرة عاملاً استراتيجياً عظيماً لشعب قرر التصدي لجيش جبّار، يفتقد الإرادة وليس أفراده على استعداد لطلب الموت والشهادة، لأنهم لا يملكون الدافعية النفسية للقتال ولا الإيمان بعقيدة الاستشهاد، التي تتسم بحساسية شديدة الخصوصية والتلقائية المتجذرة لدى المقاومين في غزة البطلة. رابعاً: إن الشعب العربي كله (من المحيط إلى الخليج) يقف بقوة ويعبّر بأشكال مختلفة عن دعمه المادي والمعنوي للمقاومة الباسلة، ولأي قوة تتصدى للكيان الصهيوني العنصري، بصرف النظر عن القرب أو البعد الجغرافي من فلسطين المحتلة، دون النظر إلى موقف السلطات السياسية والحكومات من هذا الكيان ومدى العلاقات معه، بل ان الجماهير العربية، الموجودة في بلدان تقيم علاقات رسمية (سياسية أو أمنية أو اقتصادية) مع «إسرائيل» هي الأكثر تحمساً وتعاطفاً وتأييداً للمقاومة، وأشد عدائية ورفضاً للكيان الصهيوني وإدانة للتعامل معه. خامساً: القضية الفلسطينية كانت على مدى ستين عاماً وستبقى هي العامل الأعظم لجمع العرب وتضامنهم الحقيقي، وبالمقابل تشكل هذه القضية الجوهرية العنوان الأكبر والأساسي والمعيار الحقيقي لوطنية وقومية ومصداقية أي نظام رسمي في أي قطر عربي. أما الأوهام والأضاليل ، التي تكشفت في سياق هذا العدوان الخطير، فأهمها: أولاً: ان بناء توقعات كبيرة على النظام الرسمي العربي وعلى مجلس الأمن الدولي ليس جدياً ومثمراً، ولا ينتج عن هذا المنحى سوى الخيبات. وقد خبرت أمتنا ومعها أمم وشعوب عديدة مدى خطل ذلك. ويشكل مجلس الأمن الدولي المثال الأسطع والأسوأ في هذا المجال، حيث لم يصدر عنه مواقف عملية وفاعلة، إلا في حالات معدودة واستثنائية، وعندما كانت للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة كبيرة في ذلك. ثانياً: لقد فضحت هذه المحرقة الجماعية طبيعة وأهداف وسائل الإعلام المتصهينة، وذلك النفر المتآمر على أمته، الكاره لعزّتها ومقاومتها، الذي جُنّد من أجل الإساءة المتعمدة للمقاومة وروح الصمود، مرة باسم «التحليل الموضوعي»، ومرة تحت عنوان البكاء على الأطفال والنساء والمدنيين، وأخرى للتشكيك في قدرة المقاومة بأسلحتها البسيطة وتجهيزاتها المتواضعة.. على التصدي للآلة العسكرية الصهيونية الفتاكة، وصولاً الى الجزم بأنه ليس أمام العرب إلا الاستسلام لـ «إسرائيل» والقوى العالمية الكبرى التي تدعمها وتساندها في كل شيء. وقد أفشلت الوحدة النضالية- الميدانية لأجنحة المقاومة الفلسطينية المسلحة المحاولات المحمومة للعدو ومن والاه لبث الفرقة وتعميق الخلافات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، بل برهنت المقاومة على وعي وطني عالٍ ويقظة سياسية عظيمة في مواجهة الحرب النفسية للعدو وعملائه وأساليبهم الخبيثة المكشوفة منها والمموهة. ثالثاً: إن «إسرائيل»، التي قامت بالمجازر وإرادة الاستعمار الغربي ودعم القوى الكبرى، وهشاشة النظام الرسمي العربي ،وتفككه وعدم استقلالية قراراته، وافتقاره إلى التلاحم والتآزر والتخطيط الاستراتيجي، لم تدرك أن الزمن لا يعمل لمصلحتها، حيث إن الشعب العربي أصبح أكثر يقظة وجرأة في الضغط على حكوماته، وأشد استعداداً لأخذ زمام المبادرة، وإن الأجيال العربية الشابة لا تقلّ تمسكاً بفلسطين والحقوق العربية المغتصبة عن الآباء والأجداد، وأنها توظف في سبيل ذلك معارفها العلمية العصرية والأساليب الإعلامية المتقدمة والمتعددة، وفي مقدمتها الإعلام الالكتروني وشبكات الاتصال الرقمي وغير ذلك من وسائط متطورة وفعّالة في أيامنا هذه. رابعاً: يخطئ بعض الأشقاء حين يتجاهلون استغلال الصهاينة لأي خلافات وشقاقات عربية لمصلحة إسرائيل وعملها لتفكيك العرب وضرب تضامنهم، عبر استمالة بعضهم، والتصريح أوالإيحاء بوجود مخططات مشتركة معهم، بغية تأليب القسم الآخر عليهم، وفي الوقت نفسه دفع هؤلاء إلى مزيد من الافتراق مع أولئك. خامساً: الاتفاقيات المعقودة بين بعض الأطراف العربية والكيان الصهيوني لا تشكل ضمانة فعلية لعدم الاعتداء والتآمر والتجسس من جانب هذا الكيان، وهو يستغل تلك الاتفاقيات والمعاهدات والعلاقات أسوأ استغلال، ولا يهمه مدى الإحراج أو الإساءات أو حتى الإهانات، التي يلحقها في سلوكه العنصري المتعجرف والعدواني بأصدقائه وحلفائه والأطراف المتعاملة معه. فهل ندرك جميعاً هذه الحقائق الساطعة ونعي جوهر ما يجري، أم أن ذلك يتطلب سنوات أخرى ومجازر صهيونية جديدة في هذه البقعة العربية أو تلك؟!!. kh-aljarad@hotmail.com |
|