تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رغباتنــــا

الملحق الثقافي
10/2/2009م
ابراهيم محمود

ينشدُّ الإنسان إلى رغباته، بقدر ما يكون نتاجها أحياناً، ونحن نعاين فيه ما يقوله ويفعله!

ليس من قول أو فعل،‏

إلا ويرتكز إلى فاعل رغبة: الرغبة في، أو الرغبة عن، وفي الحالتين، فنحن لسان المجموع الكبير لرغباتنا، فيما نحس ونشعر أو نتفكر، أو نقيم صلة بين الحسي والمجرد، بنسَب مختلفة.‏

إن رغباتنا ترفع من شأننا، بقدر ما أنها تهبط بنا، أو تقلل من قيمتنا.‏

وفي الوقت ذاته، لا يمكن لأيٍٍّ منا، أن يحدد ما يريد، وساعةَ يريد، دون وجود رغبة ما.‏

الناس متفاوتون، متقاربون، متباعدون، محكومون برغباتهم إذاً! هل يمكن ذلك ؟‏

كثيراً ما يجري الحديث عن الرغبة، كما لو أنها خاتم الجنّي( شبيك لبيك، عبدك بين إيديك)،وهنا مكمن الخطأ القاتل، وفي الوقت ذاته، ما هو مفهوم بصورة خاطئة عن الرغبة وآلية العمل بموجبها. إذ يكون الأشخاص مختلفين عن بعضهم بعضاً، من خلال تلك الإرادات التي تميزهم ، وعلى أعلى مستوى. إن رغبة ما في تأكيد الذات، سرعان ما تجد تعريفاً مباشراً بحقيقتها: أصولاً وطريقة تعبير ومسار تنفيذ وتحديد قيمة..الخ، وسرعان ما تشكل فاعل وشاية صريحة بصاحبها، حيث الرغبات تمائم الإرادات، واجهاتها لحظة مكاشفة ما، عمَّا يقوله أحدنا أو يقوم به. وعلى هذا الأساس، يكون المغامر والجسوروالحريص على طهارته الروحية والمبدع والمتفاني في سبيل مبدأ سام ٍ، والعظيم بأفعاله أو أقواله...الخ، ممثلي رغبات مختلفة.‏

إن أرسطو ذات يوم كان يقول بأن رغباتنا لا نهاية لها، وأن لا بد من عقلنة الرغبة، فثمة رغبات مستحيلة، إذ إن أحدهم قد يرغب في القمر، ولا يستطيع بلوغه وقتذاك( في زماننا، من منا لا يرغب في أن يكون دائم الاحتفاظ بقوته الشبابية وبتلك المكانة التي تجعله مالىء الدنيا وشاغل الناس؟)، وهذه رغبات تدخل في خانة الاستحالة. لكن ثمة رغبات تصدم الآخرين باعتبارها مستحيلة من وجهة نظرهم، فإذا بها قابلة للتحقيق، كما في الطموح، ووفق ظروف، يكون للذات الدور المؤثر فيها، بحيث تكون المباغتة حالة من حالات اللاتوقع،ومثار إعجاب الآخرين!‏

في ضوء ذلك، يمكن أن نكتب تاريخ الرغبة، كيف بدأت مع الإنسان، وكيف تميز بها، وكيف تنوعت، فنحن عندما نكون مشدودين إلى رغباتنا، فلأننا موجودون بها، ولكن لوائح الرغبات المتنوعة والهائلة الكثرة، وهي تجمع بين اللحظي أو العابر والدائم، بين الهامشي والجوهري، هي التي تقلق المعنيين بها، مثلما أنها تضفي على وجودها نوعاً من العبثية وحتى الفوضى الفارطة، ولكنها الفوضى الناجمة عن الثقافة القائمة ومن يعمل باسمها، ومن يروّج لها قيمياً، وكيفية رسم حدود الرغبات، من خلال التربية الذاتية أو المجتمعية، أوبهما معاً، وفي المجتمعات المشهود لها بالتفاوت، يمكن الوصول إلى الذين اكتسبوا شهرة اسمية في حقول حياتية مختلفة، في السياسة والثقافة والاجتماع، باعتبارهم أدركوا نوعية القوة الذاتية فيهم، وأخضعوا رغباتهم لحركية القوة هذه، ليكونوا فيما بعد مضرب المثل عند الآخرين.‏

وما عبارة( اعرف نفسك)، إلا الترجمان العملي لـ(اعرف رغبتك)، وكذلك فإن عبارة( نعم امرىء عرف حدَّه فوقف عنده)، فالحدود هي ما هي عليه رغباتنا، في مبتداها ومنتهاها نسبياً!‏

وفي السياق هذا، يكون في وسع أي بحاثة اجتماعي، أن يمارس استطلاعاً ميدانياً، وفي أي وسط وظيفي، أو علمي أو فني..الخ، لمقاربة طبيعة الرغبات التي على أساسها يتواصل الناس مع بعضهم بعضاً، وما الذي يضع حدوداً بين شخص وآخر، وصفة كل منهما اجتماعياً وثقافياً، وخصوصاً في عالم اليوم، كون الحدود باتت اصطلاحية كثيراً، في مضمارها الجغرافي، أي أن الرغبات اكتسبت طابعاً من العولمة من خلال مستجداتها، فزادت غموضاً وإثارة في الوقت نفسه، وما علينا سوى أن نمعن النظر، وبالمزيد من الدقة المرافقة فيها، لنحسن التعامل معها أكثر!‏

وربما من هذا المطلق، يمكنني القول: قل لي ما هي رغبتك، أقل لك من أنت!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية