|
تجارب شخصية وكان حظه أنه عمل مع عمالقة الإذاعة والتلفزيون والذين ساعدت رقابتهم الشديدة ومتابعتهم له ولزملائه على زيادة حبه لمهنته والعمل عليها وتطويرها. - رفض العديد من الفرص التي يقال عنها ( ذهبية ) والتي قدمت له للعمل في الفضائيات, وكانت حجته لهم أنه مثل السمك لايقدر على ترك الماء - وهو لايقدر على ترك الشام. حيث قال: عندي بلدي بالدنيا, ولست مستعداً للذهاب إلى أي بلد آخر. - عرف بقراءته نشرات الأخبار, وكان يطلب منه قراءة كل الأحاديث والتصريحات التي يدلي بها القائد الخالد إلى المحطات أو الإذاعات. - التقيناه, ليحدثنا عن مشواره الفني وتجربته الطويلة التي قاربت /45/ سنة من العطاء والعمل الجاد والصادق قائلاً: نشأتي ولدت في دمشق وأنا الأخ الأصغر لأخ أكبر وأخت, والدي أرمني هاجر من لواء اسكندرون واستقر في دمشق وتعرف على والدتي وهي بنت عرب من الميدان, تزوجها وعمل في صناعة ( المشط) التي كانت مزدهرة تلك الأيام لكثرة الطلب عليها بسبب انتشار القمل ولاسيما في الأحياء الفقيرة, حيث لم تكن المواد المطهرة الموجودة حالياً. درست المرحلة الابتدائية في مدرسة يوحنا الدمشقي في القصاع والتي كانت قريبة من بيتنا, أكملت الإعدادية والثانوية في الآسية في باب توما, وكنت طيلة فترة دراستي من المتفوقين, وكان يستغرب الناس من لغتي العربية السليمة ( نوعاً ما) رغم صغري آنذاك, والتي نفتقدها في شباب هذه الأيام. وهذا يعود بالدرجة الأولى لمعلمتي ( ذكية فرح ) رحمة الله عليها والتي كانت مديرة المدرسة الإعدادية. بعدها في المرحلة الإعدادية تلقفنا أستاذ في اللغة العربية / خليل مالك / الذي تميز بالصرامة والجدية.. وغيرهم من الأساتذة المتميزين. حلم الطفولة توفي والدي وعمري عشر سنوات وتولى رعايتي أخي الأكبر الذي كان بمثابة والدي .. وبعد نيلي الشهادة الثانوية. رغبت أن أحقق حلم الطفولة بأن أكون طياراً, لذا تقدمت إلى الكلية الجوية ونجحت , استدعيت للالتحاق بالكلية, ولكني لقيت ممانعة كبيرة من أخي رحمة الله عليه الذي توفي منذ ست سنوات, وكانت حجته أنه يخاف عليّ ولأن عائلتنا صغيرة ولايريدني أن أترك البيت وأهلي. وكان من الصعب عليّ رفض طلب له لهذا صرفت النظر عن هذا الموضوع. - وفي هذه الفترة سجلت بجامعة دمشق, وعملت مديراً لمدرسة ابتدائية خاصة تابعة للأرمن. أهملت دراستي بالجامعة.. وكنت مغرماً بسماع الإذاعات, أحب صوت عادل خياطة وصوت خلدون المالح وفؤاد شحادة, هؤلاء العمالقة الذين تعاقبوا على إذاعة دمشق قبل دخولهم في مجال التلفزيون. دخولي الإذاعة في عام 1962 أعلن عن مسابقة لاختيار مذيعين. تقدمت لها وكنت من الناجحين مع عدد من الزملاء هم ( أحمد زين العابدين ومحمد قطان وسمير رفعت والسيدة فطمة خزندار ). - عملنا في مجال الإذاعة بداية, وكان هناك إشراف دقيق على المذيعين, خلال هذه الفترة أهملت دراستي الجامعية تماماً. وكنت كل ثلاث سنوات انتقل من كلية لأخرى دون أن آخذ الشهادة. وسجلت في كلية الحقوق وبعدها في قسم التاريخ, وبقيت على هذا المنوال عشر سنوات أخذ عملي مني كل الوقت والجهد وبالمقابل كانت رواتبنا جيدة, تكفي وتزيد, مقارنة بالأسعار. إضافة لذلك كنت أعمل بالتدريس وهكذا إلى أن التقيت ذات يوم مدير عام الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عطية الجودة, وسألني عن الشهادة التي أحملها فقلت له:/بكالوريا/, فرد عليّ بكلمات قاسية أثرت فيّ, وقررت على أثرها متابعة الدراسة, ولكن لم يعد يسمح لي متابعتها في جامعة دمشق بسبب مضي عشر سنوات على الشهادة الثانوية. لذلك سجلت في بيروت ونلت إجازة في الأدب العربي خلال أربع سنوات. أهوى العمل الإذاعي بسبب حبي الشديد لعملي لم أكن أشعر بالصعوبات بعملي, ولأني أعتبره هواية , أحبه وأحترمه, فالمذيع الذي لايحب عمله ولا يحترمه لن ينجح فيه. كانت الرقابة شديدة جداً على كل مانقدمه ونذيعه ومنها النشرات. كانت المراقبة الأكثر على النشرات الإخبارية. فمدير الأخبار والتلفزيون يراقبها ويتابع الأخطاء, وفي حال وجود أخطاء غير لغوية تتعلق بالمذيع كالحضور ونوعية القراءة, يستدعى المذيع على الفور وينبّه على ذلك. ويوقف عن العمل لفترة في حال التكرار أحياناً. حالياً.. هذا الشيء غير موجود.. صحيح أنه يوجد مدققون لغويون ولكن لاتوجد رقابة على الشاشة والإذاعة. ومايظهر على الشاشة لايراه المعنيون إلا قلة قليلة منهم, ولهذا تكثر الأخطاء ولا أحد يراها ويدري بها, إضافة لهذا استسهال العمل الإذاعي والتلفزيوني وعدم إعطائه الجدية المطلوبة. 45 سنة في العمل المتواصل كنا نحترم عملنا كثيراً ومازلنا حتى الآن ورغم مرور 45 سنة على وجودي في العمل مازلت أحترمه, وعندما يكون عليّ تقديم نشرة أخبار, أكون في مكتبي قبل ساعتين لتحضير النشرة, أما الآن فلانجد ذلك عند المذيعين الجدد, فالبعض يأتي قبل خمس دقائق والبعض الآخر قبل دقيقتين وهمهم الأول الشهرة والنجومية وماذا سيقبضون, أما الاهتمام بهذه المصلحة وتطويرها فهوغير موجود ولايتقبلون النصيحة ولايسمعون الملاحظة من أحد. لم تغرني المحطات الأخرى لدينا الإمكانيات الجيدة في سورية إذا استطعنا توجيهها. وستكون أفضل مما نراه على الفضائيات اليوم. - أنا لست ضد المذيعات والمذيعين الجيدين الذين فضلوا العمل في محطات خارجية. بل عليهم الدخول في التجربة. وينطبق هذا على المهندسين والمصورين فهم يعملون في دول الخليج ويبدعون بعملهم. ونحن بدورنا علينا تشجيعهم, فهم سفراء لنا وأكبر مثال على ذلك: لونا الشبل التي تعمل بالجزيرة, وزينة يازجي بالعربية وابراهيم القاسم بالعربية, فإضافة إلى الشهرة التي حققوها. العروض المادية مغرية جداً. ولاشك أننا خسرناهم, ولكن يوجد أمثالهم وربما أفضل إذا أحسّنا الانتقاء والتوجيه. - بالنسبة لي لم تغرني المحطات الفضائية وقد عرض عليّ العمل في قطر عندما جاء وفد لمقابلة المذيعين ورفضت الذهاب وقتها, فطلب سفير قطر من هاني الروماني أن يخبرني أنه مستعد لمضاعفة الراتب إذا كان لايعجبني, فكان جوابي (لو يعطوني بير بترول لن أذهب خارج البلد ). - وعرض عليّ عمل آخر في دبي ورفضته والسبب أنني أحب العيش في بلدي على الحلوة والمرة. وعندي بلدي بالدنيا ولست مستعداً للذهاب لأي مكان آخر, وبالأخص لأن القائد الخالد ( حافظ الأسد ) كان لايرفض لنا طلباً, وإذا طلبنا مقابلته خلال أسبوع نكون مجتمعين معه ومشكلاتنا محلولة كلها. - أحب عملي وأحترم القائمين عليه وأسمع ملاحظات كل الأصدقاء والمعنيين ولو كانوا شباباً وأصغر منيّ, وتربطني صداقات قوية بمن سبقوني وبالموجودين حالياً سواء من المديرين أو الموظفين والمعدين والمخرجين. وبرأيي إن الاحترام المتبادل هو الأساس الذي نبني عليه علاقاتنا وهو موجود في مجال عملنا إذا أردنا ذلك كأي مكان آخر. مواقف أحزنتني - أول موقف كان له الأثر الكبير في نفسي, عندما دعيت لقراءة نبأ استشهاد ( باسل الأسد), حزنت كثيراً لدرجة أني لم أتمالك نفسي أثناء قراءة الخبر وبكيت على الشاشة. - والمرة الثانية عند قراءة نبأ وفاة الرئيس الخالد رحمة الله عليه, إذ كان من الصعب قراءة هذين الخبرين. - كنت بشكل دائم أقرأ كل الأحاديث التي كان السيد الرئيس يدلي بها إلى المحطات أو الإذاعة أو التلفزيون, ولا أحد يقرؤها سواي. هكذا كانت التوجيهات. وهذا من الأسباب القوية التي جعلتني لاأغادر البلد. أما الآن للأسف: يحزّ في نفسي أن أجد مذيعاً رياضياً يقرأ حديثاً للسيد الرئىس, وعندما نلومهم على ذلك يقولون: إنه لايوجد مذيع. وكيف يمكن لمذيع مختص بالرياضة أن يؤدي حديثاً للرئيس فلابد من الاختصاص في هذا المجال, فأنا مثلاً, من المستحيل أن أكون مذيعاً للرياضة لأن المذيعين الرياضيين لهم نمطهم وأسلوبهم. - أما الاعتزال فلا أفكر فيه وليس وارداً بذهني هذا الأمر, فأنا مثل السمك الذي لايمكنه العيش خارج الماء. حلم قد لايتحقق - الشيء الذي أحلم به وأراه قد لايتحقق, أن تكون شاشتنا منتشرة وأن يشاهدها جمهورها. ويبدو أن هناك أسباباً كثيرة لعدم تحقيق ذلك. لأني أرى الناس يهربون لمشاهدة المحطات الأخرى حتى الأخبار الرئيسة لايسمعونها من شاشتهم ( فأخبارنا نسمعها من غيرنا). |
|