تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجامعة العربية ونظرية الهروب إلى الأمام !!

شؤون سياسية
الخميس 2-2-2012
محمد عبد الكريم مصطفى

إن الجماهير على امتداد الساحة العربية التي تؤمن بالعروبة كحقيقة حية ، وبحتمية وحدة التاريخ والمصير للعرب ، لديها ثقة تامة وقناعة راسخة بأن إنشاء الجامعة العربية بعد الحرب العالمية الثانية ،

لم يأت تنفيذاً لطموحاتها في إعادة بناء دولة موحدة قوية ولم شمل الأمة التي شتتها الاستعمار الأوروبي باتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة قبل مغادرته المنطقة ، بل على العكس تماماً كان إيجاد الجامعة العربية بهذه الهيكلية الهشة محاولة التفافية خبيثة قام بها الاستعمار الغربي لإخماد مشاعر التوحد التي كانت في ذروتها لدى الجماهير العربية المنتشية بالنصر والاستقلال ، وقد بارك هذا الوليد المنغولي أمراء وملوك العرب الذين كانوا يرون في أي عملية وحدوية للعرب ضرباً لاستمرار مشروعهم التخاذلي ودورهم الخياني المرسوم لهم من قبل دول الغرب الاستعماري ، في خدمة المشروع الصهيوني ودولته الوليدة في فلسطين المحتلة !‏

لذلك ليس مستغرباً ما يصدر عن الجامعة العربية في هذه الأيام ضد الشعب السوري وقيادته التي تقف بقوة إلى جانب المقاومات العربية التي تعمل على تحرير الأراضي المحتلة وتواجه المؤامرات الخارجية بكل أنواعها ، وإن دفع الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي بقرار من مجلس وزراء الخارجية العرب ، والطلب من المجتمع الدولي التدخل في الشؤون الداخلية السورية ، ما هو إلا خطوة انهزامية جديدة بعد قرار تعليق عضوية سورية في الجامعة ، وتنصل الجامعة من المسؤوليات الواجبة على عاتقها والهروب إلى الأمام والقفز فوق الحقيقة التي عبر عنها تقرير بعثة المراقبين العرب بكل وضوح، وإعطاء الضوء الأخضر للمجموعات الإرهابية المدعومة من شيوخ البترو دولار لتصعيد عملياتها الإجرامية بحق الشعب السوري وقوات الجيش وحفظ النظام تنفيذاً لأخطر حلقة من حلقات الأجندة الأميركية المرسومة سلفاً لتدمير آخر قلعة عربية صامدة والقضاء على مكامن القوة والمنعة عند العرب التي تُشكلها سورية ، بـأيدي عملاء إسرائيل في الجامعة التي يصحُّ عليها تسمية « العبرية » بوجهها الجديد بعد أن تحولت إلى مطية لضرب الدول العربية وتخريبها وقد أتى الدور الآن على سورية الدولة الصامدة في وجه إعصار الفوضى الخلاقة وخطط الامبريالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المعسكر الغربي للسيطرة على المنطقة وتحويلها إلى ألعوبة بيد الكيان الصهيوني .‏

ولسوء حظ أعداء سورية من الأعراب وأسيادهم في الغرب الاستعماري أن الموقف الدولي لم يعد موحداً تجاه القضايا العالمية ، في ظل المتغيرات الجديدة الحاصلة في العالم والتي كانت نتيجة طبيعية لسياسات الظلم والاستبداد التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المعسكر الغربي ، وفرض هيمنتها على المنظمات الدولية وإخراجها عن دورها الأخلاقي والإنساني التي تحدده المواثيق والقوانين الدولية، و تجاهل حاجات ومصالح الشعوب والدول وخاصة الفقيرة منها ، مستخدمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كمطية لتحقيق سياسات استعمارية جديدة أدت إلى كوارث على الإنسانية في جميع المناطق التي وصلت إليها اليد الأميركية ، وقد أدت هذه السياسات أحادية الجانب إلى إفقار العديد من دول العالم وأدت إلى اجتياح الأزمات الاقتصادية الكبرى لأغلب المناطق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية ، في الوقت الذي تنامى فيه حلف» شنغهاي « كقوة دولية اقتصادية وعسكرية فاعلة تدعو إلى رفض سياسة الهيمنة الأحادية الظالمة، وبالتالي ضرورة تجريد الولايات المتحدة الأميركية من موقع القيادة الأحادية للعالم .‏

لذلك نرى في سورية أن الموقف الروسي والصيني الصلب في مواجهة الضغوط على سورية ومنع إدانتها في مجلس الأمن ، ينبع من اتجاهين : الأول وصول تلك الدول إلى قناعة أن ما يحصل هو ليس في مصلحة الشعب السوري وشعوب الدول المجاورة له ، والثاني هو استجابة أخلاقية نبيلة لإعادة المنظمة الدولية إلى رشدها ودورها الإنساني الحقيقي الذي تنادي به شعوب العالم قاطبة ، بعيداً عن مصالح الدول الكبرى الاستعمارية .‏

إن سورية بثالوثها المقدس ( شعباً وجيشاً وقائداً ) ستنتصر بقوة على المؤامرة ، وستُثبت للعالم من جديد إنها إضافة إلى كونها عامل توازن واستقرار للمنطقة نتيجة سياستها الحكيمة ، ستكون كذلك التجربة الرائدة في الإصلاح والتطوير الذي يسعى إليه أي شعب من شعوب العالم المتحضر .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية