|
رسم بالكلمات وقف على قمة / الريـس / معدوم الادراك بم يشعر .. دفء الألعاب النارية يذيب ثلج كانون على قدميه الحافيتين .. ورأسِـه العاري إلا من تسع شعرات .. سنة جديدة بدأت تحل على المدينة القابعة في الأسفل .. - لم يتحقق أي مما تنبأت به العرافة ذاك الصباح .. لم يشعر بأن تلك اللحظات ستحمل له جديدا ما .. باستثناء أنه شعر بالدفء .. تأمل الألعاب النارية التي تضيء ليل المدينة السعيدة من تحته .. وتلكَ الأصوات المحببة للصغار / خصوصا في أوقات الأعياد / .. فالصغار مشاكسون بطبعهم .. لذا فإنهم يحبون أصوات انفجارات المفرقعات .. وأضوائها .. / ياللصغار ... شعر حنظلة أيضا بغبطة تجاه أطفال المدينة .. محظوظون هؤلاء الأطفال .. حتى صراخهم العبثي تناهى إلى مسمعه .. حاول أن يتذكر ليلة أقام فيها احتفالا على صعيده الشخصي .. لكن كل ما تذكره هو أنه شهد احتفالات كثيرة دون أن تتسنى له فرصة إقامة احتفاله الخاص .. دوت في داخله صيحة قوية : لم أنت سلبي لهذه الدرجة يا حنظلة ؟!! .. انزل .. شاركهم هذه الأفراح المتاحة للجميع ..فهذه ليلة نادرة .. تأتي في كل سنة مرة واحدة فقط .. إنها ليلة رأس السنة !. أحكم حنظلة شبك كفيه خلف ظهره لكي لا يتفلتا عندما سار خطوة أولى نازلاً نحو المدينة .. وعند الخطوة الثانية تماما .. بدأ الدفء يتضاعف مع كل مفرقعة .. ومع كل ضوء تخلفه في ليل المدينة .. كما بدأت أصوات الأطفال تعلو كأنها تشير لاقترابه من الفرح مع كل خطوة باتجاه الأسفل .. حدث حنظلة نفسه : يا لحظ أطفال هذه المدينة .. كم هم دافئون !! تراءى لحنظلة أن هذه المدينة تعيش خارج أوقات الشتاء والصقيع وكانونهما .. ظن أن مدينة كهذه لا بد ستمنحه حذاءً / بنمرة ٍما / ليستر به قدميه .. حتى لا تبقيا – مثلما هما الآن - / عرضة لمجرد النظر / .. وقبعة ً يحمي بها شعراته التسع من العيون المهيأة للاندهاش بأي مشهد .. - مع الخطوات اللاحقة .. بدأ الدفء يزيد عن حده المعتاد .. وعندما وصل إلى مشارف المدينة شعر بغبطة أكبر .. سائل أحمر يتجمع في بقع هنا وهناك .. يالــ / ارتياح / أناس هذه المدينة !.. لا بد أنه نبيذ نهاية عامٍ وميلاد عام .. وقد سال من تخمة قواريرهم .. تنبه حنظلة إلى أن كفيه كادا يتفلتا .. أحكم شبكهما مرة أخرى وتابع السير داخلاً المدينة .. تضاعفت غبطته أضعافاً وهو يتأمل أهل المدينة النائمين في الشوارع ..لا شك في أنهم تعبوا من ضخامة حجم المتع في احتفالهم .. ثم لم يجدوا الوقت والقوة للوصول إلى بيوتهم .. فاستلقوا حالمين على أرض الشارع حيث احتفلوا !! - لم ير حنظلة ضيراً في ذلك .. فالشارع دافئ هنا لم يسبق أن أشعره مشهد بشعور مبهم مثل هذا .. كرََّر في نفسه : لكم هم محظوظون .. هؤلاء البعيدون عن الشتاء الاعتيادي ! .. ثمة لافتة على يمين الطريق .. ملطخة ببقايا - مايشبه اللحم - تابع محدثا نفسه :يا لتخمتهم .. هل ملوا شواء الاحتفال لدرجة رمي البقايا على اللافتات !! بدأ يصدق أن عرافته كانت على حق .. فها هي نبوءتها تتحقق في رؤيته ما لم يسبق له ــ على الرغم من مشاهداته الكثيرة على مدى عشر سنوات ــ أن رآه .. بعض الحروف على اللافتة حاولت – كما بدا لحنظلة – أن تزيح عنها البقايا في محاولة لرفض " الغطاء " .. لكنْ .. منذ أن وصل إلى المدينة .. لم تعد تضيئها المفرقعات حتى تتسنى له قراءة الحروف .. تلاشى النهار الذي نزل حنظلة هاربا إليه من الليل في عالمه الحقيقي .. الكل نائمون ..غريبون هؤلاء الناس .. مالهم يكثرون الفرح بنهاية العام .. ويستقبلون الجديد َ بنوم في الشوارع !! .. شرع ينبش مخيلته بحثا عن إجابة محتملة لهذا السؤال .. لكنه لم يتعب كثيرا في هذا الشأن .. فقد تبين له أن أحداَ ما مازال يحتفل . الدفء حل من جديد .. والمفرقعات بدأت توزع أصواتها في السماء .. وحنظلة قال مندهشا : لو أن أحدا ما يقف الآن على قمة جبل الريس لسمع هذه الأصوات وأحبها مثلما يفعل الصغار .. - ومثلما تفعل المفرقعات عادة .. خلَّفت هذه الأخيرة نوراً أحال الليل إلى نهار مستعجل جداً .. شاهد حنظلة خلاله النائمين .. وشاهد النبيذ المسكوب على الأرض .. وشاهد بقايا الشواء .. شاهدهم كلهم بصورة أخرى .. / بصورة أكثر وضوحاً / .. لم يستطع – بفعل مانع ما – التلفت لرؤية المحتفِل الأخير .. لكنه – قبيل أن يغمض عينيه عما رأى – استطاع أن يميز حروف اللافتة من تلك البقايا .. عرف حنظلة أنها تحمل اسم مدينة عرفها .. أحبها .. وتمنى زيارتها منذ زمــن بعيد / أبعد من عشر سنوات / .. ولطالما كان شاهدا على احتفالاتها في أعيادٍ ومناسبات كثيرة .. وتذكر على الفور أنه أضاف حرفا ً– لم يعرف من أين أتى - إلى اسمها حين هجأه أول مرة على خارطة الوطن .. فقرأه " غرزة " بدلا من " غزة " .. |
|