تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


امتحانات استثنائية ....؟!

آراء
الاثنين 5-1-2009م
حسين عبد الكريم

أطباء الحب وعلماء الأحياء وفلاسفة الوجود لعلهم حددوا للدم دورات امتحانية فصلية ونهائية ،ولعلهم حددوا « كريات حمراء » تؤلف الدم ، و«كريات بيضاء» تعنى بالسلامة ومعاهدات طمأنينة الجسد والعافية.

مقررات جديدة ، أو قديمة متجددة ، هي مقررات المقاومة : في هذه الدنيا المصابة بالزكام وانفلونزا الوحشية والتدمير والاحتلال والنهب ، لايمكن للدم أن ينال شهادة نجاحه في امتحانات الكريات الحمراء ، أو البيضاء ، أو مذاكرات الشفاء والعافية وطمأنينة البقاء وتأليف الحياة دون التقدم لنيل درجة النجاح في مقرر المقاومة ... المقاومة مادة أساسية في جميع الامتحانات في امتحان الولادة والموت يخضع المولود لمقرر المقاومة ، وفي الغياب يخضع الغائب لهذا الامتحان الجدير، بالأهمية ، حتى يصير غيابه لائقاً ومستحقاً لمعناه.‏

في المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية اللغة مادة أساسية ، والراسب فيها لاينجح .... والمقاومة لغة معادلة للنطق والتعبير والمحفوظات ودروس النحو والصرف والإملاء ... من غيرها يرسب الإنسان في امتحان وجوده ، ويزوّر الوحشيون والتدميريون والدمويون كرياته الحمراء ، فيجعلونها بؤساً ويأساً وسواداً فاحماً ، والبيضاء يقتلون فيها همة الحياة وموهبة الطمأنينة ، وترياق السعادة ويستبدلون معاهدات سلامتها بمعاهدات الضعف وآلاف الأوبئة والآفات ....إنها الهمجية الكونية تحتاج مقاومة عاتية ، حتى تتحداها وتعيد للإنسانية امتحانات التنفس والهواء والعزة ، التي تساوي الوجود من غير اعتزاز لاجدوى من الحياة والنفوس تدخل في ملكوت انتحابها .... المقاومة مقرر الدم ومادة الامتحانات جميعاً.... ومن دونها تسقط الأحلام في أولى مذاكراتها الشفهية ، وفي جميع الأسئلة ، وهل أبشع من الأحلام الراسبة ....؟؟!! قبل درس المقاومة الشامل في الجنوب وفي فلسطين كانت الأحلام راسبة في امتحان القبول والسعادة والشرف والكرامات الجميلة ... وكان الوجدان من غير أوراق حب ثبوتية ... كان العاشق يخجل من ذكر كلمة عشق ، ويخاف من مفردات الألق والوجدانيات ... وحين نجح الطلاب الموهوبون والعباقرة في تأليف مقرر المقاومة والنجاح العالي في امتحاناته القاسية والدقيقة جداً صارت الأحلام مستعدة للزهو والازدهار ... واحتفل الوجدان العربي بأوراق حبه الثبوتية ، وتقدم لنيل شهادات حسن سلوك حب ووفاء وحنين وقصائد... قبل دروس المقاومة كنا مجرورين بحروف الخيبة والضعف والركاكة ....وبعد هذه الدروس رجعنا إلى همزات الوصل وحروف العطف والجمل الفعلية المفيدة ، وجداول الضرب والجمع والابتداء .... ورويداً رويداً صرنا نتخلص من زيادات الخيبة وانحطاط ملكات الإخلاص والإخاء وجملة الوجد ومعادلات الخلق .... المقاومة فن وطني وتربية شاملة ولغة قومية وإنسانية ، مثلها مثل أعظم المعزوفات والأنغام والمقطوعات الموسيقية ، هي كالحب تماماً : هل يمكن للإنسان أن يعيش من غير حب؟ وهل يمكن له أن يحيا كريماً وحراً من غيرمقاومة ؟ ضرورة ملزمة كالشهيق والشمس والينابيع ....الحب حرية تخطف المحبين من شقائهم إلى الدروس الجميلة ، والمقاومة تخطف البشر من ضعفهم إلى دروس القوة والكرامة الجميلة .‏

للحب موسيقا إنسانية ووطنية ومحلية وكونية ....والمقاومة لها موسيقاها الإنسانية والوطنية والمحلية والكونية ...ولم نجد في دروس المقاومة في الجنوب أو فلسطين وغيرهما أي متقدم راسب ، من قبل ، في امتحانات حبه الوطني وامتحان إنسانيته الراقية وامتحان موسيقا تضحيته الكونية والشاملة .... المقاومة درس القواعد الاستثنائية ، التي لاغنى عنها لمواجهة درس الاحتلال والنهب والتدمير ....‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية