تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفاصل الأعوام وأشجانها...!

آراء
الاثنين 5-1-2009م
نواف أبو الهيجاء

مع نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 كثرت مخاطباتي، أتلقى رسائل (عبر النقال) إلى جانب عدد كبير من المكالمات الهاتفية.

استوقفتني رسالة من ولدي في (مخيم) داخل أراضي العراق يقول فيها: (كل عام وأنت بخير، الرحمة لشهدائنا والخزي للخونة) ربما كانت الرسالة القصيرة تنهيدة شعب بكامله بل ربما كانت تنهيدة أمة بأجمعها وهي ترى -عبر الفضاء- عملية الذبح الجارية بصاروخ وصاروخ آخر في قطاع غزة- ذبح لا يستثني عنقاً من الأعناق: أكان لطفل أم لطفلة, لأم أم لأب ولشاب أم لشابة لكهل أم لعجوز، لمدنية أم لمدني، لطبيب أم لجريح.‏

الاستباحة كانت أقوى من كل الكلام وأبلغ من كل خطاب لكن الأدهى والأعمق والأقوى والأشد إيلاما هو ما تأكد لنا جميعاً من عمق الخندق الفاصل بين (موقفين) في الوطن العربي الكبير وربما كانت الفضيحة الأكبر قد تجلت باللجوء إلى (أحضان ولحى ووساطات الآخرين)- والإعلان التام عن الشلل والعجز من جهة ومحاولة ترك الجزار يقطع الرقاب- على مهله ومن غير ازعاج- من جهة أخرى، الأشد إيلاما أيضاً: أن هناك- من غير العرب- من أعلن وقفة أفضل من تلك التي تبناها ويتبناها (بعض العرب) أو في حقيقة الأمر بعض (المحسوبين) على العرب- وإن كانوا حكاماً في بعض أقطارنا المفجوعة بهم والمكبلة بأصفاد وجودهم على كراسٍي ليست تسندها إلا جهات معادية- في عواصم ما كانت يوماً إلا ضد العرب وضد قضاياهم ومع المحتل الصهيوني على طول الخط- بدليل أنها هددت مئات المرات بـ (الفيتو) واستخدمته لحماية القاتل الجزار الذي احتل أرضنا وشتتنا في أصقاع الأرض ويريد حتى مطاردتنا وإن في رأس أحد القطبين كنا -الجنوبي أو الشمالي، على السواء.‏

هل تظنون أنني الوحيد الذي ذرف الدموع -في هذا العمر- وهو يشهد وجوه ملائكة صغار تغرق بالدم- وقد همدت أنفاسهم أمام عيون الأمهات والآباء والأشقاء والشقيقات وأولاد العمومة والخؤولة؟ لا بل أنا على ثقة أن الملايين من البشر -الذين تعمر صدورهم قلوب نابضة -قد تخضبت ليس أجفانها بالدمع- بل الوجنات وقد اغتسلت بالدمع المحرق؟ ولقد تساءلت أكثر من امرأة عربية وأكثر من رجل عربي- وأكثر من إنسان وإنسانة في الكرة الأرضية عن قلوب الذين يفترض أنهم يمتلكون القرار وإن كانت تنبض بالروح (الإنسانية) ودعونا نترك الروح العربية والإسلامية جانباً، نحتكم إلى الروح الإنسانية في الناس عبر أرجاء المعمورة.‏

ونسألها: إن كان يحق لك -أيتها الروح- أن يكون لك وطن وأن يكون لك حلم مشروع وأن يكون لك حق الحياة والكرامة وحق المعتقد وحق الطمأنينة على الصحة والتعليم وعلى المستقبل -والطمأنينة على العجز والشيخوخة فهل يجوز أن يكون الصمت موقفك إزاء من يحرق الأرواح التي تهفو إلى ما هو حق لها في فلسطين بالتحديد؟.‏

وأي مصادفة تلك التي (حكمت) أن تكون بداية عام (القدس عاصمة للثقافة العربية) دموية وإلى هذا الحد الذي يمكن ألا يكون مسبوقاً على الاطلاق وربما في أكثر من مكان في العالم كله.‏

كيف يمكن أن ننام قريري العيون وصور ما جرى ويجري في القطاع ترفض أن تبرح عقولنا ومخيلاتنا وأرواحنا وأحلامنا وهناءة لحظاتنا فلا نكون في (مهد الهناءة) بل في جوف الخطر والاحساس بالمهانة أيضاً.‏

أشلاء الأسرة في كل أركان الكرة الأرضية من كوالا لمبور إلى كوبنهاغن- وعبر مخيمات وأراض وأوابد ومواطن بين محيط هذا الوطن الكبير وخليجه فكيف لا تكون الوحدة وهدة وطنينها الذي يئز كما الرصاصة تمرق لصق الأذن ديدننا الآن؟.‏

وتزداد المواجع والأحزان نتيجة الاحساس بالعجز والشلل إذ إن روح الشباب تنهض فينا اليوم وهي تنادي أن اذهبوا وجاهدوا لكي تنعموا غدا بوطن واحد- أنتم و أولادكم وأحفادكم- بدلاً من (الشرشحة) في أركان الأرض طلباً لعيش -لحياة- تليق بالانسان على وجه البسيطة- حيث يؤدي ما عليه، يعمر الأرض ويمارس طقوس واجبات وجوده -ضيفاً على الأرض- ليهنأ وهو يطبق جفون العينين على صورة غد أراده لأبنائه أو أحفاده وكان المسير إليه خوضاً في بحر من دماء الشهداء والأبرياء من أبناء العرب عموماً- ومن أبناء شعبنا في فلسطين خصوصاً.‏

اعذرونا إن لم (نتذكر) ما ينبغي في أول أيام (العام الجديد) لقد جعلتنا المحرقة لا نبصر إلا لونين فقط (الأحمر والأسود)- والمعذرة مطلوبة من (ستاندال) على استعارتنا عنوانه المفضل (الأسود والأحمر أو nawafabulhaija@yahoo.com‏

">بالعكس).‏

nawafabulhaija@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية