تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عصابة « سبعة ضد سورية » وإرهابيوها

متابعات سياسية
الأحد 29-11-2015
 بقلم:عبد الرحمن غنيم

من المؤكد أن الكاتب الأميركي توم أندرسون في كتابه « الحرب القذرة في سورية » الذي ينتظر صدوره قريباً , لم يفاجئنا مطلقاً حين حدّد الدول السبعة الراعية للإرهاب على أنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر .

وهو تحديدٌ كان يمكن أن يجعلنا نقترح عنواناً إضافياً أو بديلاً للكتاب , وهو « سبعة ضدّ سورية» على غرار كتاب « سبعة ضد طيبة» لولا أن المجندين للحرب القذرة ضد سوريا بلغ عددهم الإجمالي الثمانين . وهذا يعني أن «السبعة» الذين تناولهم الكتاب هم هيئة أركان هذه الحرب وليس كل المساهمين بشكل أو آخر فيها .‏

نحن لا نستغرب بطبيعة الحال أن تصطف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل في خندق أعداء سورية , بل في خندق أعداء العروبة والإسلام ككل , خاصة إذا ما عرفنا بأن هدف الحرب التي تشنّ علينا هو تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل , ولكن ليس قبل أن يتم إغراق منطقة الشرق الأوسط بكاملها في الفوضى , وتحويلها الى مسرح لذئاب الإرهاب , نرى فيه من جرائمهم ضدنا العجب العجاب , ويتعرض فيه أصحاب الأرض لكل صنوف العذاب . ولكن أن تقف دول تصنّف على أنها عربية أو إسلامية في خندق الأعداء , وأن تجعل من نفسها أحصنة أو بغالاً يركبها هؤلاء , فتلك يقيناً ظاهرة غريبة عجيبة تحتاج الى الفهم أو التفسير , والبحث عمّا إذا كان وراءها سرٌّ كبير أو صغير .‏

إن تركيا , الدولة العضو في حلف الناتو , والتي تحلم بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي , محاولة إرضاء الغرب بأيّ ثمن , لا يمكنها , وهي المقيّدة بأغلال الناتو , أن تعدَ العرب والمسلمين بمغادرة هذا الموقع , أو أن تسهم في تحرير فلسطين كجزء مغتصب من دار الإسلام . وعلى كلّ حال , فإن تركيا التي تقيم علاقات أكثر من طبيعية وتطبيعية مع العدو الصهيوني , لم تقل إنها تعادي هذا العدو أو تناصر العرب في مواجهته ولو على سبيل الادّعاء . وإذا ما تحدثت عن حلم أردوغان في بعث سلطنة آل عثمان بالاعتماد على جماعة الإخوان , فإنها تستبعد أيّ حديث عن إمكانية الاصطدام بالعدو الصهيوني , وإنما تستبعد ذلك من حساباتها . ثم إنها تتعاون بشكل فعلي مع هذا الكيان , وتعترف به , وتتعامل معه حتى في الشؤون العسكرية والتسليحية . وهذا كله ينتقص ليس فقط من مصداقية مشاعر أردوغان وحزبه الإسلامية , ولكن أيضاً من مصداقية العمق الإسلامي لجماعة الإخوان . فلو كان الاخوان صادقين في الدعوة الى تحرير فلسطين لنفضوا يدهم من أردوغان وحزبه أو لطالبوه بأن يغير نهجه كشرط لهذه العلاقة , لكن ما يحدث أنهم يضعون أنفسهم في خدمته . وأقصى ما يمكن لأردوغان أن يحلم به وأن يفكر به في نطاق التزامه بالناتو وفي موقعه ضمن عصابة « سبعة ضد سورية » هو أن يترك إسرائيل تحتل ما تريد , وأن يحتل هو من أراضي العرب بالتعاون مع جماعة الإخوان ما يزيد. أي أنه يقولب سياسته ليكون شريكاً لإسرائيل في الأطماع , معيناً لها على الاندفاع . وهذا الدور المتمثل في طعن سورية والعرب من الخلف هو ما يفسّر وجوده في عصابة «السبعة ضدّ سورية» , ولا شيء آخر يمكن أن يفسّر هذا الدور .‏

أما بالنسبة لمشيخة قطر الصغيرة , فإن وضعها في عداد عصابة « السبعة ضد سورية « هو في حدّ ذاته بالنسبة لها إنجاز كبير . فالقزم إذا سمح له بأن يقف الى جانب الكبار لا بدّ وأن تتملكه مشاعر الفخار . فكيف إذا ما وعدوه مسبقاً بأنه في سياق تغيير خريطة الشرق الأوسط , وبناء الشرق الأوسط الجديد , سيكون بوسعه أن يتحول من مشيخة الى مملكة , ولو على حساب جيرانه وشركائه في العصابة من آل سعود , حيث وعدوه بضم المنطقة الشرقية من المملكة السعودية الى قطر ! . وإذا عرفنا أن المنطقة الشرقية من مملكة آل سعود هي التي تنام على بحر النفط حقّ لنا أن نتساءل كيف يمكن للقطري أن يحلم بالتوسع على حساب هذه المنطقة دون أن يسحقه السعودي ؟ . ثم إن القطري الذي وعد بهذه المنطقة وصدّق أصحاب الوعد لا يريد أن ينتبه الى أن خرائط الصهيوني الأميركي برنارد لويس للمنطقة تضع هذه المنطقة ضمن دولة شيعية مزعومة أراد الأمريكي من خلال التلويح بها أن يستفز السعوديّ الوهابي الى أقصى الحدود , وأن يؤسس لفتنة مذهبية في المنطقة . ومن المؤكد أن جنون آل سعود وخوفهم الذي يثيره الأمريكي والصهيوني حول مصير الكنز النفطي المرصود لن يسمح لمشيخة قطر أن ترث من أرض مملكة الرمال ولو ذرة واحدة من الرمال تسفيها الرياح , حتى وإن تطلب الأمر أن تذهب مملكة آل سعود الى محو قطر من الخريطة . وهنا يتبدّى العبط القطري الذي يظنه حكام قطر دهاءً وخبثاً وذكاءً , إلا إذا كان حكام قطر يراهنون على أن تقوم إسرائيل باحتلال جزيرة العرب وتسليم المنطقة الشرقية منها لهم طوعاً واختياراً كمكافأة على خدماتهم . ولكن إذا وضعت إسرائيل يدها على الأرض وما في باطنها من النفط والغاز , فإنها ستصادره لحسابها , وأقصى ما يمكن أن تتحسّن به عليهم أن يبقى شيخ قطر في منصب الحاكم الإداري تحت السلطة الإسرائيلية ضمن منطقة حكم ذاتي !.‏

تبقى في عصابة « السبعة ضد سورية » من الأعراب مملكة آل سعود . ويبدو أن الأمور في نظر هؤلاء أقل تعقيداً مما هي بالنسبة للتركي أو القطري . فهم يرسمون سياساتهم طوال الوقت على أساس التحالف بينهم وبين إسرائيل . وهذا ما يوطد العلاقة بينهم وبين الشركاء الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين في عضوية العصابة . وإذا كانوا ينظرون الى تركيا وقطر كمنافسين على كسب ودّ الأربعة المتسيّدين , فإنهم يعرفون بأن قطر في حدّ ذاتها لا تشكل مصدراً لأي خطر عليهم إذ أن الحماية الأمريكية المبسوطة عليها مثلما هي مبسوطة على مملكتهم هي الورقة الوحيدة التي يملكها القطري لضمان بقائه في الوجود . والأمريكي لن يبيع السعودي لصالح القطري وإنما هو يشغل الاثنين لحساب مخططه الذي هو المخطط الصهيوني . وهذا هو أيضاً حال تركيا . ولكن تركيا وقطر تحوصان وتلوصان اعتماداً على جماعة الإخوان , بينما أوجد آل سعود لأنفسهم أدوات تنافس الإخوان في الميدان , وهي عصابات الإرهاب التكفيري الوهابية . وقد تحوّلت هذه العصابات الى شبكة عالمية تمكن آل سعود من العبث في أيّ مكان . ولاأحد يستطيع أن ينكر أيضاً بأن جماعة الإخوان تحولت الى شبكة عالمية أيضاً .‏

ولأن عصابات الإخوان وعصابات الإرهاب الوهابي التكفيري تخضع جميعها عملياً لعصابة « سبعة ضد سورية « التي هي أيضاً عصابة « سبعة ضد العرب والمسلمين » فإن التوافق قائم الآن بين الأدوات التي تستغلها العصابة , مما يجعل العلاقة بين هذه الأدوات علاقة تكامل وتعاون حتى وإن بدا في بعض الحالات أنها متنافسة .‏

في ضوء هذه المعطيات , فإن السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف : هل يعقل أن تتحول عصابة « سبعة ضد سورية »من استثمار الإرهاب الى محاربته ؟.‏

إن الجواب على هذا السؤال أكثر من واضح وهو أنه إذا تحول هؤلاء الى محاربة الإرهاب – كما يزعمون ويحاولون مخادعة الآخرين – فإن هذا يعني أنهم يلقون بأسلحتهم أرضاً ويوقفون حربهم على سورية ويقرون بالفشل . ولكن ألا نراهم جميعاً – دون استثناء – يؤكدون مواصلة حربهم على سورية ؟.‏

لقد راهن البعض على الفرنسي أن يخرج بعد « غزوة باريس « من العصابة وأن يتحول الى مكافح حقيقي للإرهاب , لكن الفرنسي أصرّ على أن يؤكد أنه لم يغادر موقعه في عصابة « سبعة ضد سورية « . أما التوابع الآخرون للعصابة , فمن الواضح أن من بينهم من ينتظرون تفكيك العصابة ليخرجوا من الزاوية التي وضعهم الأمريكيون فيها بعد أن بات سلوكهم الذي يصب في خدمة العصابة مريباً ولا يستطيعون الدفاع عنه . لكنهم للأسف لا يجرؤون على التمرد أو التفلت , وهو ما يدل على ضغوط شديدة يمارسها الأمريكي عليهم لصالح الصهيوني .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية