|
الملحق الثقافي وقد كان سارسي كبير النقادين في القرن التاسع عشر بعد سنت بوف يكتب في جريدة “الطان”..... كنا نقرأ نقد سارسي بلذة كبيرة، فلما توفي أصبحنا نقرأ المسيو إميل فاكيه في جريدة “الديبا” وهو من الرجال الأكاديمي وأشهر النقدة الفرنسويين اليوم). المقطع السابق مقتطف من مقالة للتنويري فرح أنطون عن “فن الرواية”، نشرت في القاهرة مجلة الجامعة عام 1906، يفصلنا عنها ما يزيد عن قرن. بعده بربع قرن في لندن، حسب سيرة حياة فرجينيا وولف، كانت كلما أصدرت رواية جديدة، تنتظر بقلب واجف صباح الأحد لكي تقرأ ماذا سيكتب عنها الناقد الأدبي للصاندى تايمز، مع أنه من المفترض ألا تعاني من هذا الرهاب، إذ كانت تكتب مراجعات وعروض كتب في الغارديان الصحيفة الأسبوعية، والملحق الأدبي لجريدة التايمز. على الرغم من مرور الزمن، مازال هذا النهج متبعاً في الصفحات الثقافية الأوربية والغربية عموماً، أي وجود ناقد واحد على الأقل في الجرائد اليومية يكتب نقداً أدبياً أسبوعياً عن كتاب في الرواية أو الشعر وغيره. النقد المنهجي مطلوب ومقروء، وأعتقد أن الكاتب، أي كاتب، يهمه الإطلاع على رد الفعل الأولي الذي أحدثه كتابه، خاصة إذا كان الناقد معروفاً بالكفاءة وعدم التحيز أو المحاباة. للأسف لدينا، لا يوجد ناقد أدبي واحد يعمل في هيئة تحرير الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات الرسمية والخاصة، بل ولا نذيع سراً عندما نقول، إن ما نقرأه في هذه الصفحات عبارة عن نقد يتطوع فيه الكاتب بتقييم جزافي للعمل، فهو لا يمتلك الكفاءة النقدية، ولا ندري ولا هو يدري، ماهو المعيار الذي استند إليه، والأسوأ ألا يكون هناك معيار أصلاً، اللهم إلا “المخاجلة”، أو المنفعة المتبادلة، إن لم يكن المزاج وما يعتريه من تشوهات النفس البشرية كالغيرة والحسد والحقد... فيرتبط مدح الكتب وقدحها بأمور لا علاقة له بالكتب نفسها، وتبلغ الجرأة بالبعض إلى إلقاء أحكام قطعية بهدف القضاء على الكاتب والكتاب معاً، أو إعلاء شأنهما بأساليب لا يُخفى نفاقها ولا رياؤها، عدا تعالمها المفرط والمقيت، عندما تكيل مديحاً بلا حدود، أو تلصق بالكتاب وبمنتهى الثقة ارتكاب مخالفات قوية دون تبيانها، أي بلا مبررات أو حيثيات أدبية، بالاستعانة ببعض الخزعبلات والتلفيقات الدارجة، وهي صنعة بات هناك من يتقنها. فنقرأ آراء متحيزة على مستوى اتهام الرواية بالايدولوجيا، أو أنها تعيد كتابة التاريخ، أو محاسبتها على عدد صفحاتها...الخ، وهي اتهامات مختلقة، لا تزيد عن عناوين بلا متن، تدل على جهل صاحبها أو خبثه، والمؤسف أن الصفحات الثقافية العربية مفتوحة لهذا النوع من النقد المتذاكي، الذي يحيل الكاتب إلى متهم كافكاوي بامتياز لعدم معرفته ما هي تهمته الحقيقية بالضبط، ولا بأي شيء هو متهم فعلاً!! لذلك لا عجب أن تتحول الصفحات الثقافية في بعض المناسبات والأزمات الملفقة والمطاحنات الأدبية إلى ساحة للمهاترات والأكاذيب. والأسوأ أن بعضهم بما امتلكوه من سلطة ثقافية، استباحوا الأدب والأدباء، فأصبحوا يسخرون ويتظارفون ويقرقون على الأعمال الأدبية وأصحابها، بما يزعم أنه نقد، بينما هو تطاول. فهل هذه صفحات للهزل أم للوقاحة؟! على التأكيد لا علاقة لها بالثقافة، وإنما بأمراض الطباع السيئة، عندما تستغل سلطة هي في حقيقتها مؤقتة ووهمية وكاذبة. هذه أحد أسباب ما يدعى بأزمة الثقة بين الناقد والقارئ، فلا يثق القارئ غالباً بما يقرأه من نقد. ولا يشتري الكتاب، إلا إذا كانت وراءه فضيحة. ولهذا تروج كتب الفضائح لا الأدب. فشكراً للقائمين على أمور الثقافة، هذا أفضل دعم يقدم للكِتاب وللكُتاب. أليس من الأفضل التواضع قليلاً، خاصة وقد أدركنا مدى الإمكانيات التي يتمتع بها نقادنا الصحافيون العباقرة، لكي تلعب الصحافة الثقافية دوراً أكثر جدوى، وإن كان أصغر، وذلك بالقيام بعرض الكتاب دون إصدار حكم قيمة، أي بسط الكتاب أمام القارئ، بما يشكل خياراً له، أي ترك الحرية له بالانتقاء، دون الاعتماد على أوصياء لا ذمة لهم. لكن المشكلة تبقى قائمة، عرض الكتاب يتطلب الأمانة أيضاً. ماذا عن الأمانة؟! |
|