تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فلسطين بين نهجين متضادين

محطة
الأثنين 5-1-2009م
د.خلف الجراد

يحاول منظرو الاستسلام ودعاة «الواقعية» المهزومة ترسيخ أطروحتهم القائلة إنه «لا فائدة» من المقاومة والتعنت والتصلّب.. إلخ، ولا «توجد أية فرصة حقيقية للانتصار على اسرائيل المدعومة من القوى العالمية الكبرى».

انطلاقاً من هذه الرؤية الانهزامية والاستسلامية تجري حسابات الربح والخسارة، ويتم تضخيم «أثمان» المواجهة مع العدو الصهيوني ومقاومة مخططاته الاحتلالية الخطيرة، حتى ولوكانت المقاومة هي المنتصرة باعتراف الصهاينة ذاتهم، كما حدث في عدوان «اسرائيل» الشامل على لبنان في عام 2006 !!.‏

لكنّ مشكلة دعاة الهزيمة واليأس والإحباط، تتمثل في أن الأمة العربية وقواها الحيّة، الفاعلة.. ترفض كلياً وبصورة مطلقة الاستسلام سياسياً ونفسياً وثقافياً وحضارياً، رغم كل ما حصل من نكبات ضخمة وانكسارات ودمار وحصار وقتل.. و«تفاهمات» معلنة أو ضمنية بين الكيان الصهيوني وجزء من النظام الرسمي العربي. إذ إنه في مقابل كلّ ضربة تعرّضت لها الأمة وقواها المناضلة المقاومة في إطار المواجهات غير المتكافئة مع الجيش الصهيوني وآلته التدميرية الوحشية، كانت الجماهير العربية تنهض بقوة وتصميم عظيم وقدرة أسطورية على امتصاص مفاعيلها السلبية، والحيلولة دون سريان نتائجها وآثارها خارج الإطار المادي. وبذلك حافظت الأمة من المحيط إلى الخليج على العناصر المكوِّنة لشخصيتها المقاومة، الرافضة لأي شكل من الاستسلام أو الاستلاب أو الركوع، أو القبول بإملاءات الصهيونية وعملائها في المنطقة.‏

إن قراءة ما حدث ويحدث من حصار همجي فظيع وعدوان عنصري وحشي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، يجب ألا تغفل النقاط التالية:‏

أولاً: المحاولات المنهجية لتطويع هذا «الجيب» الفلسطيني الصغير في مساحته والمفتقر لأبسط وسائل الحياة، بتواطؤ وتنسيق مع أطراف فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية عديدة، في موازاة حرب نفسية شاملة، الموجّهة ليل نهار ضد أهل غزة وقوى المقاومة هناك (عبر وسائل الإعلام الصهيونية وعدد من الفضائيات المتصهينة الناطقة بالعربية)، بهدف تشويه صورة المقاومة، وبث روح الهزيمة والإحباط والاستسلام في قلوب أهلنا في تلك البقعة البطلة، ومحاولات إلقاء أسباب ما يجري على المقاومة، وتبرئة العدوّ الصهيوني من دماء آلاف الضحايا الأبرياء. ويأتي في سياق هذه الحرب النفسية- الإعلامية المحاولات المحمومة لتثبيت صورة نمطية مشوّهة للمقاومة الفلسطينية في أذهان الرأي العام العالمي، بوصفها «حركات ارهابية»، متشددة، و«مغامرة»، آتية بعقليتها وتفكيرها من «العصور الوسطى»، وبالتالي لا بدّ من التكاتف الدولي للقضاء عليها.‏

ثانياً: ربط المقاومة الفلسطينية بقوى المقاومة في العراق ولبنان، وبمشاريع ومخططات خارجية، وتصويرها كأداة تنفيذية بيد دول وجهات إقليمية ودولية، لها أجندتها الخاصة، المتعارضة مع الأمن القومي العربي. وبالتالي، فإن من «واجب» العرب «الحضاريين» و«المعتدلين-العقلاء» و«الحكماء» مواجهة هذه المجموعات المتمردة، الرافضة لقبول «اسرائيل» وتطبيع العلاقات معها، بصرف النظر عن طبيعة هذا الكيان العدوانية والتوسعية، المضادّة للاستقرار والسلام والتعاون والتعايش.‏

ثالثاً: يتجاهل المحللون السياسيّون ما ترتب على اتفاقيات «كامب ديفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة» من التزامات واجراءات (علنية وسرية)، من شأنها عدم «تهديد الأمن القومي الاسرائيلي»، الأمر الذي يستوجب «تنسيقاً» واسعاً في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية بين الأطراف الموقِّعة على تلك الاتفاقيات. وفي هذا السياق من الالتزامات يجري منع وقمع كل تحرّك شعبي، من شأنه «الإساءة» للكيان العنصري الغاصب، أو «تهديد علاقات التعاون والتفاهم» المتبادلة معه.غير أن الوقائع برهنت بما لا يدع مجالاً للشكّ أن الشعوب قادرة على تمزيق وإلغاء أية اتفاقيات إذعانية أو «معاهدات» أملتها ظروف ومعادلات سياسية وعسكرية معينة، عندما تمتلك الإرادة الحرة، والقدرة على التنظيم والتخطيط والعمل الجماعي الشامل. وليست فلسطين والأمة العربية استثناء في هذا المجال، في مسيرة التاريخ والمجتمعات البشرية، فعمر الصراع العربي- الصهيوني عشرات السنين، ومن المؤكد أنه سيستمر إلى عقود طويلة أخرى، إلى أن يزول الاحتلال وتعود الحقوق العربية المسلوبة إلى أهلها الشرعيين كاملة غير منقوصة.‏

kh-aljarad@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية