|
الافتتاحية في انعكاس عملي لحالة الترهل الواضح في سياق الخطاب الغربي الذي أنتج نصاً قابلاً للتمرير داخل مجلس الأمن، لكن لا يقبل الصرف ويواجه معضلة الترجمة على أرض الواقع، ويعاني من نقص مناعة مزمن في الصياغة والتفسير. ولعل التوضيح الفرنسي الذي جاء على لسان فابيوس بدا أكثر غموضاً من النص ذاته، وربما بصورة أكثر التباساً وحمّال أوجه في العديد من تفاصيله، حيث الطلب من الجميع أن يقوم بواجبه حيال مواجهة داعش تحديداً لا تأتي عبر بيانات تحتاج إلى إعادة تفسير أو إلى شرح يفوق ما في نصوصها أو يزيد عنها، ولا هي عبر الضخ المتنامي في شغور النص غير الملزم من أي إضافات نوعية، ولدى مجلس الأمن ما يكفي من قرارات لو طبقت لكانت أنتجت ما هو أهم بكثير من ذلك الشرح والتفسير، وتحديداً فيما يخص دور حلفاء فابيوس في الصفقات المشبوهة من تمويل ودعم للإرهاب. فالغرب... لا يبدو في عجلة من أمره في مواجهة الإرهاب، وتحديداً أميركا، بدليل أن الخطوات التي تتخذها في أغلب الأحيان تحاكي واقعاً غربياً يميل إلى التثاؤب على حافة الهاوية وداخل حقول الألغام الإرهابية المتنقلة، أو تلك العابرة للحدود والجبهات، بما يشكله من محاكاة إضافية تؤكد استمرار التعويل على الإرهاب بأجنداته المتحركة، بما فيها ما يفعله في قلب أوروبا وغيرها. فالقرار الدولي الجديد لم يقدم ما يشير إلى رؤية معدلة بقدر ما ثبّت نقاط المشاغبة على القرار الروسي المعدّ والمقدّم مسبقاً، وليس هناك ما يشير إلى أن حسن النية الروسية في الموافقة على النص الفرنسي قد لاقت صداها في الدوائر الغربية، ولم يقرأ فيها صانع القرار الغربي مؤشراً يمكن التوقف عنده، أو سلّماً يصلح للعودة عن مواقفه السابقة، وسط مقاربات الغرب المتعددة والمتباينة أحيانا، ولو كان ذلك في حدود ضيقة، بقدر ما يحاول قطع الطريق على النص الروسي القابل للتنفيذ ويحمل نتائج التجربة الروسية القادمة من الميدان وبالوثائق. على هذا الأساس.. ثمة من يرى في الصراخ الغربي والتهويل والمبالغة في التهديد والوعيد حيال داعش، مجرد ظاهرة صوتية سرعان ما تلاشت مع أول اختبار عملي للنيات، بل هناك من يجزم بأنها ليست أكثر من محاولة لإثارة الغبار وامتصاص ردة الفعل الشعبي الغربي، أكثر مما يستدل منها الرغبة في التعاطي بجدية مع حالة الاستنفار السياسي.. فيما الحشد الإعلامي لم ينتج سوى بروباغندا إعلامية دعائية تستنفد الوقت وتضيع الجهد. غير أن هذا لا يلغي الحقيقة الأكثر وضوحاً بأن المحاولة الغربية برمتها لا تعدو كونها فعل عبثي لسحب البساط من تحت قدم الروسي، بعد أن أثبت علو كعبه في ميدان مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد أن كشفت مشاركته الجوية عن ضحالة التحالف الأميركي ومحدودية وجوده الميداني، والأخطر كان تسليط الضوء على خبايا لم يكن متاحاً الوصول إليها لولا التنسيق السوري الروسي، وتحديداً ما يتعلق بمصادر تمويل داعش سواء من النفط الذي يمر بمعرفة أميركية وحماية تركية، أم من خلال قنوات تمويله القادمة من دول تذيّل بها أميركا قائمة حلفائها المعتمدين. النفاق الغربي يكمل خطواته بلبوس الحشد والدعاية الكاذبة، والمراوغة تستمر برداء البحث عن مزيد من معابر إضاعة الوقت والجهد الفعلي لمواجهة الإرهاب، لكنه هذه المرة يلعب في الوقت الخطر، ويقطع المساحة في المدى المجدي لعمليات الإرهاب التي طالته في عمق وجوده وقلب حصانته، وتلك هي المعضلة التي تفخخ الخطوات الغربية. ولم تكن الخطوة الفرنسية بعيداً عن حقول الألغام الملتبسة التي تزرعها دبلوماسيتها في نصوص تصلح لمطالعات سياسية، لكنها لا تؤسس لتحالف حقيقي، ويمكن لها أن تشكل مادة للنقاش السياسي، غير أنها لا توفر الأرضية الفعلية لمكافحة الإرهاب، وربما تفيد في المزايدة السياسية والدعائية لحكومة هولاند وفابيوس، لكنها بالتأكيد لا تستجيب للحد الأدنى من حاجات الفرنسيين، ولا تترجم رغباتهم ومطالبهم ولا تحول دون تكرار مشاهد الجمعة الحزينة. |
|