تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثقافة العالم في خطر

خط على الورق
الثلاثاء 9-2-2016
أسعد عبود

غالباً تذهب عبارة ثقافة بعقولنا إلى الانتاج والابداع الفني والأدبي الذي ينتجه البشر. ليس في ذلك خطأ، انما ثمة رابط مفتوح على هذه الثقافة مؤثر ومتأثر بها، هو الرابط الأخلاقي. حتى إن الثقافة التي تأتي في مقدمة حاجات البشر قد تتحول إلى خطر يحيط بالإنسانية إن هي جردت من الأخلاق.

أزمة العالم الراهنة إن كانت من دون شك أزمة ثقافة فهي بالتأكيد أزمة أخلاق. كل الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي يواجهها البشر اليوم، ناجمة عن تراجع الأخلاق البشرية والمضي بالعقل الانساني نحو ثقافة الغابة وقاطنيها.‏

العنصرية... الطائفية.. التكفير... الاستغلال والاحتكار ونهب الثروات وتمركزها في أيدي الفئات المحدودة المتحكمة... كل هذه وغيرها أمراض أخلاقية تسبب فيها إلى حد كبير انهيار الثقافة الاخلاقية للقرنين التاسع عشر والعشرين من خلال الانهيار السياسي لأهم المدارس الفكرية و التنظيرية للقرنين الماضيين. ليست الشيوعية هي المنظومة الوحيدة السياسية العلمانية التي تسبب انهيارها بـأزمة العالم الاخلاقية. حتى أعداء الشيوعية ومناوئيها تراجعت لديهم الثقافة الأخلاقية بعد انهيار خصومهم. خطاب الرأسمالية ووعودها للعالم في حقبة التحدي الشيوعي كان سمحاً وواعداً في محاولة لاستقطاب العقل البشري، ولم يعد أبداً كذلك.‏

مع تحول العالم إلى سيطرة القطب الواحد بدأت الرأسمالية العالمية بالتكشير عن أنيابها و تحولت من الوعيد والتهديد إلى الغزو المباشر وغير المباشر عبر التابعين المجردين من الأخلاق. وعبر المال والاعلام.‏

تحول المال والاعلام إلى السلاحين الأمضى لمواجهة العالم ولاسيما الدول النامية. على قاعدته بدأت تظهر التحالفات التي لا جامع لها، إلا جامع التجرد من الأخلاق البشرية. إن ما تتعرض له دول كسورية والعراق و ليبيا وبشكل خاص اليمن يؤكد حالة الانهيار الثقافي والاخلاقي في العالم. تحالفات تنشأ تحت وطأة الحاجة و الرشوة وتشن حروبٌ على قاعدة ذلك !!. من يستطيع أن يذكر لنا سبباً منطقياً واحداً لفصيل من السودان المتلظي بواقعه الداخلي الكارثي يقاتل تحت امرة السعودية في اليمن الفقير البائس!!.‏

طبعاً يكرر الاعلام مراراً كل يوم، أسباباً لهذه الحالة لا تضيف إلا ما يؤكد أنه اعلام مجرد عن الحقيقة فاقد للأخلاق، ولا سيما اعلام الدول التابعة، الذي هو تابع بدوره، يعمل تحت ظل قرف أسياده.‏

اللاأخلاقية التي انتجتها الرأسمالية العالمية، صدرتها للدول الفقيرة الحقيرة، ولاسيما التي لديها مال تستطيع منه أن تقدم الرشى وتشتري ضمائر الدول والأفراد. وتحاول الدول الرأسمالية ولا سيما الولايات المتحدة النأي بسمعتها عما عممته ونقلته إلى دول بلا أخلاق كالسعودية. الولايات المتحدة تقبل أن تشكل السعودية تحالفاً بالمال للهجوم على دولة أخرى ضعيفة، لكنها ترفض أي تجاوز من السعودية أو غيرها يسيء لموقعها الرأسمالي.‏

بعد أحداث أيلول و على ركام المركز التجاري العالمي المنهار في نيويورك، تبرع أمير سعودي لعمدة المدينة بمليون دولار، ما لبث العمدة أن رفضها إذ شعر أن الأمير السعودي وضع نفسه على موقع الناصح.‏

شكل انهيار المركز التجاري العالمي في نيويورك تحت وقع ضربات الارهاب صدمة كبيرة للأمريكان، الذين لم يصدمهم حتى الآن الإرهاب السعودي بما يفعله في دول الشرق الأوسط الفقيرة. بل لا مانع من قبض العمولة بعناوين شتى.. انه الانهيار الأخلاقي ..؟!‏

as. abboud@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية