|
رسم بالكلمات يفتتح صلاح إبراهيم الحسن مستقبله الشعري بمجموعة " هي أمّك الأخرى " ، الصادرة حديثا عن دار سعاد الصباح بعد أن نالت المركز الأول في مسابقة الدار الشعرية . تتميز المجموعة باللغة الموظفة / غير المجانية ، فهي لا تركن إلى التراكم اللفظي و اللغة السحرية والمبنى البرّاق فقط ـ كما هو حال أغلب المجموعات الشعرية الحديثة ـ بل يدعم ذلك بعدٌ شعريٌّ يشفّ عن معنى مكتمل و منسّق في وعي الشاعر ، و ربما هذا ما جعل كل قصيدة تشكّل صورةً مترابطة ، دون التفريط بالصورة الداخلية ، و دون الانجرار وراءها إلى حدّ الضياع و التشتت ، و يدعم هذه اللغة استخداماتٌ تراثية غير نافرة ، بل تذوب في الكيان الشعري و تشكّل معه وحدة متماسكة و فاعلة ، بل تذوب أحيانا في البيئة الجغرافية للشاعر / جغرافيا بلدته " أبو كهف " حين ربط بين كهفها و الكهف الموروث : ( يمّمت وجهي نحو وجهكِ هارباً من كهف قريتنا.. و من زمن ٍتثاءب عند باب الكهف ) . و إن لم تنجُ هذه اللغة من عادية بعض العبارات مثل : (وأنا أحبك فوق ما تتصوّرين الآن ـ من ألف عام لا أرى ليلى ، وليلى لا تراني ـ كم حاولوا أن يكسروا سيفي و صوتي ؛ ذلك الصوت الذي اخترق الحدود .) إلا أنها تجاوزت كثيراً من مشكلات اللغة في الشعر السائد . إيقاعيا سيطر شكل التفعيلة الواحدة على المجموعة باستثناء قصيدة " النسر الكسيح " ذات الشطرين على مجزوء الكامل ، و التي لم ترْقَ إلى فنية سائر المجموعة ؛ و هنا ألاحظ أن قصائد صلاح إبراهيم الحسن تحتاج إلى إثراء إيقاعي أكبر ، من خلال محاولة التنويع العروضي و عدم الاعتماد على تفعيلة واحدة في أغلب القصائد؛ و كذلك تحتاج إلى توزيع الأسطر كما يتناسب مع الإيقاع النفسي للشاعر و القارئ ؛ و كمثال غير معيّن عن ذلك قوله في قصيدة فصول الانتظار : و أنتِ حبرٌ طافرٌ من مقلتيّ \ يكاد يأخذ لون مأساتي \ و يملأ كأس عمرٍ خائبٍ \ بالقهر \ أخّركِ الذي لا بدّ أن ألقاه يوماً \ عند مفترق الطريق \ و سوف أبكي \ مثل طفل لم يقعْ إلا ثلاثاً \ كان يركض بيننا في ساحة الشهداء في أيار ) ص96 أجد أن التوزيع النفسي الأنسب لهذا المقطع يكون هكذا : ( و أنت حبر طافر من مقلتيّ \ يكاد يأخذ لون مأساتي \ ويملأ كأس عمر خائبٍ بالقهر \ أخّركِ الذي لا بدّ أن ألقاه يوماً عند مفترق الطريق \ وسوف أبكي مثل طفل لم يقعْ إلا ثلاثاً \ كان يركض بيننا في ساحة الشهداء في أيار ) و هذا لايعدو أن يكون رأياً خاصا جدا. في التقسيم الشكلي يُلاحظ أن الشاعر قدّم لعدد من القصائد بمقطوعات شعرية تطول غالباً حتى تتجاوز بالطول بعض قصائد المجموعة !! فمقدمة قصيدة " في غيابك " وصلت إلى ثلاثة عشر سطراً !! و هي أطول من بعض قصائد المجموعة، و كان يمكن أن يدمجها بالقصيدة من دون أن تخلخل بنيتها . لكنني أستطيع أن أجزم في الختام أن صلاح إبراهيم الحسن إضافة ٌمميّزة لمشهد الشعر السوري ، بوعيه الفني ، وانسيابية لغته ، و روحانية قصائده . الكتاب : هي أمك الأخرى ـ شعر \ لكاتب : صلاح إبراهيم الحسن \ دار سعاد الصباح ـ مسابقة 2005 / 2006 |
|