تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لقاء... من الزفتيَّة إلى حضرة باب الجابية..الروائي أيمن الحسن: مشغول بالهم الوطني الإنساني.. منحاز إلى الفقراء

ثقافة
الثلاثاء 25-9-2018
فاتن دعبول

ذاكرة المكان ضرورة في أعمالنا الأدبيَّة تعني التأكيد على إنسانيِّتنا, نحن أبناء سورية الموغلين في الحضارة والإبداع,

وما تشهده بلادنا هذه الأيام يدلِّل على حضور كبير للمكان داخلنا, فما إن تتحرَّر منطقة من سيطرة المسلَّحين, وتعود إلى حضن الدولة السوريَّة, حتَّى يرجع أهلها إليها مستبشرين فرحين.‏

الأدب وحضوره الحتمي في ظل ماتتعرض له البلاد من أزمات وحروب, ودوره في نقل وتوثيق الحدث في الزمان والمكان يشكل شاهدا حيا على العصر, ولكن كيف يمكن للأدب أن يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية بكل ماتحمله من مشاعر مع الاحتفاظ بذاكرة المكان..‏

• ترى هل مازال الأدب يعنى بذلك؟‏

•• لأنَّني ابن إنسان كادح, جاء من قرية في أقصى الشمال السوريِّ اسمها العمارنة, أهلها أناس طيِّبون, يعملون بالزراعة, ويحبُّون أرضهم كثيراً.‏

كانت طفولتي الأولى بين عمَّال الفاعل المهمَّشين اجتماعيّاً وسط ساحة باب الجابية, فانتميتُ إليهم, وهم لا ينالون إلَّا البؤس والتعب المضني, مع أنَّهم يقومون بالأعمال الصعبة: يبنون البيوت, ويؤثِّثونها للعيش الرغيد, فهم جذر الحياة في المدينة, ثمَّ سكنتُ في منطقة الزفتيَّة وسط جيراني الَّذين يعانون من ظروف قاهرة فظيعة بسبب نزوحهم من قراهم الخيِّرةفي الجولان السوريِّ المحتلِّ, وعايشت إيمانهم الأكيد المطلق بحتميَّة رجوعهم إلى بيوتهم مهما يطل الزمان.‏

لهذا, فأنا وفيٌّ لهؤلاء العمَّال الَّذين عايشتهم, وأتبنَّى نظرتهم المشروعة بأن يعيشوا عيشة كريمة بلا بؤس ولا قهر, ولهذا أيضاً عشت مع إخوتي النازحين حلمهم في أن يعودوا إلى أراضيهم التي اغتصبها الصهاينة خلال عدوان حزيران الغادر سنة 1967.‏

على فكرة: وعدَ جيراننا أبي بأنَّهم حين يعودون إلى قراهم المحرَّرة في الجولان العربيِّ السوريِّ سنبقى جيراناً, كما كنَّا في منطقة الزفتيَّة.‏

• ذاكرة المكان حجر وبشر وشجر, تتَّقد في كلَّ ماتقدِّمه من الزفتيَّة إلى حضرة باب الجابية, لتكرِّس في المشهد الروائيِّ السوريِّ قيمة مهمَّة لجماليات المكان الَّتي نسيها المبدعون فكيف تعبر عن ذلك؟‏

•• تأتي جماليَّة المكان في اعتقادي من خلال عدم سكونيته, ولا حياديته مع البشرساكنيه, بل بتأثيره في الناس الموجودين فيه, وتأثرهم به, فالزفتيَّة حيث سكن النازحون منطقة بائسة, لكنَّها مهمَّة لهم, لأنَّها احتضنتهم مثل أبنائها, وكانت أثيرة على قلوبهم, مع أنَّها مكان طارئ ومؤقَّت بانتظار رجوعهم إلى قراهم, ومزارعهم, وبيوتهم, في هضبة الجولان السوريِّ.‏

كذلك ساحة باب الجابية كنت أحسُّ, والمطر يهطل بغزارة, فيمنع شغيلة الفاعل من العمل, كأنَّ ساحتها الواسعة تبكي هؤلاء العمَّال «أبناءها المساكين البائسين» الَّذين إن اشتغلوا أكلوا, وإلِّا ناموا على لحم بطونهم جائعين.‏

وهنا أؤكِّد أنَّ الحفاظ على المكان قيمة إنسانيَّة ضروريَّة, فالزفتيَّة الآن غير موجودة, وقد غدت أثراً بعد عين, خلَّدته رواية أبعد من نهار في دفاتر الزفتيَّة.‏

وأنا أعدُّ مدينة دمشق مكاناً صديقاً, حسب تصنيف باشلار, فقد قابل أهلها «حسن الحسن» المكنَّى «أبو طنُّوس» بمودَّة, وفيها التقى بنتَ النبك «أميرة زخَّور» الَّتي أصبحت أمَّي, بعد ذلك آوتنا بيوتها, وحضنتنا مدارسها, وعندما مرضنا لجأنا إلى مشافيها فداوتنا...‏

علاقتي بهذه المدينة علاقة حبٍّ, تجذَّر على مرِّ الزمان, إذ ولدت في منطقة الزبلطاني مدخلها الشماليِّ حيث كان والدي يملك معملاً للموزاييك والبلوك, قبل أن يلتحق بخدمة العلم, ثمَّ يقع الانفصال البغيض في الجمهوريَّة العربيَّة المتَّحدة بين الإقليمين الشقيقين الشمالي «سورية» والجنوبي «مصر».‏

وفيما يتعلق بالمشهد الروائيَّ أرجو أن أكون قد وضعت لبنة صغيرة في الإشارة إلى قيمة وجماليات المكان السوريِّ الأليف والحميميّ.‏

• أبطالك من لحم ودم. هل للسيرة الذاتيَّة علاقة بذلك؟‏

•• أمنيتي القلبيَّة أن أكتب سيرتي الذاتَّية من خلال سيرة وطني, أو لنقل مدوَّنة سوريَّة فيها بعض سيرتي الشخصيَّة, وقد كنت خطَّطت أن تصدر «في حضرة باب الجابية» قبل «أبعد من نهار» لأنَّها أسبق زمنيّاً, فالأولى, وأنا طفل, لذلك جاء عنوانها الثاني (طفل البسطة) والثانية, وأنا يافع في (دفاتر الزفتيَّة).‏

وبهذه المناسبة أشكر أستاذي الشاعر الكبير خالد أبو خالد الَّذي ظلَّ يطالبني بالعمل على «البديلة» عنوانها المقترح الأوَّل, وأن أجعل الخواجة أفلاطون عربيّاً, إلى أن قدرني الله, وصدرت «في حضرة باب الجابية» مؤخَّراً مع العرفان الجزيل لكلِّ من أسهم معي في إخراج هذه الرواية إلى النور.‏

أمَّا أنَّ الأبطال من لحم ودم, فشهادة أعتزُّ بها, لأنَّ الشخصيات المقنعة, والَّتي تُشعِر القارئ بأنَّها حيَّة وطازجة, من عوامل نجاح الرواية, وربَّما لأنَّني شاهد على الحوادث, ومجريات الحياة في روايتي كتبت بصدق أكثر, وكما يقال ما يخرج من القلب يقع في القلب.‏

• هندسة اللغة واقتصادها في كلِّ أعمالك الإبداعيَّة, كأنَّها مقيسة بالمسطرة فهل للدراسة والتخصص تأثيره في ذلك؟‏

•• ممكن لأنَّني مهندس مدنيٌّ, خريج جامعة دمشق, وعملت في حقل الهندسة منذ تخرُّجي حتَّى قبل سنوات قليلة, إذ انتقلت إلى وزارة الثقافة/الهيئة العامَّة السوريَّة للكتاب.‏

ولئن كانت الهندسة المدنيَّة تعنى بالدرجة الأولى بدراسة مواد البناء المتنوِّعة, والإنشاءاتِ العديدة مع صفاتها وخواصها الفيزيائيَّة والكيميائيَّة, كذلك تحمُّلها وحمولاتها الممكنة أوالقصوى... إلخ, فإنَّها في الوقت نفسه تحمل رؤية جماليَّة, وعليه فلا نرى بناء شاذاً, لا يروق لنظر المشاهد, كذلك المنشآت الهندسيَّة على اختلافها الكبير تكون مصمَّمة بجمال وفنيَّة عالية من خلال التناسق والانسجام للكتل المكوِّنة لها مع بعضها.‏

• خلال إشرافك وإعدادك لنقاشات حول الروايات السوريَّة, هل استطعت تلافي مايوجهه النقد لها؟‏

•• سؤالك مهم وعمليّ, فقبل حوالي سنتين بدأت, بمشاركة مجموعة من الأصدقاء أدباء ونقاداً أكاديميِّين, بإقامة فعاليات نقديَّة في مراكز عدَّة, لا سيَّما ثقافي المزة وأبو رمانة حول نتاجات سوريَّة لكتاب مغمورين من شتَّى محافظات القطر العربيِّ السوريّ.‏

وبهذه المناسبة أدعو كل من لديه كتاب جديد في أيِّ جنس أدبيٍّ أن يزوَّدنا بثلاث نسخ منه, لنقوم بعقد ندوة نقديَّة حوله: يمكن إيصال هذه النسخ إلى أحد المركزين المذكورين أعلاه, أو إلى الهيئة العامَّة السوريَّة للكتاب, أمَّا ما يتعلق بالنقد, فأجزم أنَّه رافعة لتطوَّر الأدب, أيّاً كان جنسه وصولاً إلى الأفضل إبداعيّاً, وفيما يتعلق بتلافي ما يوجهه النقد من ملاحظات جديرة بالاهتمام, فأعترف أنَّني استفدت كثيراً من هذه النقاشات الَّتي يقوم بها أساتذة أكاديميون, وأدباء مخضرمون, يكنُّون احتراماً كبيراً لأصحاب الأقلام الجديدة المبدعة, وما أكثرهم في بلدنا الحبيب سورية.‏

• مابين القصة القصيرة والروايةحكاية أديب فكيف رسمت محطاتها؟‏

•• أنا في الأساس قاصٌّ, بعد خمس مجموعات قصصيَّة كتبت الرواية, ربَّما لأنَّني أمتلك فائضاً من القول الَّذي يمتدُّ على مدى زمنيٍّ أوسع ممَّا تحتمله القصَّة القصيرة, وفيه طيف كبير من الشخصيَّات, والحوادث المعبِّرة ذات الدلالة, لا سيَّما إذا اقترن الهدف بمشروع سِيرويٍّ وطنيٍّ ذاتيّ. وأعتقد أنَّ روايتي الثالثة ستكون مميَّزة عن سابقتيها, و «غير شكل» إن شاء الله.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية