تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلهام سليمان في تجربة ما بعد التقاعد..مشــاهد مســتعادة مـــن ذاكرتهــا البصريـــة..

ثقافة
الاثنين 17-2-2020
أديب مخزوم

تقول الفنانة التشكيلية د. إلهام سليمان: أنها بدأت الرسم في وقت كانت فيه بحاجة إلى متنفس، يخفف من معاناتها النفسية والبدنية، وبأن علاقتها بالرسم تعود لأيام دراستها الابتدائية،

‏‏

حين اكتشفت معلمتها موهبتها، إلا أنها أجلت معرضها الذي أقامته في المركز الثقافي بكفر سوسة، لأعمالها التي أنجزتها في مرحلة ما بعد التقاعد, وسبق لها أن شاركت ببعض معارض المركز التربوي في المزة, وشاركت معهم في المعرض الذي تقيمه الإدارة السياسية تحية إلى تشرين, إضافة لمشاركتها في معرض تكريم الفنانة سوسن جلال، في ثقافي كفر سوسة، خلال العام الماضي 2019, وثمرة تجربتها توجهها إلى كل سيدة ومتقاعدة للعمل ومتابعة مشوار الفن والجمال والحياة، لقتل الوقت بكل جميل ومفيد، كيلا يقتلنا، على حد قولها.‏‏

بين طبيعة البلقان‏‏

وفي لوحاتها استعادت تداعيات من ذاكرتها ومخزونها البصري وتأملاتها في الأمكنة التي عاشت فيها، خلال إكمال دراستها العليا للآداب في بلغراد، في جمهورية يوغسلافية الاتحادية, قبل أن تتشظى إلى دول سبع نتيجة الحرب (صربيا، الجبل الأسود، مكدونيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك وكوسوفو) ثم عينت في كلية الآداب في جامعة دمشق, ولقد عادت الى ربوع البلقان، وعاشت فيها ما يقارب 14 عاماً، قبل أن تعود بشكل نهائي، إلى الوطن عام 2012 وتحول الاستيداع تقاعدأُ لأسباب صحية، ولتعود الى شغفها وهوايتها القديمة في الرسم الواقعي حصراً.‏‏

ومشاهد طبيعة البلقان الساحرة، التي عاشت بين أحضانها، خلال تحضيرها لدرجة الدكتوراه, والتي عادت إليها بعد ربع قرن، تطل في لوحاتها كرمز لحلم مستعاد أو ليقظة رومانسية، لأنها المدخل لتسجيل سياق النغم التصويري المنضبط بأصول وقواعد ومعادلات جمالية.‏‏

ولقد جسدت مشاهد الطبيعة والمرأة والزهور بأداء واقعي، يصل الى حقائق الأشكال في ظلالها وألوانها واضوائها, ومن هذا المنطلق فهي تعتمد على الدقة في التأليف والدراية في التلوين، ورغم كل الاهتمام بالصوغ الشكلي واللوني المنظم، نستطيع أن نلمس في بعض لوحاتها (قياسات متوسطة - اكريليك على قماش، ومائي وأقلام خشبية ملونة على كانسون) لمسات عفوية، تحقق حالات التفاعل الذاتي مع عملها الفني.‏‏

لوحات لعامة الناس‏‏

‏‏

وتبدو لوحاتها، زاخرة بمشاهدها الحميمية, وقادمة من معطيات ذاكرتها البصرية، وهي تبدو في مظاهرها وإيماءاتها الواقعية، منفتحة على الأجواء اللونية، بوهجها وبريقها الضوئي، حيث ترسم بمنطق عقلاني، باحثة عن أناقة الشكل وإغراءات اللمسة المدروسة، وإيماءات التكوين، والحنين إلى عوالم عرفتها عن قرب خلال دراستها واقامتها، حيث نرى إشارات ورموزا وعناصر الطبيعة والمشاهد الريفية والبحرية، تطل وبقوة عبر استعادة الأجواء المترسخة في الذاكرة والوجدان.‏‏

وهذا يعني أنها تقوم بتجسيد حالات من المنظور الحامل مدى ومناخ الفضاء الواقعي الرحب، المقتطف من حضور تفاصيل المشهد، دون أن تخون مشاعرها الذاتية، التي سرعان ما تظهر عبر لمساتها العفوية المقروءة في بعض لوحاتها, والإيقاعات اللونية العفوية هي موسيقا بصرية، هي حركة إيقاعية تصاعدية تناغم بين اللمسة العفوية والتجسيد الواقعي, الذي تعمل من خلاله لاستعادة بقايا معطيات ذكرياتها، كأنها تقدم اللوحة المرسومة من الداخل والخارج معاً.‏‏

والهاجس الواقعي الذي تمارسه يساهم في تقريب الفن التشكيلي من الناس، وبالتالي يكسر حالة القطيعة القائمة بين الجمهور واللوحة في البلدان العربية، لأن الصياغة الواقعية تجسد سمات العودة إلى الأصل، أي إلى الشكل الواضح والمفهوم, من مختلف الأعمار والشرائح والمستويات العلمية والثقافية، والألوان القوية لها علاقة بذاكرة الإضاءة في المشهد المحلي، والتي تتخذ في أكثرية لوحاتها طابعاً شرقياً,ومن الواضح أن أعمالها الجديدة, تشكل حقلاً للألوان المتقاربة.‏‏

بين الشفافية والكثافة‏‏

فالطبيعة الخلوية والريفية هي نقطة الارتكاز الأساسية في تجربتها, تعمل من خلالها للوصول إلى خصوصية عبر تقنيات متعددة أو متنوعة تتفاوت بين الشفافية والكثافة, وهي تتجه إلى المباشرة في تقديم المشهد الواقعي, مع رغبتها في أن تبوح بهواجسها, بصدق وأمانة, زاهدة بكل شيء, وبذلك تريد أن تقول لنا أن الفن هو ضرورة حياتية، وليس مظهراً من مظاهر الترف الثقافي او الحضاري, حتى إنها عادت إليه كمتنفس بعد رحيل زوجها، الذي كان مشجعها الأول, حين بدأت خطوات العودة إلى الرسم، ولقد حققت بعض أمنياتها بعرض لوحاتها، وإهداء بعضها الى أحفادها.‏‏

هكذا تجهد في لوحاتها لصياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي أحبتها، وأرادت البقاء في إطارها, تلك التي تحقق مرتكزات الفن الجماهيري، فالرسم الواقعي الذي تمارسه يرتكز على تقنية الرسم الواقعي، لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية، وتبدو بمثابة عوالم رومانسية لحلم طفولي مستعاد،وتجاربها التي كرست لها مزيداً من الوقت والصبر والجلد الطويل، في السنوات الأخيرة، تشكل الدافع الأول لإيجاد ركائز مرحلتها القادمة، والوصول إلى لوحة فنية لها علاقة متينة مع المناخ الذاتي، والاتجاه دائماً نحو المزيد من الاستقلالية والأسلوبية.‏‏

facebook.com adib.makhzoum‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية