تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المناورات والصفقات المشبوهة لعبة مكشوفة

إضاءات
الأحد 29-11-2015
سلوى خليل الأمين

أثبتت التجارب عبر التاريخ أن المقاومة في سبيل الحق هي الحل الناجع، مهما اشتدت الصعاب التي تنتجها الحروب عادة، من دمار وقتل وتهجير وتشريد، فكم من شعوب غلبت قوى عظمى عبر التاريخ، في حين أن القضية ليست قضية قوة وضعف،

بل قضية إيمان بالحق السيادي الوطني والحرية، فأي شعب مهما كانت مستويات ضعفه، فإنه حين يتوحد في سبيل تقرير مصيره واستقلاله، هو المنتصر حتماً، فكم وكم ناضلت الشعوب الصغيرة المستعمرين من القوى العظمى، من أجل حريتها ونيل استقلالها، وتم لها ما أرادت، وإن تم الأمر بالمقاومة والتضحيات الجسام، عبر حروب مدمرة ودم مراق.. والتاريخ يشهد.‏

لهذا لا بد من استمرار مقاومة المتغطرسين من حكام العالم والأعاريب المنضوين تحت الراية الصهيونية والأميركية التي تتخبط حالياً في شر أعمالها المدمرة، القاتلة للشعوب دون رحمة أو شفقة، أو التفات لحقوق الإنسان على وجه الأرض، الذي سطرته القوانين الدولية في سجلاتها الأممية، التي ظن يوماً أنها عادلة وقويمة.‏

إن الأحابيل الملتفة بالصفقات والمناورات بل المؤامرات، التي ترسم في كواليس الإدارات المهيمنة على قدرات الدول وثرواتها، وأقصد الولايات المتحدة الأميركية، باتت مكشوفة، بحيث إنها لم تنجح لتاريخه في حروبها المدمرة الممتدة من أفغانستان حتى احتلال العراق، وتغيير الحكام في كل من تونس ومصر، وتقسيم السودان بين شمال وجنوب، وسريان الحرب المدمرة في سورية منذ خمس سنوات، والفوضى السياسية المتفاعلة صعداً في لبنان، واغتصاب فلسطين والتغطية الدائمة لهمجية وشراسة العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والتعدي على المقدسات الدينية في القدس الشريف، والفوضى السياسية والإرهاب المتغلغل في ليبيا، ودعم ونشر العصابات الإرهابية من القاعدة حتى النصرة وداعش في بلاد الشام، وغض النظر عن دولتهم التي اقتطعت جزءاً من الأراضي السورية والعراقية، تحت مسمى دولة الخلافة الإسلامية واستباحتها للنفط في كلا البلدين، كما المصانع والمعامل في حلب ومنتوجات القمح والقطن في الشمال السوري، التي ترك أمر نهبها لتركيا جهاراً، وعلى عينك يا تاجر، وتحت نظر الأقمار الفضائية الأميركية الكاشفة، ودون حسيب أو رقيب، أو اتهام، أو صدور قرار عقوبات بحق حاكم تركيا العثماني، الذي ظن أنه خليفة الله على الأرض، وأن سلطته المدعومة من الأميركي والإسرائيلي أمر ثابت وعصي على السقوط في مهاوي العاصفة، التي تدنو منه حالياً، بعد ذاك التحدي المكشوف للدولة العظمى روسيا، الذي نتج عنه إسقاط طائرة السوخوي الروسية، وقتل طيارها، وهي تقوم بضرب عصابات داعش الإرهابية، وقافلة النفط المسروق من الشعب السوري، الذي يدعون حمايته ورعايته ويتولون مسؤولية من سيتولى قيادته في المستقبل، هذا إن نجحوا في مخططهم الآيل إلى الفشل والزوال حتماً، علماً أنهم هم من قتل الشعب السوري وما زال يقتله ويدمر بنيان وطنه عبر توليفهم ونشرهم عصاباتهم الإرهابية الداعشية المدمرة للبشر والحجر.‏

المحصلة أنهم لتاريخه قد فشلوا في ترتيب شرق أوسط جديد على مقاس عقولهم وضمائرهم السوداء، التي لا تراعي في مسار تنفيذ خططهم الإجرامية مصلحة الشعوب وحقوق الإنسان، بل إن أهدافهم، التي باتت مكشوفة وواضحة، هي عملية صفقات ومناورات باتت مفضوحة ومكشوفة للقاصي والداني، وغايتها السيطرة بالقوة على مقدرات الشعوب والأوطان، مهما كانت النتائج مأساوية وتدميرية، ومنها أيضاً غض النظر عن الخروقات الواضحة وضوح الشمس، للقوانين الدولية، التي ترعى سيادة الدول وحرية شعوبها.‏

المضحك المبكي أن يقف رئيس دولة تركيا أردوغان العثماني مهدداً روسيا وقيصرها بوتين الجبار، بإعلانه أنه لن يعتذر عن فعلته الإجرامية، بعد إسقاطه الطائرة الروسية على الأراضي السورية، مكابراً بحماقة واضحة عما جناه عقله، الذي ظن لوهلة أن ما يفعله سيكون له المردود الإيجابي عند أسياده في الحلف الأطلسي والسلطة الأميركية، وأن تثبيته سيدا ًللمنطقة مع رسم منطقة عازلة في شمال سورية، سيتم بالسرعة القصوى، ما دام الأمر والنهي له في تطويع وسير المعارك التي يقوم بها الروسي بالتنسيق مع الجيش السوري لاجتثاث الإرهاب الداعشي، الذي بات خطره في قلب أوروبا. نظراً لأنه الطريق المفتوح الأساس لكل وسائل وعناصر الدعم المالي والعسكري والبشري للعصابات الإرهابية، التي تعتمد اعتماداً كلياً على عبور ممراته وحدوده الآمنة التي فتحها لهم هذا الديكتاتور التركي من أجل خراب سورية والسيطرة من خلالها على دول المشرق العربي، ظناً منه أن مجد أمبراطورية بني عثمان ستؤول إليه من جديد. لهذا يقف اليوم متحديا الدولة العظمى روسيا، متخطياً الخطوط الحمر مع الجارة المتمكنة من حدودها مع تركيا، ومن قدرتها على حماية حلفائها وفي طليعتهم سورية، ومن قدرتها على جعل أردوغان الإرهابي هو الضحية الداعشية المنتظرة، التي ستنال جزاءها في المستقبل القريب من الشعوب الأوروبية في حين أن حكامهم، وخصوصاً في فرنسا وبريطانيا، باتوا على قناعة تامة، بوجوب المساهمة مع روسيا في حربها ضد الإرهاب الداعشي، عبر التنسيق مع الجيش السوري الذي يتقدم منتصراً على جميع الجبهات المفتوحة مع الإرهابيين، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون لم يعد باستطاعتهما تجاهل الخوف عند مواطنيهم من الإرهاب المتغلغل في كل من فرنسا وبريطانيا، خصوصاً بعدما شهدته العاصمة الفرنسية مؤخراً، من مجازر إرهابية متنقلة، وبعد التهديدات التي تتعرض لها بريطانيا وبلجيكا وحتى ألمانيا، ما جعلهم جميعاً يفكرون بجدية في موضوع القضاء على الإرهاب، الذي بدأ يغزو بلادهم، ونتائجه الوخيمة التي أدركته روسيا منذ البدء .‏

فروسيا هذه الدولة العظمى، التي لم تسجل في تاريخها أنها استعمرت أوطاناً، أو استبدت بمقدرات الشعوب وحرياتها وسيادة أوطانها، يشهد تاريخها، أن حلفاءها من زمن عبد الناصر والحياد الإيجابي وزعمائه من نهرو زعيم الهند إلى سوكارنو زعيم أندونيسيا إلى تيتو زعيم تشيكوسلوفاكيا إلى جمال عبد الناصر زعيم مصر، هو تاريخ مشرف بصفحاته الناصعة البياض،فروسيا كانت الحليف الوفي والصديق المؤتمن في السلم والحرب، تتعامل مع الشعوب والحكام من منطلق الحقوق والواجبات، وما تشهده الحرب الكونية في سورية ودعم روسيا المطلق لها، من بداية المؤامرة حتى اليوم هو تاريخ مشرف ونقي وصادق ووفي، من استعمال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، إلى الدعم العسكري المباشر الأخير لاجتثاث الإرهاب سوية مع الجيش السوري، إلى التحلي بالصبر والتروي في المفاوضات التي كان يقودها وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، بحيث كانت أميركا دائماً الحاضرة الدائمة في عملية تشويه الحقائق، وخلق الفبركات الاتهامية المزورة، التي لا تستند إلى وثائق مثبتة دولياً وقانونياً، والهدف تعويم البلبلة المطلوبة، التي تنتج غسل أدمغة الشعوب المستضعفة، أو من هم على قصر نظر، أو قلة اطلاع على عمق التفكير الأميركي وسياساته السلطوية، القائمة على نهب ثروات الشعوب ومقدراتها بالوسائل التي يرونها فاعلة، وفي الزمن الذي يرتؤونه، ظناً منهم أن خزعبلاتهم ومؤامراتهم ستبقى سارية المفعول، في حين أن الوعي الشعبي العام في العالم قاطبة، الناتج عن تقدم تكنولوجيا التواصل في عصر الألفية الثالثة، بات على يقين تام من مسارات السياسة الأميركية الكاذبة، الخاضعة كلياً لمخططات الصهيونية العالمية، الآيلة إلى نهب ثروات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج والسيطرة على دوله، عبر زرع الفتن الطائفية والمذهبية وخلق إسلام جديد عنوانه الإرهاب، المتمثل بداعش والنصرة وقبلهما بالقاعدة.‏

خلاصة القول إن المناورات والصفقات أصبحت لعبة مكشوفة ومشبوهة، ليس باتجاه سورية فحسب، بل أيضاً باتجاه رئاسة الجمهورية في لبنان، بحيث ظن الفريق المناوئ لصمود سورية والمقاومة، أن باستطاعته شق الصف الوطني المقاوم، بادعائه مؤخراً الحرص على لبنان، وهو الذي لا يملك قراره السياسي، وهذا ليس مخفياً على أحد من العامة أو الخاصة، من هنا تبقى الكلمة الفصل لسيدا المقاومة في لبنان السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون كشف هذا المخطط اللعين، وهنا المعني بالمقاومة ليست فقط مقاومة العدو الصهيوني التي يتولاها حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله، بل المقاومة السياسية التي يتولاها بوعي وإدراك ووطنية متميزة أثبتت حضورها وثباتها في حرب 2006، الجنرال ميشال عون..‏

فما يتمنونه ويعملون له من جراء نجاحهم أو تصورهم أنهم قادرون على زعزعة البنيان المرصوص الذي قوامه أيضاً، الوزير السابق والنائب الحالي، والوفي لخط لبنان وسورية ولتضامن القوى الوطنية، سليمان فرنجية، لن يؤتي ثماره، لأن صفقاتهم المشبوهة باتت على كل شفة ولسان، والمؤمن لا يلدغ من حجره مرتين، والكل يعلم أن لا انتصار للبنان دون سورية..ولا استقرار لبلد دون الاخر، فكلاهما في الهم واحد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية