تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أميركا وقطر.....التاريخ للدروس والعِبر

شؤون سياسية
الخميس 2-2-2012
د. شاهر الشاهر 

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ظهر على المسرح السياسي الدولي تنظيم دولي جامع تمثل بالأمم المتحدة، حيث ضم جميع الدول على اختلاف درجة تقدمها وتحضرها، وهدف بشكل أساسي إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتحقيق التعاون وتنمية العلاقات الودية بين الدول.

إن استقراء ميثاق المنظمة الدولية بشكل متأنٍ، يفيد أن الميثاق قد شدد على كبح أي تصرف أو سلوك عدائي من دولة ما تجاه دولة أخرى عضو في المنظمة الدولية، وتغاضى إلى حد ما عن سلوك الدول تجاه رعاياها، وليس أدل على ذلك ما جاء في بند المبادئ: “لا يخول للأمم المتحدة أن تتدخل في أمور هي من صميم الشؤون الداخلية لأي دولة من الدول إلا إذا كانت تعمل وفقاً للفصل السابع المتصل بقمع العدوان أو الحيلولة دون وقوعه أو التهديد به”.‏

إن هذا التشدد تجاه ما يصدر عن الدول نحو الخارج والليونة تجاه ما يصدر عن الدول باتجاه رعاياها في الداخل يبدو أمراً مفهوماً، ويتسق في الحقيقة مع واقع الحال المتشكل قبل إنشاء المنظمة الدولية عقب الحرب العالمية الثانية، فالحرب العالمية الثانية وقبلها الحرب العالمية الأولى وما سبقهما من حروب كانت الدول أو سلوك الدول تجاه بعضها البعض هو المسبب، وبالتالي وجب أن يشدد الميثاق على تلك النقطة.‏

بعد انتهاء الحرب الباردة التي سيطرت على تفاعلات النظام الدولي طيلة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وجدت أمريكا أن قضية حقوق الإنسان المسكوت عنها في الميثاق يمكن استخدامها في تدخلاتها الخارجية لتحقيق مكاسب سياسية، تترجمها في حال نجاحها إلى نصوص قانونية تلحق بالميثاق بصيغة من الصيغ.‏

وكان الساسة والمفكرون الأمريكيون يروجون للفكرة الآنفة الذكر اعتماداً على مجموعة من الحجج:‏

1- إن المنتصر في أي حرب يجب أن يعكس الانتصار في البنية القانونية للتنظيم الدولي الجديد المتشكل بعد انتهاء حالة الحرب، فالولايات المتحدة انتصرت والاتحاد السوفياتي خسر الحرب، ولازال الميثاق يعطي لكلا الطرفين حق استخدام النقض(الفيتو).‏

2- إن مسألة حقوق الإنسان لم تعد خاضعة لسلطان الدول المطلق، بل المجتمع الدولي يجب أن يتدخل في بعض الحالات، لأن انتهاك حقوق الإنسان في دولة ما قد يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.‏

3- يجوز أن يتم التدخل بتفويض من المنظمة الدولية، أو من دون تفويض وخصوصاً إذا استخدم حق النقض الفيتو.‏

وعلى هذا الأساس ابتدأت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من التدخلات تحت اسم «الإنسانية» ، لعل أبرزها التدخل من دون الرجوع إلى المنظمة الدولية في كوسوفو، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع تكريس ذلك المسعى، وباءت المحاولات المتكررة بالفشل.‏

جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 لتشن الولايات المتحدة الأمريكية حربها المسعورة على معقل تنظيم القاعدة في أفغانستان، واتبعت تلك الحرب بحرب أكثر فشلاً في العراق بحجة التخلص من الديكتاتورية وإقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.‏

لم تكن نتائج المحطة الثانية للولايات المتحدة الأمريكية بأحسن حال من نتائج المحطة الأولى التي أعقبت الحرب الباردة، بل كانت أكثر كارثية وخصوصاً في مناطق التدخل أفغانستان والعراق.‏

وفي سبيل التخلص من المأزق طرحت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير لدمقرطة النظم السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن خوف الولايات المتحدة على مصالحها الحيوية في المنطقة، جعلها تتراجع تدريجياً عن هذا الطرح، على اعتبار أن مصالحها يمثلها رأس الأنظمة، واكتفت باستخدام المطالبة بالديمقراطية لانتزاع تنازلات من الأنظمة الشرق أوسطية بين الفينة والأخرى.‏

في إطار هذا المسلسل من الفشل اندلعت الاحتجاجات بتونس وتبعتها في مصر، وقد فاجأت الغرب عموماً وأمريكا، ولم يكن بالمقدور سوى إبداء مواقف تبدو في ظاهر الحال تتماهى مع المطالب الشعبية في الحالتين.‏

وسوف أتجاوز الحالة الليبية لشدة وضوح الأهداف التي جعلت الغرب يسارع إلى شن حرب عسكرية في ليبيا بحجة حماية المدنيين من نظام القذافي وكتائبه.‏

أما في الحالة السورية فقد سارعت الولايات المتحدة والغرب إلى تضخيم الأمور مستغلة بذلك الإمكانات الإعلامية الضخمة التي تمتلكها أدواتها في المنطقة(قطر والسعودية)، وهكذا أخذت قناتا الجزيرة و العربية بعملية تضليل وتجييش للرأي العام العربي والعالمي ضد سورية .‏

وكان لابد أن يتوازى مع التضليل الإعلامي تضليل سياسي تقوده ذات الأدوات، وقامت قطر إنفاذاً لما هو مخطط بإزاحة فلسطين عن رئاسة اجتماعات الجامعة العربية لتحل محلها ويسهل عليها تنفيذ المخطط، فعملت في البداية على تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة، وتطرح مبادرة تنفذها بالتدريج، من خلال إرسال مراقبين يصورون الوضع في سورية بأنه على حافة الهاوية، غير أن التحرك السوري وعدم قبول التوقيع على بروتوكول المراقبين كما كان مخططاً إلا وفق الشروط السورية، قد غير الموازين رأساً على عقب، وعندما لم تر قطر أن التقرير سيخدم مراميها والولايات المتحدة بادرت إلى استباق التقرير بمبادرة لم تكن أساساً كذلك.‏

عندما طرحت المبادرة العربية_والتي لم توافق عليها أساساً سورية_ وضح من بندها الأخير أن الجامعة سوف تمهد الطريق لمفاوضات بين الحكومة والمعارضة في سبيل الخروج من الأزمة، غير أن قطر أخذت وجهة نظر المعارضة ووضعتها وكأنها حصيلة التفاوض بين الطرفين، واتجهت بها إلى مجلس الأمن حتى تكسبها صيغة تأييد دولية واسعة.‏

بعد الانتهاء من توصيف تلك المرحلة أجد أمامي مجموعة من المشابهات لابد من ذكرها قبل الوصول إلى الاستنتاجات، إن الولايات المتحدة عملت على إجهاض مفاوضات رامبوييه، التي كان من شأنه تسوية جوهر الصراع في إقليم كوسوفو، وبادرت إلى ضرب يوغسلافيا ، ذات الشيء نراه في الحالة السورية فقطر استبقت تقرير لجنة المراقبين العرب، وأعلنت أن الجامعة تتبنى المبادرة العربية لتسوية الأزمة في سورية.‏

كما لم تحصل الولايات المتحدة والدول الأوروبية على تفويض من مجلس الأمن صاحب القرار في هكذا شأن في الحالة اليوغسلافية، في حين أن قطر استخدمت الجامعة العربية لتمرير ما يسمى مبادرة جامعة الدول العربية، وكأن الولايات المتحدة لا تريد أن تكرر تجربة اثبت الواقع عدم صحتها.‏

في النهاية، نقول لقطر بأن قاطرتك الأمريكية فشلت في كل محاولة للخروج خارج الشرعة الدولية، والفشل سوف يكون حليفك في تزييف دور الجامعة العربية، وسوف ترجع الجامعة إلى لعب دورها الحقيقي، بعد أن تكتشف أن قطر مأمورة من الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة فشلت في تحقيق ما كانت تصبو إليه بعد الحرب الباردة وروسيا كانت في أضعف حالتها، أما اليوم فروسيا تستعيد مكانتها على الخارطة السياسية الدولية.‏

 جامعة دمشق- كلية العلوم السياسية‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية