تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غابـــــت عنــــــا.. فســــــــــألنا..أيـــن هــــي..؟!

ثقافـــــــة
الاثنين 27-5-2013
 هفاف ميهوب

لاشكَّ أن فضول الإنسان لمعرفةِ كل ما يحيط به, هو من دفعه ومنذُ أقدم العصور, لرصدِ الأحداث والمتغيرات الغامضة التي تدور حوله... هو من دفعه للتفكير الدؤوب, بما سيؤول إليه مستقبله..

أيضاً, هو من اضطرَّه للترقُّبِ والتوقّع والتخيُّل والنفاذ إلى عمق المجهول, وإلى أن بات قادراً على امتلاك رؤىً ثاقبة في قدرتها, على جعلهِ يستشرفُ المستقبل أو يستبصره..‏

إذاً, قراءة الحاضر واستشراف المستقبل, من الأمور التي بحث فيها الإنسان بكلِّ قواه وغرائزه وأحاسيسه ومورثاته وانفعالاته.. من الأمور التي اضطرَّته للبحث عن ماهيةِ تلك القوى التي تتحكم بحياته, وإلى أن تحوَّل بحثه هذا إلى علمٍ, كان سبيلهُ لابتكارِ ما أغنى اكتشافاته..‏

لكن, وبسبب غياب أو تغييب هذا العلم الذي كان سبباً في تحريضِ الذاكرة القلقة والمترقبة والفضولية, قمنا بسؤال بعضِ الأساتذةِ المهتمين, عمَّا إذا كان لدينا فعلاً دراسات استشرافية.. أيضاً, من يقوم بها أو يُعنى بأدائها, ومن المسؤول في حال غيابها, وهل هناك من سبيلٍ لإعادة تفعيل دورها؟..‏

د.عاطف بطرس - ناقد أدبي:‏

لانمتلك دراسات دقيقة لاستطلاعاتٍ بعيدة المدى‏

أولاً, وقبل الإجابة على هذا السؤال, يجب علينا أن نحدِّد ماذا نعني بالاستشراف؟.. بالعودة إلى الفضاءات الدلالية لهذه المفردة, نجدُ لها معانيٍ ودلالات متباينة, فالبعض يعتمد مفهوم الكشف أو التنبؤ بوقائعٍ مستقبلية تُبنى على الحدس, بينما أفهم من دلالةِ هذه المفردة, دراسة الواقع الموضوعي بطبقاته المتراكمة, دراسةً علميَّةً دقيقةً تقوم على التقصّي والاستقصاء والمقارنة والتحليل والاستنتاج, وصولاً إلى ما يحمله الغد, لأن المحمول من المستقبل يُؤسَّس على الراهن, والراهن يتكون من الماضي في سلسلة تفاعلاته مع الحاضر, للانتقال إلى احتمالاتِ المستقبل.‏

إن فهم هذه العلاقة الجدلية مابين الماضي والحاضر والمستقبل, يستدعي التحديد الدقيق للاحتياجات المدروسة, وسواء كانت جزئية أم كلّية, فالتحديات المطروحة أمامنا كبيرة جداً, وشديدة التعقيد والتداخل, ولابدَّ لها من مسبارٍ علميٍّ منهجي, يُحدِّدُ تراتبية الأولويات, وهذا بالطبع يقتضي منهجاً علمياً وأدوات معرفية تُثمِّرُ مجمل ما قدمته العصور من تراكم معرفي, وبشكلٍ خاص, العصور الحديثة, وبكلِّ ما أنجزته من ثورات في المعلومات والاتصالات والتقانة.‏

إذا استطعنا تحديد ما نريد, ومن نحنُ, وما هي المكانة التي نطمح إلى شغلها في العالم, فعلينا أن نشْرَع بتأسيسِ أبنيةٍ متينةٍ تستجيب لأسئلةِ الحاضرِ وتؤسِّس لاستحقاقاتِ المستقبل, والمجال هنا رحبٌ وفسيحٌ, يبدأ من مكونات الشخصية «مسألة الهوية» وينفتح إلى حدودِ مجاراةِ منجزات ِ الشعوب المتقدمة في العلم والمعرفة.‏

الاستشراف بهذا المعنى, لا يمكن إلا أن يُبنى على أساسٍ من العقلانيةِ والموضوعية والاستخدام الأمثل لكلِّ منجزٍ معرفي, بغضِّ النظر عن مصدره, فالعلمُ والمعرفة لا هوية لهما, إذا أخذنا بعين الاعتبار انفتاح المكان واختصار الزمان.‏

لكن, هل نمتلك دراسات وأبحاث استشرافية, بمعنى هل لدينا استراتيجيات بعيدة المدى تُلبي احتياجات وتطلعات شعوبنا, ولردمِ الهوّة المعرفية بين ما يُسمَّى الدول المُخلَّفة والدول المتقدمة, أو ما يُشاع بين دول الشمال والجنوب, أو بين المركز والأطراف؟.‏

في حدودِ معرفتي وعلمي, أننا ما زلنا في ممارستنا وطرائق تفكيرنا, نميلُ إلى ردِّ الفعل, فنحنُ نعالج المشاكل بعد وقوعها, بهذا المعنى, لا نمتلك دراسات علمية دقيقة ومنهجية تقوم على التقدم الحاصل في علوم الإحصاء الاستطلاع والمقارنة, وصولاً إلى ما نبتغيهِ, والمسألة هنا ببساطة, تتحدَّد بتقييمنا لمكانتنا وموقعنا من تاريخِ وتطوّر الحضارات العالمية, فإذا أردنا المساهمة جدِّياً لإعادة ما سُرقَ منا من مساهماتٍ علميةٍ ومعرفيةٍ, في عصورنا الذهبية, لا بدَّ لنا من الانفتاح دون خوفٍ أو تردُّدٍ, وعلى مجملِ ثقافاتِ وإنجازات العالم المُتقدِّم, متحرِّرين من عقدتين هما, تمظهرٌ أو تجلٍّ, للشعور بالنقصِ أمام الغربِ من جهة, والاستعلاء والاكتفاء بمنجزات الماضي, فنحن, إذا توفَّرت الظروف المناسبة والإرادة الحازمة لدينا, نملك من الإمكانيات والمهارات والقدرات, ما يُمكِّننا من التأسيسِ لعلومٍ استشرافية تستطيع إلى حدٍّ ما, التنبُّؤ بمسارات المستقبل, مع علمنا المُسبق, بأن خط الزمن لا يسير باتِّجاهٍ واحد, والتنبؤ بهذا المعنى, محفوفٌ أيضاً بإمكانياتِ التحوُّل والتغيير والارتداد أحياناً.. وعي هذه الحالة وإدراكها علمياً, يجنِّبنا الكثير من المخاطر.‏

د. نبيل الحفار - مترجم وناقد مسرحي:‏

التخطيط للمستقبل شبه مشلول إن لم يكن معدوماً‏

1 - الاستشراف أو التخطيط للمستقبل, انطلاقاً من الواقع الراهن نحو ما يراد للمستقبل أن يكون عليه، أمرٌ يُفترض أن يكون منوطاً بعمل وزارة التخطيط, فقد أُنشئت أساساً لهذا الغرض, ولهذا الغرض نفسه أنشئت في كل وزارة من الوزارات مديرية تسمى «مديرية التخطيط» مهمتها في حيز اختصاصها، أن تستشرف المستقبل بالتخطيط له، ومن قبل اختصاصيين ضالعين في طبيعة عمل هذه الوزارة أو تلك وبمهماتها و أهدافها, و هذه المديريات ترسل نتائج أعمالها إلى «هيئة تخطيط الدولة «، حيث تُوضع مشاريع خطط الدولة ككل، و تدرس كي تخصص لها الميزانيات الكافية لتنفيذها بعد إقرارها في رئاسة مجلس الوزراء.‏

هكذا، باختصار، يجب أن تسير عملية الاستشراف، لتلبية حاجات المجتمع المستقبلية، بغية تطوير هذا المجتمع والارتقاء به درجة فدرجة على سلم التقدم, و لا يجوز أن يتأثر عمل مديريات التخطيط وهيئة تخطيط الدولة بتغييرِ وتبديل الوزراء والمسؤولين. فالمجتمع قائم والدولة باقية، أما المسئولون فيتبدلون، وهذا من طبيعة الأمور.‏

2- على صعيد الواقع الملموس، نجد أن عمل الجهات المعنية بالاستشراف و التخطيط للمستقبل شبه مشلول، إن لم يكن معدوماً نهائياً. إلا في مجالات حساسة جداً، كالاقتصاد والصحة مثلاً، ذات الآثار الملموسة مباشرة في الواقع, وكيلا أبتعد عن اختصاصي، أقول إن الوضع في بعض المجالات الأخرى، كالتعليم والثقافة والنشر، يدعو لليأس، بسبب غياب التخطيط، أو عدم تنفيذ دراسات الجهات المعنية, وهذا ناتج إلى حدٍّ كبيرٍ عن ذهنيات عمل المسؤولين. فكل مسؤول جديد يريد أن يقولب الوزارة وفقاً لرؤيته الخاصة و مزاجه، و كأن ماسبقه لم يكن موجوداً. علماً بأنه هو نفسه سيتبدل بعد بضع سنوات. في إحدى الحالات وصل الأمر بالوزير الجديد بأن تدخل في مناهج التعليم وغيرها، مع أنه أكاديمياً غير مؤهَّل لذلك، ما أدى إلى انسحاب المدرسين الاختصاصيين.‏

3 - لهذه الأسباب وغيرها، مما يضيق المجال عن ذكره هنا، نجد أن أوضاعنا تدعو فعلاً إلى اليأس, و أنها بحاجة إلى مراجعة جذرية على أسس علمية اختصاصية..‏

د. غسان السيد - ناقد:‏

هي غير موجودة لدينا ولا يوجد مراكز متخصِّصة‏

لا أعتقد أن بالإمكان البحث في هكذا دراسات لأنها أصلاً غير موجودة في سورية, إضافة إلى عدم وجود مراكز متخصصة بالدراسات الاستشرافية, التي تحتاج إلى مختصين وفريق عمل كامل لا إلى أفرادٍ يصعب عليهم القيام بهذه الأعمال.‏

إذاً, مراكز الدراسات لدينا غير فاعلة, وهي غير موجودة إلا في البلدان المتقدمة, حيث تُمنح دراسة الاستشراف أهمية كبيرة تؤهلها للمساهمة في رسم سياسات تلك الدول, ومن خلال مراكز دراسات وبحوث متخصصة بتقديم الاقتراحات, وخصوصاً في مجال السياسة والاقتصاد, وهو ما يساعد الإدارات السياسية على اتخاذ القرارات المصيرية التي تتعلَّق بمستقبل شعوبها وبلدانها.. أيضاً, ساعد وجود هذه الدراسات في الغرب, على حلِّ مشكلات كثيرة منها مشكلات البيئة والأزمة العمرانية, وبسبب اعتماد تلك الدول على الدراسات المستقبلية التي يؤخذ بها في تخطيط ورسم السياسات العمرانية, ولأكثر من خمسين عاماً قادمة..‏

أما من يتحمل مسؤولية غياب هذه الدراسات في بلداننا, فالدولة من خلال مؤسساتها. لكن, وباعتبار مراكز البحث العلمي والدراسات الاستشرافية غير موجودة لدينا أو غير فعالة, فبالتالي المسؤولية تكون متبادلة مابين الحكومة والمؤسسات الجامعية والعلمية..‏

بالنسبة للسؤال عما إذا كان بالإمكان تفعيل دور هذه الدراسات, فبالإمكان تفعيلها, ومن خلال فرق بحثٍ متخصصة, إضافة إلى الاهتمام وسواء الحكومي أو المؤسساتي, وهو ما لا يمكن أن يكون وبدلالة ما نشهده من واقعٍ سائد.. واقع بات يتطلّب تحرير العقل أولاً, ودون أن ننسى دور المثقف الذي بات غير قادرٍ على التأثير في الشارع.. ذاك الذي أصبح كالقطيعِ لا قوانين ناظمة له لطالما, بات بالإمكان اقتياده والتأثير به من قِبل أي متطرّفٍ قادرٍ على اختراق القوانين وتبديلها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية