تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مـــن الصحافـة الإسرائيليـة... هآرتس: الهجـوم البري ورطة كبـــرى

ترجمة
الاثنين 5-1-2009م
إعداد وترجمة: أحمد أبو هدبة

حرب الابادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة تدخل أسبوعها الثاني، حمم الرصاص المسكوب تنهمر على غزة في كل لحظة، الحقد الصهيوني يطول كل شيء، القتل.. الدمار.. النار..

يطفو على كل شيء في غزة، ليس هناك زاوية او بقعة صغيرة في غزة إلا وطالتها آلة القتل الذي تحول إلى عقيدة جيشهم القتالية، كل هذا القتل والدمار والخراب لم يحقق لهم حتى الساعة أي شيء،في مقابل ذلك، تنهض غزة من تحت الأنقاض، يمتص أهلها الضربة الأولى، الصمود الأسطوري هي أولى مفاجآت هذه الحرب المجنونة، صواريخ المقاومة تغطي الجزء الجنوبي من فلسطين المحتلة بالكامل، وتحدث الحيرة والارباك لدى قادة جيش الاحتلال.انقلاب الصورة، أذهبت سكرة القتل وجاءت فكرة الخوف والتردد والارباك، الصمود في غزة سيد الموقف، والخوف والتردد والارباك يستحوذ على عقول الإسرائيليين، التهديد بشن العملية البرية آخر أسلحتهم، عمليات استعراضية تستهدف رفع معنويات جنودهم ومستوطنيهم والتأثير على أهل غزة، كما حصل خلال عملية اغتيال القائد نزار ريان وعائلته، لم تترك لها أثرا سوى ارتفاع مستوى الصمود والجاهزية لدى أهل غزة ومجاهديها ومناضليها ... غزة الآن تتأهب للمعركة الكبيرة.‏

تهديدات زعمائهم لاتزال في أوجها.. قالوا إنهم يريدون كسر المقاومة وتغيير قواعد اللعبة في غزة.. ثم اعترف قادة جيشهم باستحالة تحقيق ذلك بعد أيام من حرب الابادة والدمار التي يشنها جيشهم على غزة، ثم عادوا وقالوا إنهم يريدون وقف إطلاق النار وفق شروطهم، يرفضون مقترحا فرنسيا لتهدئة انسانية ثم يدخل العامل الأمريكي الى الصورة في المداولات الجارية بشأن محاولة صوغ استراتيجية للخروج الإسرائيلي من هذه المعركة.‏

الحرب النفسية تصل الذروة.. تبادر الصحافة الإسرائيلية لتصدرها من خلال صفحاتها الرئيسية التي تطبل وتزمر وتنذر: «بأن القوات الإسرائيلية المحتشدة حول قطاع غزة تلقت تعليمات بإتمام جاهزيتها للعملية البرية حتى صباح يوم الجمعة المقبل. ورغم الطابع التظاهري لهذه التعليمات فإن كثيرين يعتقدون أن استمرار القصف الصاروخي وتوسعته ليصل إلى بئر السبع جعل العملية البرية محتومة. وكتب العديد من المعلقين العسكريين أن العملية باتت بانتظار تحسن حالة الطقس في اليومين المقبلين». فيما باتت ترى جهات نافذة في الكيان الصهيوني: «أن العملية البرية التي يجري الحديث عنها هي في الواقع مجموعة عمليات تكتيكية ترمي إلى تشديد الضغط على قيادة حماس للقبول بالتهدئة بشروط إسرائيلية. وترمي هذه العمليات إلى مباغتة المقاومين في مناطق غير متوقعة وبهدف إخراجهم عن توازنهم وتحطيم نقاط تواصلهم. ومع ذلك لا تستبعد هذه الجهات أن تتعقد الأمور وتغدو العملية البرية ورطة كبرى تفضي إلى إعادة احتلال القطاع كما تقول هآرتس. وهذا ما يدفع كثيرين إلى التأكيد بأنه من الصعب رؤية نهاية هذا الصراع من الآن».‏

أسئلة كبيرة تطل برأسها ويمكن ملاحظتها في تحليلات كبار المحللين في الصحف العبرية بعد الأسبوع الأول من حرب الابادة على غزة: «الأيام الستة الأولى لحرب حزيران1967كانت كافية لاحتلال قطاع غزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان بعد أن هزمت الجيوش العربية. لكن على مايبدو، فإن «إسرائيل»، اليوم، تخشى وتحسب ألف حساب لشن عملية عسكرية برية، حتى لو كانت محدودة، في القطاع. وتراوحت مواقف المحللين الإسرائيليين ما بين التحذير من عملية عسكرية برية وتوجيه الانتقادات لتكرار «أخطاء» حرب لبنان الثانية والإشارة إلى المكاسب التي يحققها السياسيون الإسرائيليون، عشية الانتخابات العامة، من الحرب على غزة كتب محرر الشؤون العسكرية في معاريف، في وقت تؤكد فيه معظم التقارير والتحليلات في الصحف العبرية على أن الهجوم المضاد الذي شنته الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، كان بمثابة ضربة على رأس «إسرائيل»، لتصحو من نشوة ارتكاب المجازر. ولفتت التقارير الإسرائيلية إلى أن عدد الصواريخ الفلسطينية التي تم إطلاقها كان أكبر من اليومين الأولين للحرب كما أن مداها كان أطول. وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين بينهم جندي وعامل وإصابة نحو 20 آخرين.‏

بعد ذلك أخذت تتعالى في «إسرائيل» أصوات تتراوح دعواتها ما بين وجوب التفكير في مخرج سياسي من الحرب وإيقافها الآن. وفي غضون ذلك حشد الجيش الإسرائيلي قوات كبيرة، من أسلحة المدرعات والمشاة والهندسة، عند الحدود مع القطاع، وجندت 6700 جندي من قوات الاحتياط. وجميع هؤلاء بانتظار إشارة القيادة الإسرائيلية لبدء اجتياح القطاع.‏

وبالرغم من الدمار الشامل الذي خلفته حرب الابادة طوال الأيام الستة الماضية يبدو ان مخزون بنك الأهداف الذي وضعته الآلة العسكرية قد نفد مثل مقرات السلطة والشرطة ومنازل النشطاء والمدارس والجوامع والمؤسسات التعليمية والتي تدعي «إسرائيل» أنها أهداف عسكرية.والتي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من أربعمئة شهيد وحوالي ألفي جريح بل إنهم شرعنوا كل هذا القتل عندما قرر المستشار القضائي «مزوز» شرعية كل هذه الأعمال الإجرامية التي يقوم بها جيش الاحتلال فقد ذكرت صحيفة معاريف، أنه في خطوة غير مسبوقة، رافق المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، والمدعي العام العسكري، العميد أفيحاي مندلبليت، الاستعدادات لاغتيال ريان. وأضافت الصحيفة أنه في أعقاب سابقة اغتيال صلاح شحادة في العام 2002 مازال النقاش الداخلي في الكيان الإسرائيلي يتركز حول العملية العسكرية البرية. إذ أشار المحلل بن كسبيت، في معاريف، إلى أنه في حال شنت «إسرائيل» عملية عسكرية برية في القطاع، اليوم أو غدا، فإنه سيتعين عليها إنهاؤها حتى موعد أقصاه يوم الاثنين المقبل، أي قبل انعقاد مجلس الأمن الدولي. ويذكر أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ووزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، سيزوران «إسرائيل» يوم الاثنين المقبل، في محاولة لإقناع إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية، وحماس بالتوقف عن إطلاق الصواريخ، والتوصل إلى هدنة. كذلك تتوقع «إسرائيل» أنه ستبدأ دول أوروبية وجهات في الولايات المتحدة ممارسة ضغوط عليها لوقف عملياتها العسكرية إلى جانب تصاعد الأزمة الإنسانية في القطاع.من جهته كتب المحلل ناحوم بارنيع في يديعوت احرونوت: «إسرائيل تعود الى غزة متأخرة وبتخوفات كبيرة وبتردد، لكنها عائدة. وما بدأ السبت الماضي بغارات جوية،انتهى على ما يبدو في البر. وربما هذا هو الموضوع الوحيد الذي تتطابق فيه تقديرات الجيش الإسرائيلي وحماس، أشار بارنيع من جهة أخرى إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت يتعامل مع العملية العسكرية الحالية على أنها تصحيح خطأ. وهو يعتبر أن هذه العملية ستبرر بأثر رجعي خطواته خلال حرب لبنان الثانية.‏

ورأى المراسل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، بعد أسبوع تقريبا على بداية الحرب، أخذ يتضح أن «إسرائيل» أهدرت فرصة ثمينة لإنهائها كعمليات رد فعل فحسب، منذ يومها الأول أو الثاني.‏

واعتبر أن «الجيش الإسرائيلي، الذي شن غارات جوية شديدة صدمت حماس، هو الذي منح فرصة للحكومة للإسراع في تفصيل (بزة خروج) وتؤدي إلى إنهاء العنف. وهذا لم يحدث. والنتيجة هي أن حماس تتدارك نفسها جزئياً، فيما «إسرائيل» تدهورت باتجاه عملية عسكرية برية وتذهب إلى المستنقع، محفوفة بمخاطر كثيرة، معتبرة أن العدو يحتاج الآن إلى امتصاص ضربة عسكرية بالغة القوة من أجل أن يوافق على الإملاءات الإسرائيلية».‏

ودعا الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان، في مقال نشره في هآرتس، الحكومة الإسرائيلية إلى وقف القتال. ورأى أنه «الآن، وبعد الضربة الشديدة التي وجهتها إسرائيل إلى قطاع غزة، حسنا سنفعل إذا توقفنا، ونتوجه إلى قادة حماس ونقول لهم كالتالي :إسرائيل ضبطت نفسها على إطلاق آلاف صواريخ القسام من القطاع، حتى يوم السبت (الماضي). والآن أصبحتم تعرفون مدى شدة رد الفعل. ومن أجل عدم زيادة القتل والدمار، فإننا نعتزم وقف النيران من جانب واحد وبصورة مطلقة لمدة الثماني والأربعين ساعة القادمة. وحتى لو واصلتم إطلاق النار على إسرائيل، فإننا لن نرد باستئناف القتال. بل سنصر أسناننا، مثلما فعلنا طوال الفترة الماضية، ولن ننجر إلى الرد بقوة».‏

ورأى المحلل السياسي ألوف بن في هآرتس، بدوره، أن السؤال الأساسي المطروح الآن هو من سينكسر أولا، حماس أم التأييد الشعبي في إسرائيل للحرب على غزة. وكتب بن أنه لوهلة تخيلنا أن (وزير الدفاع الإسرائيلي) ايهود باراك اكتشف الطريقة لمحاربة عدو مسلح بالصواريخ، وتوجيه ضربات قوية وسريعة وجلب الهدوء إلى سديروت. وكان الأمل كبيرا بأن استبدال القيادة الأمنية التي فشلت في حرب لبنان، والدهاء العسكري لدى باراك ومناورات وتسلح الجيش الإسرائيلي بأسلحة حديثة خلقت، وضعا جديدا ومختلفا... لكن هذا كان وهما.‏

والرصاص المصبوب علق في الحلق، تماما مثل كل العمليات العسكرية من هذا النوع التي تم شنها في الماضي. والحرب في غزة أخذت تبدو شبيهة بالمواجهات التي جرت في الماضي مع منظمة التحرير الفلسطينية وحزب الله في لبنان. إذ من الصعب التوقف بعد عملية رد فعل موجعة. و«إسرائيل» مقتنعة بأن ضغطاً آخر صغيراً سيهزم العدو، لكنها تتردد في دفع ثمن الخسائر جراء عملية عسكرية برية ولا تريد أن تنجر مجددا إلى احتلال غزة... وفي هذه الأثناء تُخرج حماس الصواريخ من المخابئ وتُدخل مناطق إسرائيلية أخرى إلى خط المواجهة. والنتيجة هي استنزاف متواصل، بانتظار تدخل دولي أو عملية عسكرية كاسرة للتوازن وتجعل العدو ينهار. وما دام الجمهور (في إسرائيل) يصدق أن عملية عسكرية كهذه مختبئة في قبعة باراك السحرية فإنه سيؤيد استمرار الحرب.‏

والسؤال هو فقط من سينكسر أولا، حماس أم التأييد الشعبي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية