تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


والنقد يستشرف آفاقه

ثقافـــــــة
الاثنين 27-5-2013
 يمن سليمان عباس

يمثل النقد حالة ثقافية متميزة بل هو خلاصة الرأي في الإبداع كله وفي نظرياته وسياقاته، ولكن ماذا عن نقد النقد واستشراف آفاق نظرية نقدية عربية خالصة، كثيرون حاولوا ذلك ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور المرحوم تامر سلوم في كتابه نظرية اللغة والجمال في النقد العربي.

واليوم نقف في الرؤى الاستشرافية عندما طرحه الدكتور وهب رومية في الحديث عن النقد واستشراف آفاقه وقد جاءت تحت عنوان «نحو رؤية نقدية عربية معاصرة» جاء ذلك في دراسة له صدرت تحت عنوان من قضايا الثقافة وهذه الدراسة استشرافية بكل ماللكلمة من معنى ويهمنا الآن أن نصل إلى خلاصة استشرافه النقدي والذي يقدمه من خلال مجموعة اقتراحات يبدأها بالقول: يجب أن أسجل ابتداء أننا هنا أمام اختيارات مواقف لا اختيارات أفكار وإن كانت أفكاراً متضمنة في المواقف بل أساساً لها.‏

وأحسب أن من حق العلم علينا ألا ننخدع بحيوية الحركة النقدية المعاصرة وشيوعها وأن نقرّ بأنها موضع تساؤلات واستفسارات كثيرة، بل موضع اتهامات مضمرة حيناً وصريحة أحياناً، وليست تجدي المكابرة وإنكار هذه التساؤلات والاتهامات فإن المكابرة مطية الأهواء وإن الأهواء إما الخطأ وأبوه، ولا يكفي أن يظن ظان أنه حين سينتهي من كلامه سيهتف الجميع: لقد جفت الأقلام ورفعت الصحف.‏

لا بد إذاً من الانفصال عن الحركة النقدية وتأملها من بعد إذا أردنا لرؤيتنا أن تكون واضحة سليمة أما إذا ظللنا ننظر إليها ونحن غارقون في جزئياتها ودقائقها فإن نظرتنا ستكون انعكاساً لتصوراتنا الذاتية أو ستكون في أحسن الأحوال نظرة ينقصها الشمول والدقة والوضوح بيد أن تأمل هذه الحركة من بعد لا يفضي إلى ردود حاسمة على تلك التساؤلات، بل يمكننا من رؤية المشكلة فإذا أحسنا صياغة الأسئلة المتصلة بها نكون قد حددناها وشرعنا بالسير في طريق الحل وينبغي أن تراعي هذه الأسئلة تفاوت القضايا التي تدور حولها من حيث الأهمية، فالنظر إلى القضايا الصغيرة والكبيرة على أنها ذات أهمية واحدة وحجم واحد دليل اختلال النظر.‏

وفي ضوء ما سبق صغت مجموعة من الأسئلة/ القضايا تشكل في ظني حاضناً خصباً لحوار هادئ جاد وتحدد الإطار الذي ينبغي أن تدور داخله جهودنا النقدية إذا أردنا أن تكون هذه الجهود خادمة للثقافة العربية ولقد اكتفيت بإثارة رؤوس القضايا ممسكاً عن الجواب ثم ختمت بعدد من التوصيات.‏

أسئلة حول تحديد المواقف من المفاهيم‏

أ- من نحن؟ لا بد من تحديد انتمائنا، أنحن عرب أم نحن سوريون ومصريون ويمنيون... إلخ.‏

ب- مفهوم الثقافة: ما مفهمومها؟ ما طبيعتها؟ وما وظائفها في المجتمع؟ وهل يمكن بناء ثقافة عربية لها خصوصيتها في زمن العولمة؟‏

ج- مفهوم النقد: هل النقد علم أم فن؟ أم يقع موقعاً متوسطاً بين العلم والفن؟ وما علاقته بالثقافة؟ هل هو جزء عضوي منها يؤدي وظيفته النوعية بانسجام وتكامل مع وظائف الثقافة المجتمعية؟ أم هو نشاط خاص لا علاقة له بالقيم الوطنية والقومية؟‏

د- مفهوم الشعر: هل هو بنية لغوية معرفية جمالية معاً؟ أم إن العنصر المعرفي هامشي فيه؟ أي هل محمولاته الاجتماعية والسياسية والروحية والثقافية والعاطفية جزء جوهري منه أم لا؟ باختصار: هل طبيعة الشعر (كيفية القول) فلا قيمة لها؟ وهل الظاهرة الشعرية معزولة لا علاقة لها بالظواهر الاجتماعية المواكبة لها أم إنها ذات علاقة وثيقة بها؟‏

هـ- مفهوم التراث: ما موقفنا منه؟ هل هو موقف القطيعة أم موقف التقديس والاحتماء به والانقطاع إليه وحده؟ أم هو موقف الاتصال والانفصال المتزامنين؟ هل يمكننا قراءة هذا التراث بمفهومه الخاص (النقدي والبلاغي واللغوي والنحوي والعروضي) قراءة علمية تحليلية تستبقي عناصره الحية القابلة للنماء والتطور، وتنفي العناصر الميتة التي غدت من تاريخ العلم؟ هل ما يزال شعار الأصالة والمعاصرة مشروعاً تاريخياً صالحاً لصيانة الأمة وتطويرها؟‏

و- مفهوم الآخر الأجنبي الشبيه بنا والمختلف عنا في آن.‏

إن موقفنا من الآخر الأجنبي هو الوجه الآخر لموقفنا من التراث إذا كان الآخر الأوروبي قد قام بحركة استعمارية غاشمة شاملة في الماضي فإن الثورات الوطنية استطاعت أن تهزمه وتنجز الاستقلال السياسي ولم يكن ذلك الآخر على فظاعته بربرياً وهمجياً ومتوحشاً ومتعطشاً للدماء كالآخر الأميركي المعاصر الذي رفع شعار «العولمة» أو الأمركة معتقداً أن الإنسان قد اكتمل تطوره في النموذج الأميركي وفرض على العرب خاصة أن يحددوا موقفهم فإما أن يكونوا معه أي أن يكونوا خدماً لسياسته وذيولاً لآرائه وإما أن يكونوا ضده، وعليهم حينئذ يقع وزر اختيارهم!! هكذا يوصد الآخر الأميركي أبواب الحوار في وجوهنا ويحاول القضاء على الثقافات الوطنية ويجعل من الساسة ومن يحركها جهاراً بأصابعه كيف يشاء، إن كمية الرياء في السياسة الأميركية قد تناقصت حتى أوشكت أن تتلاشى فهي تعلن ماتريد دون التواء ولا مراوغة.‏

والذي أريد أن انتهي إليه هو أن علاقتنا بالآخر الأجنبي في هذا القرن هي أعقد وأصعب وأخطر وأشد التباساً مما كانت عليه حتى أواخر القرن المنصرم، فكيف يمكننا أن نصوغ هذه العلاقة صياغة مختلفة عن كلتا الصياغتين- صياغة الإلحاق أو صياغة التدمير- اللتين يحاول الاستعمار الأميركي فرضهما علينا؟ هل تستطيع الثقافة العربية وهي القلعة الأخيرة التي يمكننا أن تعصمنا عن الانهيار والذوبان إذا بنيت على وفق استراتيجية قومية أن تكون درعاً واقية لنا فتكشف عبر الركام التاريخي عن حقيقة الذات العربية وتؤكدها وتعزز الانتماء إليها؟ إن على الشعوب إذا أرادت أن تظل حية أن تواجه شروطها التاريخية بجسارة واقتدار وحينئذ سيكون النصر حليفها دون ريب، هذا هو الدرس الذي تعلمناه من التاريخ.‏

ز- مفهوم العلامة اللغوية إن الحديث عن العلامة اللغوية هو حديث عن سلطة النص وعن اللغة وعن قصدية المؤلف، ما موقفنا من هذه العلامة؟‏

هل هي علامة تنتج دلالة تتحول إلى دال يتحول بدوره إلى مدلول فدال في حركة لا تقف عند حد، وهو ما يعبّر عنه نقدياً بالإرجاء المستمر للمعنى أو الدلالة وفي هذه الحال ستتلاشى سلطة النص ويفقد وجوده الموضوعي ويتحول إلى غابة أو تيه من الدوال وستفقد اللغة وظيفتها الأم وكثيراً من وظائفها الأخرى وسيغيب سياقها التاريخي الاجتماعي الذي تحمله أم إننا سنقبل بتعدد دلالة العلامة اللغوية بشروط تعصمها من الانهيار والتلاشي وما هذه الشروط بعبارة أخرى هل سنقبل فتح النص على قراءات متعددة ولكنها ليست لا نهائية وماشروط هذه القراءات؟‏

وأختم هذا الحديث بثلاث توصيات:‏

1- ضرورة الاهتمام بالدراسات الأدبية المقارنة وهي دعوة قديمة حديثة.‏

2- ضرورة الاهتمام بلغة النقد المعاصر والارتقاء بها.‏

3- ضرورة الاهتمام بالشعر العربي المعاصر على اختلاف أقطار الوطن العربي.‏

Yomn.abbas@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية