|
ثقافة كلماتٌ, للياسمين والورد الشامي عبق خاص في مفردات من قالها,
بل في أعماله التي بلغت أكثر من ثمانية وعشرين مجلداً, والتي دلَّ أغلبها على إعجاب مؤلفها بالعرب, وكذلك على اهتمامه وإشادته بهم, وبطريقةٍ جعلته لايكتفي بتعقّب آثارهم وإنما أيضاً, بالغوص في أعماق حضارتهم وشخصياتهم وبطولاتهم, وبما دلَّت عليه عناوين كثيرة من مؤلفاته التي منها «عبد الله» و»اسماعيل الصغير» و»هاجر» و»اللؤلؤة العربية».. المثير للاستغراب أن اهتمام هذا المعجب بالعرب, رافقه إشاحة ورفض ولا مبالاة بشعوب الغرب. أولئك الذين قال عنهم بعد أن جاب أنحاء بلادهم وعرفهم: «ذلك هو منطقهم الذي رفع من قيمة البلطجي. ايرلندي أو مرتزق هندي, ممن خدم الدول الأوروبية على حساب عربي من المتبصرين في الأمور. المترفعين عن الدنيا, والذين لا تثبط عزمهم هزيمة ولا يعرفون التخاذل حيال الفارق العددي بينهم وبين أعدائهم». أما من قال كل هذا, فالأديب والشاعر والمناضل الكوبي «خوسيه مارتي» الذي ولد في «هافانا» لأبوين اسبانيين, رغم فقرهما إلا أنهما اعتنيا ببداياته, وبشكلٍ جعله لا يكاد يبلغ الخامسة عشرة من عمره, إلا ونتاجه خصب الترجمة والأدب والشعر, ليكون أول ما قدَّمه المسرحية الشعرية «عبد الله» التي كانت مليئة بحب الوطن. وطنه الذي قدمه فيها كأرضٍ عربية, يقاتل شعبها عدوه بشجاعةٍ وبطولة جسدهما في المسرحية التي أختار أبطالها من العرب.. من يومها, والحديث عن كلِّ ما يتعلق بالعرب, لا يخلو من أي عمل من أعماله. تلك الأعمال التي بدأ بكتابتها منذ مرحلة دراسته ونضاله المبكر, مروراً بفترة إقامته الإجبارية في اسبانيا التي نفي إليها بتهمة التحريض على التمرد, ومن ثمَّ مرحلة ممارسته للصحافة في الولايات المتحدة, وهكذا.. إلى أن وقع شهيداً متأثراً بجراحه وعلى أرض المعركة في كوبا.. بيدَ أن حبه وولعه بالعرب, هو من جعله يتطرق في كتاباته إلى مختلف معالم حياتهم وحكمتهم.. تاريخهم وحضارتهم.. عاداتهم وتقاليدهم.. أساطيرهم وحكاياتهم, وسوى ذلك مما تعرف عليه خلال إقامته في إسبانيا التي أكثر ما عرف فيها وامتدحه في أشعاره, أقواس دمشق ومنسوجات وعطور الجزيرة العربية وتماثيل الفراعنة, وهو ما كان دافعاً إضافياً لتلك الحرب التي شنَّها على الحماقة والأنانية والتعصب.. حماقة وأنانية وتعصب أولئك الذين نكروا فضل العرب عليهم دون أن يعنيهم إلا الغزو وصراعات المصالح على الأرض العربية.. «إن الفن البيزنطي قد تعدَّل بفضل التأثير العربي, وإن ثقافة هذا الشعب قد أثرت عقول الغزاة الأوروبيين».. كل هذا, جعل ذاكرة هذا الأديب المناضل, مليئة بالإعجاب و الامتنان, ولمناضلين عرب منهم «عبد القادر الجزائري» و«أحمد عرابي» و«محمد علي» ودون أن تتوقف كتاباته عن تأييدهم والتعاطف معهم: «إن فرنسا كانت تحلم منذ عصور سابقة بحكم تونس والسيطرة على قناة السويس, والخطَّاف البريطاني يودُّ وخزَ خاصرة الجواد المصري, وابن الصحراء الكريم يئنُّ تحت ضربات السوط». أخيراً, ماعلينا إلا أن نختتم الحديث عن هذا الأديب والشاعر, بل والمناضل الذي استشهد في أرض المعركة مع القوات الاسبانية, ما علينا إلا أن نختتم بأمنيته التي قال فيها: «لا تتركوني في ظلمة الديجور.. أموت كما الخونة المارقين إنسانٌ صالحٌ أنا, ولأني هكذا..منطلقاً إلى الشمس سوف أموت».. |
|